الزمان
جريدة الزمان

تقارير

«الاستقلالية».. الحلم المشبوه للفتيات المنبوذة مجتمعيًا

بسمة أحمد -

التحرر من القيود الأسرية يدفع الفتيات للهروب القاتل

فتيات يقررن تحدى العادات والتقاليد

صاحبات التجارب: نواجه إساءة من الشباب والجيران وليس من حقنا الزواج

الأوقاف: تقليد أعمى للغرب والإسلام يرفض التفكك الأسرى

خبراء علم النفس: التفكك هو سبب استقلال الفتيات

 

بسمة أحمد

من المتعارف أن المجتمع المصرى له عاداته وتقاليده الشرقية، الذى لا جدال عليها وبالأخص فيما يخص الفتيات، وهى أن تظل الفتيات بمنازل ذويهم حتى الزواج، ولكن تغير الوضع عندما سعت الفتاة للالتحاق بسوق العمل، وأصبحت الحياة تلزمها بالابتعاد عن أسرتها وتواجه الأزمات بمفردها.

من خلال "منشور" عبر شبكات التواصل الاجتماعى تستفسر فيه إحدى الفتيات عن تجاربهن فى الاستقلال عن منازل أسرهن، وظلت تروى مأساتها مع والدتها فى التحكم فى العمل والخروج والزواج، وقررت الانتحار عدة مرات، إلا أنها وجدت الملايين من التعليقات التى تجيب بالاستقلال عن الأسرة وعيش حياة هادئة، ومن هنا قررت المحررة مناقشة هذا الأمر مع تلك الفتيات.

بدأت "ه. م" التخطيط للاستقلال فى مرحلة مبكرة، حين أدركت أن من حقها أن تعيش الحياة كما تريد لا كما ترسمها عادات وتقاليد العائلة، وربما كان الدافع الأساسى هو رفضها نموذج الفتاة الثرية المدللة التى تنفق يميناً ويساراً من أموال الأهل، وتترفع عن الاختلاط بعامة الشعب، فقررت أن ترسم لنفسها خطًا آخر فى الحياة.

"من يملك المال هو الأقدر على تحديد مصيره".. هذا ما اقتنعت به منذ أن كانت تبلغ من العمر 18 عاماً، فقررت أن تلقى بنفسها فى سوق العمل بحثاً عن أى مصدر رزق، فعملت مندوبة مبيعات وامتلكت ورشة لصناعة الجلود، كما كانت عاملة استقبال فى أحد الفنادق، وعقب تركها منزل أسرتها ببنها اتفقت مع سيدة لا تعرفها جيداً على استئجار غرفة فى شقتها.

خطاب صغير تركته لأسرتها قبل إغلاق باب المنزل لمغادرته، وقد أكدت خلالها رغبتها فى الاستقلال، واحتياجها لقدر من الخصوصية، وضمنته ببعض الجمل من نوع لا تبحثوا عنى ولا تقلقوا على، سنلتقى حتما فى يوم من الأيام والتى كانت كفيلة بإصابة والديها بانهيار عصبى.

وتغيرت الحال وعلمت لاحقا أن منزل أسرتها أفضل بكثير من أى منزل آخر، حيث فوجئت بصاحبة الشقة تمنعها من الدخول بحجة أنها جاءت متأخرة، فأدركت أن إقامتها مع تلك السيدة لن تستمر طويلاً وأنها معرضة للنوم فى الشارع، وتصادف ذلك مع اكتشاف أهلها مكانها، فاضطرت إلى العودة معهم إلى المنزل لكن لتخطط كيف تتركه مرة أخرى بشكل أكثر احتراماً.

أمنية حسين قررت الانفصال عن أسرتها عقب الانتهاء من فترة الدراسة الجامعية فى كلية الحقوق، حيث كانت لا تزال تبحث عن ذاتها، وترغب فى الاعتماد على نفسها، إلا أن والديها لم يعطيانها الفرصة لذلك، "عشان أتعلم لازم يبقى عندى خبرات وأتعرض لخبطات لكن الأهل بيرفضوا وهما فاكرين أنهم بيحمونى، من حقى أجرب وأغلط والحياة محتاجة شخصية قوية لازم ننشف عشان نعرف نتعامل مع الدنيا، ولكن كان الرد من أسرتى دائماً اجلسى بالمنزل حتى يتقدم لك أحد".

حاولت أمنية تطبيق خطة الانفصال تدريجيا بحيث يستقبلها الأهل على مراحل، فى البداية اشتركت مع شقيقتها التى تعمل مصممة أزياء فى تأجير شقة تصلح كأتيليه، وبدأ الانسحاب التدريجى من بيت الأسرة فى اتجاه الإقامة الدائمة فى الأتيليه، إلا أن الأسرة توجست من تصرفاتهما وبدأ والداهما يتشككان فى دوافعهما هى وشقيقتها فى الانفصال، فكان الأب يفاجئ ابنتيه فى زيارات خاطفة وسريعة وقد يقيم معهما ليلة أو ليلتين.

وأكدت أمنية "البنت لما بتستقل عن أهلها، صعب تتجوز"، وتؤكد أن نظرة الشباب للفتاة المستقلة لا تخرج عن إطار وصمها بأنها "منحلة وماشية على حل شعرها"، فى حين تعتبر هى أن الاستقلال فرض عليها مسئولية كبيرة، حيث بدأت تضع لنفسها قيوداً بشأن مواعيد العودة إلى المنزل، حتى لا تصبح مادة لأحاديث الجيران، كما تتحمل كل نفقاتها الشخصية بمفردها، وتخطط للانفصال عن شقيقتها لتقيم فى شقة بمفردها خلال الفترة المقبلة.

