جريدة الزمان

تقارير

بالبدلة العسكرية.. مبارك كما لم تره من قبل

هبة يحيى -

المؤرخ العسكرى لقوات الدفاع الجوى: كان سببًا فى الكشف عن أوكار الإسرائيليين المختبئة

السنجق: مبارك وطد علاقات التعاون بين القوات الجوية والدفاع الجوى.. وحقن دماء العراقيين وحرر الكويت

ظل متمسكًا باسترجاع آخر شبر من أرض مصر

رفض المكان واختار المكانة، أشهر ما نطق به: "بلادى وإن جرت على عزيزة وأهلى وإن ضنوا على كرام".. قائد أول ضربة جوية سمحت للقوات البرية المصرية بعبور قناة السويس والسيطرة على الضفة الشرقية، ودمرت النقاط الحيوية للقوات الإسرائيلية فى سيناء فى حرب أكتوبر 1973م، إنه الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، الذى تولى حقبة حكم المحروسة خلفا للرئيس أنور السادات بعد اغتياله على المنصة، فى 14 أكتوبر 1981م، وحتى تنحيه وتسليم الحكم للقوات المسلحة تحت الضغوط الشعبية فى 11 فبراير 2011م.

وقد فقدت مصر يوم الثلاثاء الماضى، آخر أكبر قادات حرب أكتوبر المجيدة، الذى كان مشهود له بانضباطه وسط زملائه فى الحرب، فله ماله وعليه ما عليه ومالنا ألا نذكر محاسن موتانا كما وصانا خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ويروى أحد أبطال قوات الدفاع الجوى فى حرب يونيو والاستنزاف لـ"الزمان"، أسرار جديدة بشأن حياة مبارك العسكرية، اللواء دكتور يحيى السنجق المؤرخ العسكرى لقوات الدفاع الجوى، ومدير مكتب الفريق محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى إبان حرب أكتوبر، ثم ترقى إلى مدير مكتب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، قائلا: "إن ما ربطنى بالرئيس الراحل هى الخدمة فى القوات المسلحة المصرية أثناء الحرب، وتعرفت عليه عندما كان قائدا للقوات الجوية، وكنت أنا حينها فى مكتب قوات الدفاع الجوى كانت هذه هى المرحلة الأولى فى معرفتى به".

وأضاف "السنجق": "أما المرحلة الثانية كانت عندما توليت مدير مكتب أركان حرب القوات المسلحة، حينما بدأ مبارك فى تأكيد وتوطيد العلاقات بين القوات الجوية والدفاع الجوى، وتقوية أواصل التعاون بين القوتين حتى لا يمكن لأخرى القيام بشىء دون التنسيق مع القوى الأخرى مما تسبب فى حماية العديد من الطائرات لدينا، وظهر ذلك منذ بدايات حرب الاستنزاف، فوطدت خططه مع أول قائد لقوات الدفاع الجوى المصرى المشير محمد على فهمى، وأشهد له دوام التواجد مع القوات وعدم تقصيريه فى أى شيء أثناء خدمته العسكرية".

وأوضح المؤرخ العسكرى لقوات الدفاع الجوى، أن الرئيس الراحل مبارك من شدة حرصه على التواجد لربط خطط القوتين بعضهما ببعض، كان إذا تعسر حضوره لشىء طارئ أرسل اللواء صلاح المناوى رئيس شعبة عمليات القوات الجوية فى حرب أكتوبر نائبا عنه، فينقل له ما تم التشاور فيه من جودة طائرات وخطط بديلة واستعداد الجنود لكى يتم التنظيم معنا، ونجح بالفعل فى هذا وبدا هذا واضحا فى جميع نتائج المعارك التى خضناها مع الكيان الصهيونى، فكان قائدا عظيما تحمل المسئولية فى وقت قاسى جدا، وأدى ما هو مطلوب منه كقائد عسكرى بصرف النظر عن حياته المدنية سواء اتفقنا أو اختلفنا نحن المواطنين على أشياء فيها".

