جريدة الزمان

سماء عربية

قراءة فى رواية ”1919م” لأحمد مراد

مصطفي ابراهيم طلعت -

قد لا أكون ناقدًا أدبيًا، لكنى بالتأكيد أدرك الفارق بين المؤرخ والروائى، فالمؤرخ ينقل الحدث كما هو بحذافيره، ولا يترك لمخيلته العنان فى تصويره، بعكس الروائى الذى ليس مطالبًا بأن يأخذ التاريخ بحرفيته، بل يملك شيئًا من الحرية فى التعامل مع الحدث وتطويعه لخدمة روايته فله أن يضيف ما تحتاجه الحبكة الروائية سواء بافتعال قصة حب أو يخلق شخصيات غير موجودة أصلًا فى الحدث التاريخى، لكنه فى عموم الأحوال لا يملك تحوير الأحداث على غير وجهها الصحيح بشكل يخالف وقائع التاريخ.

أسوق هذه الكلمات مقدمة لمناقشة رواية بعنوان "1919" للروائى الشاب أحمد مراد، تدور أحداثها – كما هو واضح من أسمها - خلال فترة ثورة 1919م، وهى رواية جميلة ممتعة استمتعت بقراءتها على الرغم من أن الكاتب قد أسبغ بعضًا من الدراما وأسقطها على أسماء أبطاله، وهى أسماء تمثل الأسماء الحقيقية لأبطال ثورة 1919م، مع الكثير من التشويق والأحداث المثيرة التى لم تحدث مطلقًا، ولم تكن موجودة من الأساس فى أصل تاريخ ثورة 1919م، وإنما اصطنعها الروائى تحلية للعمل الدرامى، ولشد الانتباه وحبكة الدراما القصصية.

ولا أنكر أن أحمد مراد نجح فى تقديم رواية جيدة خلط كثيرًا بين الواقع والمجازى، إلا أن وضع الأسماء الحقيقة والتى عاصرت الثورة على خيال كتبه ونسجه خدمة للقصة، أحدث خلطًا لدى القارىء وجعله يعتقد أنها أحداث حقيقة عاشها هؤلاء الأبطال، لذا رأيت تصحيح هذا الخلط بين حقيقة أبطال الثورة والخيال فى الرواية، ولعل أهم النقاط التى استوقفتنى هى :

  1. إن كافة أبطال ثورة 1919م كانوا من شباب الجامعات أو المدارس الثانوية، وأعنى هنا الأبطال الذين كانوا ضمن الجهاز السرى، والمكلفين بأعمال إلقاء القنابل على رؤساء الحكومات التى خرجت عن الثورة، وارتضوا بقبول الوزارة تحت وجود الاحتلال البريطانى.
  2. لم يقم أعضاء الجهاز السرى من الطلبة بعمليات اغتيال للإنجليز، إذ كانت مهمتهم – فقط – ترويع ومحاولة اغتيال رؤساء الحكومات الخونة.
  3. اغتيال الجنود والضباط الإنجليز كانت مسئولية لجنة العمال والتى كان يترأسها الشيخ أحمد جاد الله والطوبجى وكانت تتم هذه العمليات بعد مشاورة كل من أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى فقط.
  4. لم يكن البطل عبدالقادر شحاته قط تاجرًا للكوكاين يبيعه للإنجليز، ولم يكن فى منتصف الثلاثينات ولم يكن أبوه فتوة يتقاضى الإتاوة من تجار الحى، ولكن كان عبدالقادر شحاته طالبًا فى المدرسة الإلهامية الثانوية، وكان شديد الحياء، وقد اعتبر أن القبلة التى قبلتها له العظيمة دولت فهمى عملًا لابد أن ينتهى بالزواج منها؛ على الرغم من أنه لم يكن رآها من قبل إلا فى أثناء التحقيقات ومرة واحدة فقط.
  5. لم يلتق أحمد عبدالحى كيره بالعظيم عبدالرحمن فهمى "رئيس ومؤسس الجهاز السرى" قط، وكانت أعماله تتم من خلال رئيسه المباشر الذى قام بتجنيده "سيد الباشا" فى أوائل أبريل 1920 م.
  6. لم ير كيرة فى حياته الملكة نازلى ولم يكن يعلمها على الإطلاق، وقد كانت فى هذا التوقيت زوجة السلطان أحمد فؤاد والد الملك فاروق الأول؛ وبالتالى لم يكن هناك أية قصة حب بينهما، ولا حتى لقاء لا من قريب ولا من باب المصادفة.
  7. وكذلك لم يكن يسمى بين زملائه ابن اللنبى، ولاتوجد أية علاقة - ولو من باب الخديعة - بادعاءات صداقات مع الإنجليز؛ فقد كان من الشباب المتحمس والذى لفتت حميته وشجاعته سيد محمد باشا إليه، فشرع فى تجنيده للعمل فى الجهاز السرى، وكان عمره فى هذا الوقت عشرين عامًا فقط، وبالتالى فمن المستحيل أن يكون أبوه قد قتل فى أثناء الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882م، وإلا كان عمره يقارب الأربعين، فى حين أنه اغتيل فى اسطنبول وعمره 28 عامًا.
  8. كذلك لم تكن دولت فهمى من أسرة فقيرة بصعيد مصر، وإنما من أسرة ثرية، ولم تكن تعمل بالقاهرة مدرسة ولكنها كانت ناظرة بمدرسة ثانوية، وكانت تجيد اللغة الفرنسية بطلاقة تامة، نتيجة تواجدها بمدارس الراهبات بالصعيد المصرى شأن الأسر العريقة والثرية فى مصر.

هذه هى بعض الملاحظات التى رأيت ضرورة تصحيحها  لوضع حد فاصل فى الخلط بين رواية الروائى أحمد مراد "1919م" وبين حقيقة واقع ثورة 1919 وأبطالها.

وأعتقد أن أحمد مراد قد اطلع على كتاب " الكتاب الممنوع أسرار ثورة 1919" وتعرّف على بعض أسماء أبطال الثورة وقدمها فى روايته، بعد ما أضاف إليها خياله القصصى، لتصبح مادة خصبة تشد انتباه القارئ، وقد نجح إلى حد كبير، لكنه أحدث كثيرًا من الخلط بين الواقع والخيال يستوجب التصحيح.