جريدة الزمان

فن

المطرب الذي اقتبس كلماته من السياسي مصطفي كامل

سيد درويش.. فنان الشعب وإمام الملحنين

الفنان المطرب سيد درويش
سامية عبد القادر -

تحل اليوم ذكرى ميلاد "فنان الشعب" سيد درويش والذي ولد في مثل هذا اليوم 17 مارس من عام 1892 في الإسكندرية.

سيد درويش وبرغم عمره الفني القصير؛ حيث توفي في عام 1923، إلا أنه يعد من أعظم الفنانين المصريين الذين أثروا الحياة الفنية بألحانه، بل وأصبح أستاذا لمعظم الموسيقيين الذين جاءوا من بعده وأولهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.

الميلاد والبداية

ولد سيد درويش في 17 مارس عام 1892، في حي كوم الدكة بالإسكندرية.

خلال طفولته لم تكن عائلته قادرةٌ على تحمل تكاليف تعليمه، لذا انتسب إلى معهد ديني لأحد مساجد الإسكندرية، وهو مسجد "العباس- المرسى" حيث حفظ القرآن وتجويده.

بعد تخرجه من المدرسة الدينية حصل على لقب الشيخ سيد درويش ، كما درس لمدة عامين في الأزهر، وترك دراسته لتكريس حياته للموسيقى والغناء، ثم دخل مدرسة الموسيقى حيث أُعجب مدرس الموسيقى سامي أفندي بمواهبه وشجعه على المضي قدمًا في مجال الموسيقى.

تدرب درويش في ذلك الوقت ليكون منشدًا كما كان يعمل كبناء من أجل إعالة أسرته، سُمع لاحقا من قبل "الأخوَين عطالله" السوريين اللذين سمعاه وهو يغني لبعض الناس، فاستأجروه على الفور. أثناء جولته في سوريا، أُتيحت له الفرصة لتعلم الموسيقى بشكل أكبر، دون أن يلقى النجاح.

عاد إلى مصر قبل بداية الحرب، وحصل على شهرة محدودة من خلال الغناء في المقاهي. وعلى الرغم من ذكاء مؤلفاته، لم يحظَ بشهرةٍ جيدة، حيث كان حضوره متوسطًا مقارنةً مع النجوم قي زمنه مثل عبد الحي أو زكي مراد.

العود الخاص بالفنان سيد درويش


القاهرة تستقبله بالصفير

في عام 1910 انضم درويش إلى فرقة "سليم عطا الله" التمثيلية وسافر إلى لبنان. وعند عودته إلى الإسكندرية، أصبح يؤلف ألحانا خاصة به، ولكنه كان ينسبها لغيره بسبب صغر سنه، ولكي تحقق الشهرة؛ فكانت تحقق كل النجاح.

عاد إلى لبنان مع سليم عطا الله، حيث حقق نجاحًا أكبر من قبل، فَحضر خلال رحلته كبار الموسيقين مثل الشيخ إبراهيم الموصلي، ليكمل دراسة الموسيقى والتراث العربي وعاد إلى الإسكندرية في 1912، وأصبح يقدم ألحانه باسمه، وأكمل عمله بالأفراح والمقاهي.

ذاع صيته بالأوساط الفنية بالقاهرة، وجاء الشيخ سلامة حجازي الذي كان ذو شهرة كبيرة ليحضر إحدى حفلاته، وأُعجب الشيخ جدا بألحانه وصوته، وشجعه على القدوم إلى القاهرة ليقدمه للجمهور، لكنهم استقبلوه بالصفير كونه صغير السن، حينها خرج سلامة حجازي وقال لهم إن هذا الفتى هو عبقري المستقبل.

جورج أبيض والأوبرا

بعد عودته أصابه حزن شديد بسبب فشله، واستمر بالعمل في الإسكندرية في متجر للأثاث القديم خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، وانتشر اسمه كثيرًا في القاهرة بأسلوبه الجديد في التلحين، وكانت توجد فرقة الممثل الكبير "جورج أبيض" الذي طلب من سيد درويش أن يلحن له أول أوبريت باسم "فيروز شاه" ودعاه من الإسكندرية.

عام 1918 كان نقطة تحول في حياته؛ فبعد الكثير من الإخفاقات في الغناء بالمقاهي، قرّر أن ينتقل الى القاهرة، حيث تعرف على شخصيات مهمة، ولا سيما نجيب الريحاني، الذي كان يمتلك فرقة مسرح، وبدأ اسمه يلمع وصار إنتاجه أكثر، وقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض، كما عمل سيد دويش لفرقة "علي الكسار" المنافسة للريحاني.

تمثال سيد درويش مع العود


في عام 1920، قدمت أوبرا كاملة من ألحان سيد درويش بعنوان "مارك أنطوان وكليوباترا" على خشبة المسرح المصري، وهناك عددٌ من الألحان التي تألّفت للريحاني أو الكسار، وهي الآن جزء من الفولكلور المصري.

 

هذه الأغنيات مثل "سالمة يا سلامة" و"زوروني كل سنة مرة" و"الحلوة دي" و"أهو دا اللى صار" معروفةٌ لدى جميع سكان الشرق الأوسط، وقد تم غناؤها من قبل مطربين كبار، مثل السيدة فيروز وصباح فخري.

 

سجلت ثلاث شركات تسجيل صوت سيد درويش وهي: "ميشيان" وهي شركة تسجيل محلية صغيرة أسسها مهاجر أرميني، وقد سجلت صوته بين عامي 1914 و 1920. "أوديون" الشركة الألمانية التي سجلت على نطاق واسع ذخيرته المسرحية الخفيفة في عام 1922. و"بايدافون" التي سجلت ثلاثة أدوار عام 1922.