وأشار اللواء يحيى السنجق إلى أنه يذكر الجانب العسكرى الذى ينتمى إليه، وأشد له أنه قام بدور كبير فى حرب 1973م فى تخصيص المهام للقوات الجوية سواء كانت الضربة الجوية الأولى التى ضرب العمق الإسرائيلى فى سيناء، وأيضا معاونة القوة الجوية للقوات البرية لتدمير النقط الحصينة لجيش العدو واكتشاف أنفاق الإسرائيليين الذين كانوا يحتمون بها، مؤكدا أنه لا يمكننا أيضا إهمال دوره فى عملية الإسقاط والإنزال الجوى بالطائرات الهليوكوبتر فى عمق المعسكر الإسرائيلى".

وأكد مدير مكتب الفريق محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى إبان حرب أكتوبر، أن عمليات الاستطلاع المستمرة التى وجه بها محمد حسنى مبارك، كانت سبب قويا للكشف عن أوكار العدو المختبئة، حيث أن القوات المسلحة لا تستطيع جمع معلومات كافية عن العدو دون استطلاع جوى وبرى ولاسلكى مستمر لتحديد المهام فى أراضى الاستطلاع، التى كان يكشف فيها بطائرات الميج 21، فكانت تنقل المعلومات لكافة القوات البرية، لمعرفة أوضاع العدو على الأرض والتعامل معها بخبرة وحنكة، وكان حسنى مبارك قائد سرب حتى عام 1959".

وتابع: "التحق بالكلية الحربية، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية فبراير 1949، وتخرج برتبة ملازم ثان، والتحق ضابطا بسلاح المشاة، باللواء الثانى الميكانيكى لمدة 3 شهور، وأعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة بها، من خريجى الكلية الحربية، فتقدم حسنى مبارك للالتحاق بالكلية الجوية، ووتخرج فى الكلية الجوية، حيث حصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية فى 12 مارس 1950".

حقيقة تولى مبارك نائبا لوزير الدفاع

وأردف: "أن مبارك سافر فى بعثات متعددة إلى الاتحاد السوفيتى، منها بعثة للتدريب على القاذفة إليوشن ـ 28، وبعثة للتدريب على القاذفة تى يو 16، ومن ثم أصبح محمد حسنى مبارك، قائداً للواء قاذفات قنابل، وقائداً لقاعدة غرب القاهرة الجوية بالوكالة حتى 30 يونيو 1966، ترقى لرتبة العميد فى يونيه 1969، ثم منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ثم قائداً للقوات الجوية فى أبريل 1972 م، خلفا للواء على بغدادى، وبعض وسائل الإعلام تردد أنه كان نائبا لوزير الدفاع ولكن هذا غير صحيح، ولكنه تخرج على يديه العديد من الماهرين فى قيادة الطائرات الجوية".

حقن دماء العراقيين.. وحرر الكويت

واستكمل "السنجق": "اختاره الرئيس أنور السادات نائبا له، ومن ثم تولى مبارك حقبة الحكم بعد استشهاد السادات، وكانت العلاقان آنذاك بين مصر والدول العربية سيئة وضعيفة مع دول العالم خاصة الغرب، ولكن بحنكته السياسية وكفائته الشخصية ولباقته تمكن من تحسيت تلك العلاقات مع هذه الدول، وقام بدور كبير أيضا أثناء حرب الكويت ولكنه لم يوافق على جميع طلبات الولايات المتحدة الأمريكية، حيث رفض تدخل القوات المصرية فى العمق العراقى لتدمير قواتهم المهاجمة التى غزت الكويت، واقتصر دوره على تحرير الكويت فقط وطرد القوات العراقية من الكويت، ويحسب لمبارك هذا التصرف أنه لم يرض بقتل العربى على يد سلاح عربى آخر وأراد حقن الدماء، واكتفى برد العدوان".

