بعد نصف قرن.. مجزرة بحر البقر ذكرى لا تنسى

50 عامًا على جريمة تل أبيب البشعة فى حق الأبرياء
وصمة عار ملطخة بدماء الأطفال على جبهات "الاحتلال"
"الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال، فى قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال، إيه رأيك فى البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى، دى لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذي"..، هكذا صَور الشاعر صلاح جاهين المجزرة التى وقعت فى مدرسة بحر البقر المشتركة فى كلمات أبكت العالم بعد الهجوم الوحشى الذى شنته القوات الجوية الإسرائيلية، فى قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية فى مصر، فى صباح الثامن من أبريل عام 1970 م، بطائرات من طراز فانتوم.
قتل الهجوم 30 طفلاً وأصاب 50 آخرين، ودمرت المدرسة وتحولت إلى ركام اختلط بدماء الأطفال والكراريس والمقاعد التى دمرت تماما بعد أن كان يجلس عليها الأطفال فى أمان قبل دقائق من الهجوم الخسيس.
مشهد لم يتحمله أحد من أشلاء متطايرة ودماء متناثرة، هنا حذاء كانت ترتديه طفلة وهناك حقيبة محطمة كانت تحمل كراريس وكتب وأقلام وبعض الطعام كان ينوى مالكها أن يتناوله فى وقت الفسحة، وغيرها من لقطات لم ينسها التاريخ عن هذه المجزرة.
وصفت مصر الحادث بأنه عمل وحشى يتنافى تماماً مع كل الأعراف والقوانين الإنسانية، ووجهت لإسرائيل اتهاما بأنها شنت الهجوم عمداً بهدف الضغط عليها لوقف إطلاق النار فى حرب الاستنزاف، ولكن بررت إسرائيل فعلتها أنها كانت تستهدف أهدافاً عسكرية، وأن المدرسة كانت منشأة عسكرية مخفية.
بعد الحادث
أجبر الحادث بعد أن أصبح حديث العالم الولايات المتحدة ورئيسها نيكسون على تأجيل صفقة إمداد إسرائيل بطائرات حديثة، وأدى إلى تخفيف الغارات الإسرائيلية على المواقع المصرية، والذى أعقبه الانتهاء من تدشين حائط الصواريخ المصرى فى يونيو من نفس العام والذى قام بإسقاط الكثير من الطائرات الإسرائيلية، وانتهت العمليات العسكرية بين الطرفين بعد قبول مبادرة روجرز ووقف حرب الاستنزاف.
كانت تتكون مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة من دور واحد وتضم ثلاثة فصول بالإضافة إلى غرفة المدير وعدد تلاميذها مائة وثلاثون طفلا، تتراوح أعمارهم من ستة أعوام إلى اثنى عشر عاماً، ومن حسن الحظ أن هذا اليوم كان عدد الحضور 86 تلميذاً فقط.
بيان الإذاعة المصرية
"أيها الأخوة المواطنون، جاءنا البيان التالى.. أقدم العدو فى تمام الساعة التاسعة و20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال بين سن السادسة والثانية عشر تحت جحيم من النيران".
كان للبيان أثر كالصاعقة على الشعب المصرى والعالم، فلم يكن أحد يتخيل أن يصل بالعدو أن يستهدف الأطفال فى المدارس، ولكن هذه سمة من سمات الجيش الإسرائيلى فالنساء والأطفال أهداف سهلة، وهذا ما نراه يحدث فى وقتنا الحالى فى فلسطين.
الرد الإسرائيلى
قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى فى حديثه إلى راديو "إسرائيل": "المدرسة التى ضربتها طائرات الفانتوم هدف عسكرى"، وادعى قائلا أن المدرسة كانت قاعدة عسكرية وأن المصريين يضعون الأطفال فيها للتمويه".
وأعلن يوسف تكواه، مندوب إسرائيل فى الأمم المتحدة فى رسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها: "تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزى الكاكى اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكرى، بينما صرح راديو إسرائيل عن الأطفال الضحايا أنهم كانوا أعضاء فى منظمة تخريبية عسكرية".
كلمات مبكية عن المجزرة
عبر الشاعر فؤاد حداد عن المأساة بكلمات قال فيها: "مدرستى بحر البقر الابتدائية، كراستى مكتوب عليها تاريخ اليوم، مكتوب على الكراس اسمى، سايل عليه عرقى ودمى، من الجراح اللى فى جسمى، ومن شفايف بتنادى، يا بلادى.. يا بلادى.. أنا بحبك يا بلادى".
وقال صلاح جاهين فى كلمات غنتها الفنانة شادية: "دمها راسم زهرة، راسم راية ثورة، راسم وجه مؤامرة راسم خلق جبابرة، راسم نار راسم عار على الصهيونية والاستعمار، والدنيا عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس، الدرس انتهى لموا الكراريس".
السينما المصرية
تناولت السينما المصرية أفلاماً ما زالت تعرض عن هذه الحادثة الدموية منها فيلم "العمر لحظة" عام 1978، الذى قامت ببطولته الفنانة ماجدة، وأحمد زكى والتى أذيعت فيه أغنية "بحبك يا بلادى" تتحدث عن ضحايا الحادث، من كلمات فؤاد حداد وتلحين بليغ حمدى، والتى أداها كورال من الأطفال، كما عرض فيلم حكايات الغريب عام 1992 بطولة محمود الجندى ومحمد منير وشريف منير.
بعد الحادث بـ43 عاما
عام 2013 قام العديد من ضحايا الحادث برفع دعوى قضائية لمطالبة إسرائيل بتعويض أسر شهداء ومصابى المجزرة مادياً ومعنوياً، بما لا يقل عن التعويضات التى حصلت عليها إسرائيل عما يسمى بالهولوكست من ألمانيا.
وذكرت الدعوى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام تخضع لقوانين ثابتة، وبموجبها تم إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية، وأن حق الضحايا أيضاً لا يسقط بالتقادم طبقاً للأصول والتعويضات التى استقر عليها المجتمع الدولى، حيث إن إسرائيل حصلت على مليارات الدولارات من ألمانيا، مقابل ما أصابها مما تسمى بالجرائم ضد الإنسانية، والمعروفة باسم تعويضات الهولوكوست، وأن ضحايا حادث مدرسة بحر البقر لهم الحق نفسه فى الحصول على تعويضات تعادل التعويضات نفسها.