مئوية ثورة 19 وميلاده

ويتزامن الاحتفال بالذكرى المئوية ل ثورة 1919 ، مع ذكرى ميلاده، وهو الذي كان حاضرا بألحانه وأغانيه لكافة أحداث الثورة، فما أن تذكر الثورة ويذكر معها أغانيه الخالدة مثل "قوم يا مصرى"، "أهوه ده اللى صار"، "أنا المصرى كريم العنصرين".

سيد درويش كانت له البصمة الموسيقية الأهم في ثورة 1919 ، ويذكر الكاتب عبده الرزاع، فى كتابه "وجوه مضيئة في الأدب والفن"، إنه لما اندلعت ثورة 19 ضد الاحتلال البريطانى، من أجل الاستقلال، كان الشيخ سيد درويش يتصدر الجماهير فى قلب المسيرات والمظاهرات، يقف مرفوع الصدر داخل العربة الحنطور، وبجواره بديع خيرى، وهو يهتف بصوته الجهورى، بحياة الوطن والشعب والاستقلال التام أو الموت الزؤام، فيلهب حماس الجماهير، وكانت أغانى الشيخ سيد بمثابة منشور سياسى يغنيها الناس فور انتهائه من تلحينها، فكان بمثابة صحوة الضمير الوطنى الذى يحرك الشارع المصرى آنذاك.

وقدم درويش مع بديع خيرى بعد نفي سعد زغلول أغنية للمطالبة بعودته، حيث غنى "زغلول يا بلح يا بلح زغلول.. يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول.. يا روح بلادك ليه طال بعادك"، كما اقتبس درويش من أقوال الزعيم مصطفى كامل بعض عباراته، وجعل منها مطلعا للنشيد الوطني بلادى بلادى وهو النشيد الذى أطلقه درويش فى غمار الثورة ورصاص الإنجليز يطارد الثوار، وكثيرا ما تغنى به المصريون فى الثورة.

 

كان أكثر السنوات إنتاجا فى تاريخ سيد درويش الفني، بحسب معظم المؤرخين ونقاد الموسيقى، حيث لحن فى هذا العام خمسة وسبعين لحنا، وهذا يدل على أن الفنان تأثر بالأحداث السياسية التى دارت حوله، وتحمس للمشاركة فيها من خلال إنتاجه الفني.

تعددت ألقاب الموسيقار الراحل ومنها ما أطلق عليه الجمهور وأخرى أطلقها عليه النقاد والفنانين بل والأدباء، حيث لقبه الأديب الكبير الراحل عباس العقاد بـ"إمام الملحنين"، و"نابغة الموسيقى"، بالإضافة إلى لقبه الأهم "فنان الشعب"، فضلا عن "مجدد الموسيقى"، "باعث النهضة الموسيقية".

سيد درويش في الدراما

ظهرت شخصية سيد درويش في الكثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية كشخصية ثانوية في عدد من الأعمال التاريخية أو التي تتناول تلك الفترة من تاريخ مصر، وأخرها كان مسلسل "أهو ده اللي صار" المذاع حاليا على قنوات "on"، بالإضافة إلى تجسيد حفيدخ الفنان الكبير إيمان البحر درويش، لشخصيته من خلال مسلسل "أهل الهوى" عام 2013، والذى كان يتناول قصة حياة الراحل بيرم التونسى، الذى جسده النجم فاروق الفيشاوى، والمسلسل من تأليف محفوظ عبد الرحمن وإخراج عمر عبد العزيز.

ولكن يبقى في النهاية عملين فقط قدما عن حياة فنان الشعب، وهما: قدم الفنان الراحل محمد نوح مسرحية بعنوان " سيد درويش " فى عام 1965، لعب نوح فيها شخصية سيد درويش ، وقام بتأدية مجموعة من أجمل أغنيات درويش، وشاركه فى المسرحية وداد حمدى وكارم محمود وأحمد أباظة وإسماعيل شبانة شقيق عبد الحليم حافظ.

منزل سيد درويش


كما قدم الفنان الكبير والراحل كرم مطاوع شخصية الشيخ سيد درويش فى فيلم بعنوان " سيد درويش " عام 1966، وشاركته البطولة النجمة الراحلة هند رستم، وأمين الهنيدى وزيزى مصطفى وناهد سمير، ومر الفيلم بالعديد من الأحداث المهمة فى تاريخ درويش، من بينها أحداث ثورة 1919 .

زيجاته

تزوج أول مرة بعمر السادسة عشر، وبعد زواجه بعدة أشهر تجمد عمله بالفن، وأصبح يبحث عن مصدر رزق. له من زواجه الأول محمد البحر. أما زوجته الثانية جليلة فقد كان حبه لها هو الأكبر، فالعديد من الأغاني كانت لها. تزوجها عام 1918، وأنجب منها ابنا واحدًا هو حسن.

كما تعرف في فرقة عكاشة على حياة صبري، واسمها الحقيقي عائشة عبد العال، وأحبها بشكل كبير، ويُقال بأنه تزوجها عرفيًا بشكل سري.

وفاته

توفي سيد درويش في 10 سبتمبر 1923 عن عمر ناهز 31 عامًا. ولا يزال سبب وفاته مجهولا، ويقول البعض إنه تعرض للتسمم أو مات بسبب السكتة القلبية، بينما خمن آخرون أنّ السبب هو جرعةٌ زائدةٌ من المخدرات، ودُفن في حديقة "الخالدين" بالإسكندرية.