جريدة الزمان

تقارير

شبح الطلاق يجتاح المحافظات

ارتفاع نسب الانفصال تهدد المجتمع بالانهيار

محمد عبد المنصف -

أبوحلاوة: الأسرة استقالت من وظيفتها فى تربية الأولاد

أمنية: الأزمة تكمن فى مواقع التواصل الاجتماعى.. والشباب يعيش فى عالم افتراضى هربًا من الواقع

تعانى مصر من ارتفاع شديد لحالات الطلاق، لدرجة أن بعض الإحصائيات تشير إلى وقوع أكثر من 10 حالات طلاق فى الساعة، مما ينذر بتصدع الأسرة المصرية.

وتشير الدكتورة أمنية محسن، مدرس اجتماع بمعهد دراسات علوم المسنين بجامعة بنى سويف، أن تعامل الشباب المستمر مع النت ومواقع التواصل الاجتماعى، جعلته يعيش فى عالم افتراضى، يبحث عما يجب أن يكون، ولا يؤمن بالواقع الذى يعيشه.

وأوضحت لـ"الزمان" أن التلاحم الأسرى فى الماضى بين الجد والجدة، وأولادهما وأحفادهما، كان عنصرا أساسيا فى حل المشاكل الاجتماعية قبل تفاقمها، فيما أصبح الشباب اليوم يتحدث عن القصر الوهمى، ثم يصطدم بالواقع العملى الذى لا يسمح بتلبية كل رغباتهم.

أكدت الدكتورة أمنية، أن الفقر غير مسئول عن حالات الطلاق، ولكن سقف الطموحات التى يسعى إليها كل رجل وفتاة مقبلين على الزواج تكون أكبر من الواقع الذى لا يسمح بتحقيقها كلها.

وأشارت إلى خطورة المغالاة فى المهور، التى أدت إلى ارتفاع سن الزواج بين الجنسين على حد سواء، مشيرة إلى نضج الفتاة فكريا قبل الرجل بمعدل 5 سنوات، وعدم مراعاة فارق السن عند الاختيار يخلق نوعا من عدم التوافق الفكرى بينهما.

أشارت مدرس علم الاجتماع، إلى خطورة توصية الأم والأب للابن بضرورة معاملة زوجته بعنف، بحجة أنه رجل البيت وأن عليها طاعته حفاظا على رجولته أمام الناس، حتى وصل الأمر إلى ضرب بعض الرجال لزوجاتهم، ورفضه حتى الاعتذار بحجة أن هذا حقه.

فيما أوضح الدكتور محمد السعيد أبوحلاوة، أستاذ الصحة النفسية المساعد بجامعة دمنهور، أن الأسرة المصرية قد استقالت من دورها فى تأهيل الأولاد لمواجهة تحديات الحياة، فقد توقف الحوار بين الآباء وأبنائهم، ولم يعد الشاب أو الفتاة مدركا لدوره فى الحياة.

وقال إن دور الرجل هو تأمين متطلبات الأسرة المالية، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعى لها، ولا بد من تدريبه على تحمل الصعاب من أجل أسرته، وفى المقابل فإن دور الأم هو أن تظلل على أسرتها كى تعيش حياة هادئة، مما يتطلب تأهيلها على كيفية إدارة المنزل من الداخل، فيما تترك الأم ابنتها حتى تتخرج من الجامعة بدون تأهيل.

كما أشار أبوحلاوة، إلى خطورة الدور الذى تلعبه وسائل الإعلام، والتى تعرض نوعين من المسلسلات، إما للعائلات شديدة الرفاهية، أو شديدة الفقر، ولا تتحدث عن الأسر المتوسطة التى تمثل الغالبية العظمى من المجتمع، مما خلق نوعا من التمرد لدى الفتيات، أملا فى أن يعيشوا هذه الحياة الرغدة التى لا يتمتع بها أكثر من 5% من أبناء المجتمع.

أضاف أستاذ الصحة النفسية المساعد، أن وظيفة المدرسة هى إعداد الإنسان للحياة، وليس حشو معلومات فى رأسه، ربما لن يستعملها طيلة حياته، ولا بد من عودة دور المدرسة فى تعليم الأولاد طريقة التفكير الصحيحة، وكيفية اتخاذ القرار السليم، قبل تفاقم المشكلة الأسرية.