علاقته بأفريقيا

أكد اللواء يحيى السنجق، أن الرئيس الراحل حاول تحسين علاقته بأفريقيا، ولكن محاولة اغتياله عام 1995 فى "مالابو" خلال حضوره أحد مؤتمرات القمة فى أديس أبابا، لذا انكمشت العلاقات المصرية الأفريقية فى ذاك الوقت إلى حد ما، إلا أن أعدناها مؤخرا فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى".

رجوع مصر لريادتها فى الجامعة العربية

قال اللواء يحيى إنه تم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، وتعيين أمين عام جامعة الدول العربية من جنسية غير مصرية، وتم تجميد عضوية مصر، لكن مبارك نجح فى إعادة هذه العلاقات عام 1989 وأعاد عضوية مصر التى جُمدت فى الجامعة العربية منذ اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وإعادة مقر الجامعة إلى القاهرة.

علاقة مبارك برؤساء الدول

ووصف "السنجق"، علاقة مبارك برؤساء الدول العربية قائلا: "كان القادة العرب يثقون فى جديته ووطنيته فكانت علاقته بهم متينة، وكان له رأى ووجهة نظر ثاقبة حينما رفض إشراك مصر فى أى معارك خارج الأرض المصرية أو نطاق الدولة المراد تحريرها، وذلك ينبع عن خبرة قتال اكتسبها أثناء حرب اليمن والحرب خارج مصر وخدمته العسكرية فى القوات المسلحة، حيث لم يفرط فى دم الجندى المصرى، لذا كان مرحب فيه فى كل الدول الغربية بالوضع الذى يليق به كقائد دولة كبيرة كمصر، فكان لا يتخذ مبارك أى قرارات عشوائية أو غير مدروسة أو متسرعة فكان يتروى دائما ويضع مصلحة الأمن القومى المصرى فى المرتبة الأولى".

واختتم: "كانت بعض تصرفاته لا أوافق عليها ولكن أنا أذكر جانب حياته العسكرية، أما حياته المدنية بعد حياته العسكرية فهى حياة عامة تدخل فى نطاق الرأى العام وتنقسم بين مؤيد ومعارض لا شأن لى بها، وأذكر أنه كان مهتما جدا بلياقته البدنية وأكثر رياضة كان يحبها هى الاسكواش".

من جانبه قال الخبير العسكرى اللواء محيى نوح أحد أبطال الصاعقة والمجموعة 39 قتال، أن مبارك وجه بقيام الضربة الجوية الأولى فى الساعة الثانية ظهرا، لضرب المواقع والخطوط الأمنية للكيان الصهيونى، وكان له موقف قتلى مشهود فى حرب أكتوبر، أما بالنسبة لحياته المدنية فليحكم عليه التاريخ ما له وما عليه.

وأضاف "نوح"، لـ"الزمان"، وكان رجل عسكريا منضبطا نشيطا، وقياداته على جميع المستويات شهدت له بقدرته على تحمل مسئولية قيادة القوات الجوية، وذلك كان جليا من خلال التقارير التى كانت تكتب عنه أثناء الخدمة، مشيرا إلى أن حسنى مبارك تمسك برجوع آخر شبر من مصر.

وأوضح بطل قوات الصاعقة، أنه عند استلام الأرض كان هناك 14 نقطة مختلف عليها، تم استرجاع هذه النقاط عدا واحدة، بسبب إخفاء إسرائيل لملامح علامات هذه النقطة، حيث فى عام 1982 وفى أعقاب تمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء فى 25 أبريل، ادعت إسرائيل بحقها فى منطقة طابا الإستراتيجية، فاتخذ قرارا باللجوء إلى التحكيم الدولى حيث جند مجموعة من الخبراء استطاعوا إثبات حق مصر التاريخى فى طابا لتحكم المحكمة الدولية بعودة طابا إلى مصر، ورفع مبارك العلم المصرى على أرضها، فى 19 مارس عام 1989م، فهو الذى استكمل استلام باقى الأرض".

واختتم: "أن البعض يظن أن مبارك قاد الطائرة فى 73 هو قائد فكان يوجه الطائرات وهو متواجد فى مركز 10 مع الرئيس أنور السادات وقيادات القوات المسلحة".