جريدة الزمان

سماء عربية

سيمياء القصة القصيرة

بختي ضيف الله -


يعتمد كثير من كتّاب القصة القصيرة فى نصوصهم على السيمياء، من خلال علامات وإشارات ودلالات لغوية، لينقلوا للقارئ مشاهد رائعة تأخذ بلبه، ولعل هذا ما أعطى لكثير من المجموعات القصصية عمرًا أطول دون غيرها!

بداية، لا بد من تعريف لهذين المصطلحين؛ "السيمياء" و"القصة القصيرة" بتعريفات بسيطة بعيدة عن التعقيد وتعدد الاصطلاحات.

فالسيمياء لغة: العلامة، نقول: (وسم الدابة: جعل لها علامة تعرف بها..)1. ومنه قوله تعالى: "..سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ.." (سورة الفتح:29)، "يُعْرَف الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ "(سورة الرحمن 41).

أما اصطلاحًا فهى السيمولوجيا وفق المدرسة الفرنسية ورائدها (دوسوسير)، والسيميوطيقا وفق المدرسة الأمريكية ورائدها(سندرس بيرس)، ويمكن القول بأنها علم يتناول العلامات والإشارات والدلالات اللغوية والرموز فى النصوص الأدبية مثل القصة القصيرة والرواية وغيرها.

أما القصة القصيرة: فهى جنس أدبى سردى، له عناصر تميزه عن باقى الأجناس الأدبية الأخرى، كالشخصية الواحدة، والحبكة، والنهاية، معتمدة على مبدأين أساسيين هما الوحدة والتكثيف، وقد أضاف آخرون عنصر اللغة، أى ليست ذات شخصيات متعددة تحمل آثارًا مختلفة، محصورة فى زمان ومكان معينين، بتسلسل للأحداث حتى النهاية وهو ما نسميها بمرحلة التنوير، بفكرة واحدة، بجمل مكثفة محدثة أثرًا معينًا، وقد نشأت فى منتصف القرن التاسع عشر وازدهرت فى القرن العشرين فى كثير من الدول مثل: روسيا وأمريكا وفرنسا وإنجلترا.

توظيف السيمياء فى القصة القصيرة:

1-مع عتبات المجموعة القصصية:

العتبة الأولى: الغلاف: يختار القاص غلاف مجموعته بعناية فائقة، فهو وجهها الحقيقى الذى تعرف به، قبل تنفيذ الطبع تأخذ المشاورات بينه وبين صاحب دار النشر وقتًا قد يكون طويلاً، حرصًا منهما على إصدار جيد، وقد يدرجان صورة للوحة فنية لرسام مشهور، معبرة عن الفكرة.

العتبة الثانية: العنوان: يعتبر العنوان الإشارة المضيئة التى نهتدى من خلالها إلى طريقنا نحو المعنى، الذى يريد أن يوصله القاص إلى قارئه؛ ففى "عطر التراب" دلالة على تعلق الإنسان بتربته التى يعيش عليها كعطر يلازمه فى حياته، مهما كان نوع هذا العطر الذى تتغير رائحته كتغير حاله؛ من غنى إلى فقر، ومن عز إلى ذل، ومن أمن إلى خوف.. فنجد أن كل قصة من هذه المجموعة تقتبس نورها من تلك الإشارة.

العتبة الثالثة: الإهداء: نجد أنّ الإهداء لدى كثير من القصاصين ذو علاقة بعناوين قصصه وبشخصياتها، كأنهم يشيرون إلى مدى تأثرهم بحالات هؤلاء، يقول الناقد إبراهيم موسى النحاس فى قراءته لـ "عطر التراب": "وتأتى عتبة ثانية من عتبات الولوج إلى عالم النص القصصى فى تلك المجموعة، وهو الإهداء الذى يحمل ذلك الحس الإنسانى الحزين، ويقول فيه:

إلى التى أسعدتنى لبعض الوقت

ثم رحلتْ..

إلى ابنتى.. صفاء..

جعلك الله ذخرًا

حين ألقاه..

وألقاكِ).2

2- الشخصية: تصوير الشخصية تصويرًا دقيقًا مهمًا جدًا، فلا بد من إبراز صفاتها، إن كانت هادئة أو كثيرة الانفعال، متواضعة أو متكبرة... وهذا من خلال أحداث القصة، حتى أن بعض القاصين يختارون لها اسمًا متخيلاً مناسبًا كجرس نسمع رناته عند كل حركة.

3- الفضاء الزمنى والمكاني: الاستعمال الزمانى والمكانى فى القصة القصيرة من أدق الأمور، وهذا ما يقتضيه البناء من حذف وتقليص، فأنت أمام حدث محدد، فليس ممكنًا أن نفصل كل شىء، و"ما يميز قصة عن أخرى وقاصًا عن آخر، عبر المقدرة فى محاولة التحكم ومدى التوفيق بقيادة الخيط الزمنى الدقيق، وربطه بخيط المكان فى النسيج الداخلى."3

4- أثر الصورة الأخيرة: فى خاتمة قصتك القصيرة، لا تنس أن تترك أثرًا بالغًا فى ذهن قرّائك، ليقفوا أمام الشخصية التى رسمتها، وطريقها الذى سارت عليه طويلاً، فى زمكان قصير، ويتمعنوا فى المعنى الذى تريد إيصاله، فتدفعهم لطرح أسئلة مختلفة تبحث عن إجابات مستعجلة.

------

مراجع:

1- مخلوف عامر، مناهج نقدية، محاضرات ميسرة(ص 85).

2- الناقد إبراهيم موسى النحاس، موقع مبدعو مصر.

3- طالب عباس الظاهر، موقع ثقافات.