وحذر الدكتور محمد السعيد، من خطورة رفع شعارات المساواة بين الرجل والمرأة على حساب الاستقرار الأسرى، بعد أن كنا نوصف بأننا مجتمع ذكورى، لأن العلاقة بين الرجل وزوجته كما فى القرآن الكريم، علاقة مودة ورحمة وليست علاقة حرب وتنافس.

فيما أوضح أبوحلاوة، أن تراجع دور العقلاء فى المجتمع نتيجة ضغوط الحياة، فقد كان هناك دور إيجابى للعم والخال ورجل الدين وغيرهم، فانخفضت معدلات الحكمة فى التعامل مع المشاكل الاجتماعية، مشيرا إلى أن أغلب الآباء عاشوا فى فقر، لكنهم واجهوا الحياة بقوة.

وقال إن جيل اليوم كثيرا ما يجد أن هدم الأسرة أمر سهل، دون النظر لخطورة ذلك على مستقبل الأولاد، بعد أن عاش المجتمع المصرى رافعا شعار، بعد الزواج تصبح الحياة حق الأولاد، وليس من حق أى من الزوجين التخلى عن مسئوليته تجاههم.

لفت أستاذ الصحة النفسية المساعد، إلى أن هذه النسبة غير حقيقية، نظرا لوجود نوع آخر من أنواع تصدع الأسر، ألا وهو الانفصام الانفعالى، وهو أن يعيش كل فرد من أفراد الأسرة حياته الشخصية بعيدا عن الآخرين، رغم أنهم يعيشون فى بيت واحد وتحت سقف واحد، "فالخرس الزوجى" يدفع ثمنه الأبناء.

أشاد الدكتور محمد السعيد، بدور مبادرة لم الشمل، التى أطلقها الأزهر الشريف فى الحد من المشكلة، ودور وزارة التضامن الاجتماعى من خلال مبادرة تكافل وكرامة، إلا أنه أكد أن الأزمة أكبر من هاتين الجهتين، وتتطلب تكاتف جهود كل طوائف المجتمع لحلها حلا عمليا، فليس بالشعارات وحدها تحل المشكلات.

شدد على خطورة تصاعد حالات الطلاق المستمر، التى تعدت 25% وفقا للإحصائيات الرسمية، مما يعنى أن هناك قرابة 20 مليون أسرة تعانى من الطلاق المباشر، ومثلها تقريبا نسبة الأسر التى تعانى من انفصام مجتمعى، مما سيؤدى إلى تخريج جيل عديم الانتماء للوطن، لأنه فاقد الانتماء لأسرته.

وقال إن الأسرة التى تتصدع ولديها أولاد فى سن 7-10 سنوات، من الصعب أن يكونوا أسوياء فى المستقبل، وسيكونون عرضة للانحراف الاجتماعى، وربما نواة للإرهاب أو لعصابات التهريب، المهم أنهم لن يكونوا عناصر بناء للوطن.

الزواج المبكر المتهم الأول فى بنى سويف

قالت نيرمين محمود، مقررة المرأة بمحافظة بنى سويف، إن الزواج المبكر قبل سن 18 سنة، وعدم توثيق العقد فى المحكمة أكبر تحدٍ يواجه المحافظة، خاصة مركزا إهناسيا والفشن، وغالبا ما يقوم الزوج بالسفر قبل توثيق العقد.

أكدت نيرمين، أن ارتفاع معدلات الخلع نتيجة غياب القيم الاجتماعية، ورغبة الزوجة فى إثبات نفسها أمام زوجها، دون النظر للمودة التى يجب أن تقوم عليها العلاقة مع الزوج، مشيرة إلى خطورة الانفتاح المبالغ فيه من خلال مواقع التواصل الاجتماعى على العالم، مما أحدث نوعا من التشويش على القيم التى تميزت بها مجتمعاتنا طوال الزمان.

طالبت مقررة المرأة، كل أم بفتح باب الحوار مع ابنتها طوال الوقت، وتكاتف منظمات المجتمع المدنى ورجال الدين ومراكز الشباب ووزارة التعليم، للتوعية بالقيم الدينية فى العلاقات الأسرية، للحد من الظاهرة التى تضرب المجتمع فى أعز ما يملك، وهم الشباب.