رغم أن حلم الاستقلال ظل يراود أمنية لأكثر من 10 أعوام واعتبرت تحقيقه إنجازاً، كما تظن الكثيرات اللاتى يحلمن بالخروج من بيت الأسرة ويعتبرن الزواج هو الحل السلمى الوحيد لتحقيق ذلك، وبالفعل تركت منزل أسرتها وما زالت تواجه انتقادات الجيران على ملابسها وإقامتها بمفردها.

ميرفت محمود لم تفكر يوماً فى الاستقلال عن الأهل إلا أن عملها كمديرة للعلاقات العامة فى بعض فنادق الغردقة وشرم الشيخ فرض عليها الابتعاد عن الأهل لفترات طويلة، ذاقت خلالها متعة أن تتحمل مسئولية نفسها.

وبمجرد أن أتمت عامها الثامن والعشرين شعرت برغبة ملحة فى الاستقلال عن الأسرة، "كان نفسى أبقى ست بيت وحسيت أنى ممكن أقبل بأى رجل لأحصل على استقلاليتى"، ولكنها لم تجد شريك الحياة الذى يناسبها، فكانت الخطة أن تزوج قطتها لتنجب ما يزيد على 6 قطط، ضاقت بها والدتها، فاتخذت من قططها حجة لتغادر المنزل إلى مسكن إحدى صديقاتها، إلا أن ذلك الحل لم يدم طويلاً واضطرت إلى البحث عن مسكن آخر، لكن هذه المرة بمساعدة الوالدة نفسها، وهو ما اعتبرته أمراً إيجابيا حتى لا ينظر إليها الجيران على أنها هاربة من أهلها.

وأكدت ميرفت أن الناس يحاولون استغلال البنت المستقلة، وهو ما واجهته فى البداية، حيث تعرضت للتحرش فى الشارع الذى تقيم فيه تحت مرأى ومسمع حراس العقار فى المنطقة دون أن يحرك أحد ساكنا، كما كانت تفاجأ بمن يدق بابها بعد منتصف الليل، وناهيك عن الكثير من المضايقات التى تتعرض لها إذا ما علم الناس أنها تقيم وحدها، لكن بعد 8 أعوام من المعاناة استطاعت أن تجبر الجيران وكل المحيطين بها على احترام تجربة استقلالها، باستثناء بعض الصديقات اللاتى رفضن صداقتها بعد علمهن بخبر استقلالها عن أهلها.

بينما أكدت هند ميخائيل، عقب وفاة والدتها وزواج والدها من فتاة مقتربة منها بالعمر، كانت تحلم بالاستقلال، وعقب أن أتمت عامها الـ20، تركت منزل أسرتها ليلاً تاركة خطابا صغيرا لوالدها تهنئه على الاستمتاع بالمنزل مع زوجته الصغيرة، وظل يبحث عنها ولكنه لم يجدها، حيث تركت المنصورة متوجهة إلى القاهرة، وظلت تقيم بأحد الفنادق الصغيرة إلا أن عملت مندوبة مبيعات لأحد المنتجات، وظلت تجاهد لأعوام إلى أن قامت بتأجير شقة بمفردها، وأصبحت مستقلة بذاتها وتعمل، ولكن لم ينتهِ حديث الجيران، وما أن تقوم بالتعرف على شاب ما، حتى يتركها عقب أن يكتشف أنها مستقلة عن أسرتها، فعلمت أن الفتيات المستقلات لم يتزوجن بعد .

بينما أكد الدكتور طه أبوالحسن، أستاذ علم النفس والاجتماع بجامعة القاهرة، لـ"الزمان" أنه يرفض فكرة استقلال الفتيات عن الأهل، مشيراً إلى أن الفكرة تبدو مبهرة للكثيرات للوهلة الأولى، إلا أنها فى الواقع شديدة الخطورة، حيث تصاحبها عادة مشاعر ذنب لا واعية كما أن الشعور بالوحدة شديد القسوة.

وأرجع الدكتور طه أبوالحسن، رغبة العديد من الفتيات فى الاستقلال إلى شراهة البحث عن الحرية، وأطلق عليها ثقافة الـ Extra أو الرغبة فى الحصول على المزيد دوماً وعدم الاكتفاء من أى شىء، مؤكداً أن انتشار تلك الرغبة فى المجتمع يمثل نوعاً من القسوة الشديدة فى معاملة الأهل وزعزعة لشعورهم بالأمان.

بينما أكد الدكتور عادل الميراغى، إمام مسجد النور بالعباسية، وأحد علماء الأزهر والأوقاف، أن فكرة الاستقلال ليس لها أساس فى العرف الشرقى والعادات والتقاليد التى اعتدنا عليها منذ تكوين المجتمع، وهذا تقليد أعمى للغرب، والفتاة جزء لا يتجزأ من الأسرة وحتى بعد الزواج، وأغلب حالات الاستقلال هى بسبب تفكك أسرى.

وأضاف المراغى، أنه عرض عليه الكثير من الحالات وبالأخص الفتيات، كن يأتين إلى مسجد النور بالعباسية وكن يردن الانفصال عن أسرهن بسبب أزمات مع والديهن أو أشقائهن، وليس هناك بعد التخرج استقلالية، فالإسلام يدعو إلى قيمة التماسك الأسرى، وتكريم الفتاة على أنها أم أو زوجة أو أخت، وناهيك عن الإساءة التى تتعرض لها.