جريدة الزمان

وا إسلاماه

إمام الحرم المكي في خطبة الجمعة : الافتقار إلى الله باب عظيم من أبواب الفرج و رفع البلاء

جبر أبو النور -

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل - وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام : الحمد لله رب العالمين فتح أبواب الخير للعاملين ، و نوع سبل الطاعات للمؤمنين ، فالكيس من دان نفسه ، و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، و تمنى على الله الأماني .

أمة الإسلام : إن الإيمان بقضاء الله و قدره ، ركن من أركان الإيمان الستة ، و في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما سئل عن الإيمان قال : أن تؤمن بالله و ملائكته ، و كتبه و رسله و اليوم الآخر ، و تؤمن بالقدر خيره و شره ، فالله - جل جلاله - قدر مقادير الخلائق و أرزاقهم و آجالهم ، و ابتلاهم بالحسنات و السيئات فتن في السراء ، و محن في الضراء ، فهذا أدم عليه السلام خلقه الله بيده ، و نفخ فيه من روحه ، و أسجد له ملائكته ، ثم ابتلاه الله بأكل الشجرة ، فأخرجه من الجنة ، ثم قال سبحانه في حق ذريته من بعده :" و لنبلونكم بشيئ من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين " .

فكم يا عباد الله في الشدائد و المحن من المنح و العطايا ، و هذه حقيقة لا يوقن بها إلا من رضي بالله حق الرضا ، و أحسن الظن به ، و صدق في التوكل عليه ، و فوض الأمر إليه ، و كان على يقين و ثقة بوعده أنه سبحانه لا يريد بعباده إلا الخير و الصلاح ، و الفوز و الفلاح ، فقد توافي المضرة من جانب المسرة ، و المسرة من جانب المضرة ، و عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم ، و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون .

و أضاف المعيقلي : في يوم الحديبية عقد النبي - صلي الله عليه و سلم - صلحاً مع المشركين ، و رأى بعض الصحابة رضوان الله عليهم ، بأن فيه ظلماً و إجحافاً لهم ، حتى قال عمر رضي الله عنه : يارسول الله ، ألسنا على الحق و هم على الباطل ، فقال بلى ، فقال : أليس قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، أنرجع و لما يحكم الله بيننا و بينهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا بن الخطاب : إني رسول الله و لن يضيعني الله أبدا ، فانطلق عمر إلى أبي بكر ، فقال له مثل ما قال للنبي - صلى الله عليه و سلم - ، فقال أبو بكر : إنه رسول الله و لن يُضيعه الله أبدا ، فأنزل الله تعالى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، فقال عمر : يا رسول الله أوفتح هو : قال نعم رواه البخاري و مسلم .

و تابع بالقول : أمة الإسلام ، إن ما يجري على العالم اليوم هو في ظاهره شر و بلاء ، و لكن عسى الله أن يجعل فيه خيراً كثيرا ، فكل ذلك بعلم الله و حكمته ، و قضائه و قدره ، و الله عند حسن ظن عبده به ، فالرحيم لا يقدر لعباده إلا الخير ، فلا يجزع العبد من قدر الله ، و لا ييأس من رحمته ، و لعل هذا المكروه يكون سببا لنعمة لا تُنال إلا به .

أيها المؤمنون بالله و رسوله : إن في قوله تعالى : و عسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خير كثيرا " دعوة للتسليم بأمر الله ، و علاجاً للقلق و التشاؤم ، و سبباً لحصول السكينة و الطمأنينة ، و ليست دعوة لبث الوهن في العمل ، أو ذريعة للخمول و الكسل ، فحين نتحدث عن الرضا بقضاء الله ، هو تفويض الأمور إليه ، فلا يفضي ذلك إلى العجز و التواكل ، و ترك الأخذ بالأسباب و التخاذل ، بل يكون العمل بكل ما في الوسع و الطاقة ، و الاجتهاد على قدر الاستطاعة من فعل الأسباب التي سخرها الله ، و مدافعة أقدار الله بأقداره .

و لنعلم أيها المؤمنون أن الافتقار إلى الله تعالى سبيل لمرضاته و معيته ، و باب عظيم من أبواب الفرج و رفع البلاء ، و كشف الضراء ، فقوة الإنسان و عزه في ضعفه و انكساره لربه ، ففي يوم بدر أظهر النبي شدة افتقاره إلى ربه ، و حاجته إلى خالقه .

فحري بنا هذه الأيام أن نظهر افتقارنا إلى ربنا ، و نتقرب له بصالح أعمالنا ، و أن نكثر من صنائع المعروف ، فصنائع المعروف مما يكشف الله بها البلاء ، و يرفع بها الوباء ، و يغفر بها الذنوب ، و يستر بها العيوب ، و يفرج الله بها الهموم .

و بين المعيقلي في الخطبة الثانية : أن الإسلام قد حفظ الإنسان قلباً و جسداً و نفسا ، و أسرة و مجتمعا ، فأوجب حفظ الضروريات الخمس ، و منها : حفظ النفس ، فجزي الله خيراً خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده الأمين إذ جعلوا صحة الإنسان و كرامته في مقدمة الأولويات لا فرق في ذلك بين مواطن و مقيم ، و إن من أعظم الأعمال و أحبها إلى الكبير المتعال ما تقوم به الوزارات و الهيئات و منسوبوها و المتطوعون معها من جهود عظيمة ؛ لحماية النفوس و دفع الجائحة ، و حفظ الأمن الغذائي و الاجتماعي ، و خاصة ما يقوم به منسوبو القطاع الصحي ، الذين شرفهم الله بهذه المهمة النبيلة ، فعملهم من أعظم الأعمال ، و علمهم من أنبل العلوم و أنفعها بعد علم الكتاب و السنة ؛ لما فيه من حفظ الأبدان ، و في حفظ الأبدان حفظ للعقول و الأديان ، فهنيئاً لكم قادة الصحة و منسوبيها جمعتم بين تكليف و تشريف ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، و الله ذو الفضل العظيم .

و أما رجال أمننا في الميدان ، و المرابطون على ثغور بلادنا فيكفيهم شرفاً و أجرا بُشرى رسول الله صلى الله عليه و سلم : عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، و عين باتت تحرس في سبيل الله ، فطوبى لكل عين سهرست ؛ لأجل راحة عباد الرحمن ، و طوبى لكل عين باتت تحرس الثغور ؛ لحفظ الأمن ، و رد العدوان ، فلكم منا خالص الدعاء بأن يبارك الله في أعمالكم ، و أن يحفظكم من بين أيديكم و من خلفكم .