توعية الشباب بآليات اختيار شريك الحياة بالإسكندرية

قالت الدكتورة ماجدة الشاذلى، مقررة المجلس القومى للمرأة بمحافظة الإسكندرية، إن المجلس نظم العديد من الندوات والدورات التدريبية للمقبلين على الزواج، لشرح عناصر اختيار الزوج أو الزوجة المناسبين.

أضافت لـ"الزمان"، أن السبب الأساسى فى ارتفاع نسب الطلاق لمعدلات غير مسبوقة، هو الاختيار الخاطئ لكلا الطرفين، ولا بد أن ينتمى الزوجان لنفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وأن يتفهم كل منهما ظروف الآخر.

وشددت على ضرورة تفهم الزوج لحقوق زوجته داخل البيت، من حسن المعاشرة وتوفير متطلبات الحياة، غير أن أغلب الشباب يعجزون عن توفير تلك المتطلبات، خاصة مصاريف المدارس للأولاد، فالأم تبحث لأولادها عن أفضل المدارس، فيما يبحث الأب عن المدرسة التى تناسب قدرته المالية.

أشادت الدكتورة ماجدة، بمبادرة لم شمل الأسرة، التى أطلقها الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، فى توعية الشباب بالحقوق الشرعية للشريك الآخر، مشيرة إلى تحقيقها نتائج جيدة للشباب المقبلين على الزواج، لأن أغلبهم يغير طريقة تفكيره فى اختيار الطرف الآخر.

أكدت مقررة المرأة، أن الوقاية خير من العلاج، وأن توعية الشباب قبل الزواج أفضل بكثير من الانتظار حتى ظهور المشكلة بعد الزواج، والتى قد تصل فى بعض الأحيان إلى قيام الرجل بضرب زوجته وطردها من المنزل، دون النظر لحقوقها الشرعية ولمستقبل أولاده.

كما طالبت الدكتورة ماجدة الشاذلى، الإعلام بالقيام بدور فعال فى شرح طبيعة الحياة، مثلما حدث فى فيلم "أم العروسة"، الذى شرح كيف عانى الأبوان فى تجهيز ابنتهما، ولا بد من إنتاج أعمال درامية تعمل على تطوير فكر الشاب، بأن الرجولة هى الحفاظ على البيت من الانهيار وليس استعراض عضلات، وأن تتفهم البنات مسئوليتهن الاجتماعية تجاه الأزواج، فالزواج مسئولية مشتركة بين الطرفين، يتحمل كل منهما سلبياته وإيجابياته حفاظا على كيان الأسرة من الانهيار.

التطلعات الكبيرة سبب مشكلة الطلاق فى كفر الشيخ

أكدت الدكتورة هدى الطنبارى، مقررة المرأة بمحافظة كفر الشيخ، أن تطلعات الأمهات فى تجهيز أبنائهن أكبر من قدراتهن المالية، وهذا ما نجده فى قضايا الغارمات، اللاتى يلتزمن بعادات وتقاليد اجتماعية تفوق إمكاناتهن.

وأشادت لـ"الزمان"، بدور الأزهر والكنيسة والواعظات فى توعية الفتيات بعدم المغالاة فى المهور، لأننا نعانى أيضا من مشكلة لا تقل خطورة عن الطلاق، وهى ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، نتيجة عدم قدرة كثير من الشباب على الزواج، وعدم فهم الفتيات المعنى السليم للحياة الأسرية.

أوضحت مقررة المرأة، أن هناك مشكلتين تعانى منهما مصر، هما الزيادة السكانية بعد أن تعدى عدد السكان الـ 100 مليون نسمة، والأمية، وكلاهما يؤديان فى النهاية إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية فى بلادنا، سواء بالنسبة لأزمة الإسكان، التى أدت إلى إقامة كثير من الشباب بعد الزواج مع أهلهم داخل نفس المنزل، وهذا سبب أساسى من أسباب الطلاق.

أكدت الدكتورة هدى الطنبارى، أن مشكلة الطلاق مشكلة اجتماعية، تتطلب تعاون كل جهات المجتمع على حلها، خاصة أنها متأثرة بمشاكل آخرى كثيرة، مثل ضعف ثقافة العامة لدى فئات المجتمع المختلفة، وتراجع دور الإعلام فى تثقيف الشباب بوجه عام.