جريدة الزمان

سماء عربية

فى ذكرى رحيله الـ23

د. البطل واضع أسس نقد «الصورة فى الشعر العربى»

أبو الحسن الجمال -

الدكتور على البطل، الذى تحل فى 16 مارس الجارى الذكرى 23 لرحيله عن عمر يناهز 56 عامًا، مكانة متميزة فى خارطة النقد الأدبى المعاصر بأعماله الرائدة فى هذا المجال، وما تزال كتاباته - بدءًا من "الصورة فى الشعر العربى حتى أواخر القرن الثانى الهجرى"، ومرورًا بكتب: "الرمز الأسطورى فى شعر بدر شاكر السياب"، و"القصيدة الطقوسية"، وغيرها تمثل حافزًا للباحثين والنقاد على إعادة اكتشافه من جديد وتقييم منجزه النقدى.

ولاتجاهه النقدى قصة فعلى الرغم من التحاقه بكلية التجارة ومكوثه بها سنتين، إلا أن حبه للأدب طغى عليه وملك كيانه، فحول أوراقه إلى كلية دار العلوم جامعة القاهرة، لتلقى فيها العلم على أساطين أعلامها فى هذا الوقت: الدكتور عبدالحكيم بلبع، والطاهر أحمد مكى، ومحمود قاسم، وأحمد هيكل، وأحمد الحوفى، ومحمد ضياء الدين الريس، وغيرهم وتخرج فيها وعين مدرساً للغة العربية فى مدارس الكويت، وأكمل دراسته العليا فحصل على شهادة الماجستير فى رسالة بعنوان "الرمز الأسطورى فى شعر بدر شاكر السياب" سنة 1975م من كلية الآداب جامعة عين شمس بإشراف د. إبراهيم عبدالرحمن، والدكتوراه عن "الصورة الفنية فى الشعر العربى حتى آخر القرن الثانى الهجرى- دراسة نقدية" سنة 1977م من الكلية نفسها بإشراف د. إبراهيم عبدالرحمن أيضًا، وعين مدرسًا للأدب العربى بكلية الآداب جامعة المنيا عام 1978م، وتدرج فى وظائف التدريس الجامعى حتى أصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم اللغة العربية بها، أعير للتدريس عام 1992م إلى السعودية، وإلى الكويت مرتين؛ الأولى قبل الغزو العراقى ومرة أخرى عام 1996م.

وأثرى د. على البطل المكتبة العربية بالعديد من الكتب والأبحاث، فإضافة إلى ما ذكرنا قدم "فى شعر العصر الحديث" (جـ1) - مكتبة الشباب - القاهرة 1982م، و"شبح قايين بين إيدث سيتول وبدر شاكر السياب"، قراءة تحليلية مقارنة - دار الأندلس - بيروت 1984م، و"القصيدة الطقوسية، محاولة فى التأصيل" - ميرانا للتأليف والترجمة والبحث العلمى – القاهرة 1991م، و"بنية الاستلاب بين عالم النص وعالم المرجع"، دراسة نصية - المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 1998. كما أن له أبحاث منشورة فى العديد من المجلات فى مصر وخارجها مثل مجلة البيان الكويتية، ومجلة الشعر، وفصول.

واستطاع أن يضع نظرية نقدية متكاملة من خلال وقوفه على محاور أساسية تفيد النقد العربى القديم والحديث، تدور حول رؤيته التى صاغها من كتابه الأشهر "الصورة فى الشعر العربى" وفيها وقف على الارتباط الوثيق بين الشعر العربى والحياة الدينية والأساطير القديمة التى كانت المنبع الأول لصوره، وتجاوز ما سبقه فى من دراسات ركزت على الجانب الشكلى، فجاء اهتمام البطل على جانب الموضوع دون أن يهمل البناء الفنى، كما انصب اهتمامه على البحث فى الأصل الدينى للصورة، ثم تتبع تطورها الفنى والتاريخى لدى ما وصلت إليه من تطور عبر التغيرات الحضارية المتتابعة حتى نهاية العصر العباسى الأول.

وطبق نظريته من خلال أعماله: "القصيدة الطقوسية"، إذ كان رأيه أن الاستمطار فى النص الجاهلى كان طقسًا مألوفًا عند الشعراء عامة، ومعنى ذلك أن هناك أساس مثيودينى تقوم عليه القصيدة الجاهلية، يؤدى النص الشعرى فيه دورًا سحريًا، فيتصور أن الكلمة تفعل فعلها الخالق مستحضرًا اللغة مسماها، وأن طقوسية النص الجاهلى مؤسسة على القصيدة الوثنية.

وقد طبقها على السياب فى "أنشودة المطر" فرأى أن السياب من أكثر رواد الشعر الحر استخدامًا لمفردات عالم الأساطير القديمة البابلية واليونانية، كما طبقها على الشاعر السعودى محمد الثبيتى فى قصيدة هوازن (ابنة الشاعر)، وحاول فيها إعادة الوظيفة السحرية للحروف فيستخدم الرموز الأسطورية الخلاقة، فيتماهى الشاعر مع الشاعر مع الساحر مع الكاهن القديم.. فى قوله:

هل فى الأرض متسع لهذا الوجه

ألقى عليك قصائدى وتمائمى الأولى

وأطل طيرًا يعتريه الرقص

أو كفًا بلا حناء

أحلم بالزمن الرغد

والمدن الطليقة.

كذلك شارك فى مؤتمرات الثقافة الجماهيرية ومهرجان طه حسين الذى كانت تعقده كلية الآداب جامعة المنيا خلال عقد الثمانينيات وقد قدم العديد من المبدعين فى نادى الأدب بالمنيا وقدم لهم بدراسات عن أعمالهم.

وقد شهد على مكانته العديد من النقاد من أمثال أستاذه إبراهيم عبدالرحمن وصديقه أحمد السعدنى وتلامذته من أمثال: عبدالمجيد الإسداوى، وعبدالفتاح العقيلى، وسهير حسانين وشعيب خلف، وغيرهم، وسوف نثبت هنا شهادة أستاذه الدكتور إبراهيم عبدالرحمن حينما قدم لكتاب "الرمز الأسطورى فى شعر بدر شاكر السياب"، قال: "لا يحتاج الدكتور على البطل فيما أعتقد إلى أن أقدمه لقراء الأدب، فقد قدم هو نفسه من قبل لهؤلاء القراء من خلال دراسته الرائدة عن الصورة الفنية فى الشعر العربى القديم حتى آخر القرن الثانى الهجرى، وهى دراسة خصبة التزم فيها منهجًا جديدًا لقراءة الشعر القديم، وتقديم صوره من الناحيتين الموضوعية والفنية، حصل بها على الدكتوراه، وكانت مثار مناقشة ثرية تشابكت فيها آراء الممتحنين النقدية، الذين انتهوا إلى الإقرار بأصالته فى التحليل والتنظير، وارتضوا ما توصل إليه من نتائج لما تميزت به من جرأة علمية وأصالة فى التفكير تتمثلان فى الخروج من أسر الموروث فى الفهم والتمثل والتفسير."