اللواء محمد الغبارى: مشروع الشرق الأوسط كان يهدف لنسف الأمن القومى العربى (حوار)

الربيع العربى خطة لإسقاط المنطقة وتقسيمها مجددًا.. والغرب كان يحلم بالوصاية بعد ثورات الربيع
حرص اللواء أركان حرب محمد الغبارى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، وأستاذ العلوم الإستراتيجية لدى أكاديمية ناصر العسكرية العليا، على توعية الشباب سواء من خلال وسائل الإعلام أو الشئون المعنوية أو أكاديمية ناصر العسكرية أو وزارة الشباب أو الجامعات، مزودا إياهم بتاريخ عسكرى حافل بدءا من حرب 56 مرورا بـ 67 والاستنزاف وانتهاء بحرب العبور عام 1973 وما بعدها.
وتحدث لـ"الزمان" عن مشروع الشرق الأوسط الكبير بشكل مفصل، موضحا تأثير خطة الغرب المتمثلة على المشروع الكبير وعلاقتها بثورات الربيع العربى، وتحدث عن تأثيره على العراق واليمن وليبيا ومصر وسوريا وكيف أثرت هذه الثورات على هذه البلاد، وكيف أدت خطة الغرب إلى إدخال الإخوان لحكم مصر لنشر الفوضى والخيانة والإرهاب.
وأكد أن أحداث الربيع العربى أثرت على كثير من الدول العربى الذى يمثل مخططا لشرق أوسط جديد، متطرقا إلى الوضع فى اليمن مؤكدا أنه كان فى حالة من الهدوء النسبى يشوبه بعض الحذر، حيث كان الحوثيون فى حروب سابقة مع نظام على صالح بلغت أكثر من سبع جولات، وأصبحوا متأهبون للانتفاضة مرة أخرى، وكذا تنظيم القاعدة فى اليمن حيث صراعه مع القوات اليمنية تارة والمخابرات المركزية الأمريكية تارة أخرى.
حاورت "الزمان" اللواء محمد الغبارى، حول مشروع الشرق الأوسط الكبير حوار مفصل.
كيف بدأ تأثير مشروع الشرق الأوسط على الأمن القومى العراقى؟
أوقع الغرب بالعراق فى فتنة غزو الكويت فى أغسطس عام 1990م بهدف إيقاف نمو القوة العسكرية للعراق، بهدف تدميرها فى حرب تظهره كمعتدٍ، وإعادة توازن القوى فى المنطقة العربية أو الشرق الأوسط إلى سابق عهدها قبل حربه مع إيران.
وبنى التوازن بين العرب وإسرائيل على أن مصر وسوريا القوتان الكبيرتان حول إسرائيل تتساويان وتحققان التوازن مع إسرائيل وأن العراق بقوتها هذه يحدث خلل بالتوازن ولذا سعى الغرب للقضاء عليه كقوة عسكرية وتقسيمه إلى ثلاثة كيانات سياسية فضلا عن وجود الرغبة من بعض الدول الخليجية استقدام الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن أراضيها وهى رغبة تتفق مع هدف الغرب بالتواجد على الأراضى العربية بقواته وقواعده العسكرية.
فأنشأ تحالفا دوليا لتحرير دولة الكويت وكان هذا التحالف مكونا من معظم الدول العربية وكثير من دول العالم بقيادة الولايات المتحدة، ثم تم تحرير الكويت فى فبراير 1991م وتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، واقتصرت المنطقة الوسطى وفيها مدينة بغداد على تواجد الجيش العراقى والسماح بالطيران الحربى بها فقط، والمنطقة الجنوبية وبها الغالبية الشيعية والمنطقة الشمالية وبها الغالبية الكردية، حرم على العراق أية تواجد عسكرى بها، ولا يسمح للطيران الحربى العراقى بالتواجد فى أجوائها، وكانت من نتائج هذه الحرب هزيمة الجيش العراقى وخروج الشيعة منها، حيث انقسم الجيش وتفتت قوته، وتواجدت القوات العسكرية للدول الغربية على الأراضى الخليجية فى كل من العراق والمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، فى شكل قواعد عسكرية أو مخازن طوارئ للقوات الأمريكية وذلك بعد رفض فكرة إنشاء قوة عربية مكونة من مصر وسوريا للدفاع عن أمن دول الخليج تحت مسمى إعلان دمشق، وكان الرفض من إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الفترة واستجابت لهما الدول الخليجية.
متى حاصر الغرب العراق؟
حصار العراق اقتصاديا وعسكريا استمر حتى عام 2003 حين قامت الولايات المتحدة والدول الغربية بالحرب على العراق مرة أخرى بهدف القضاء على صدام حسين، وما تبقى من الجيش العراقى، واحتلال العراق حيث طبقت الحرب بالوكالة أحد عناصر الحرب من الجيل الرابع بإحداث الانقسام فى الجيش العراقى بإعلان المولى "السيستانى" للشيعة بأن محاربة أمريكا "حرام" فترك الشيعة الجيش، ومن هنا بدأ الانقسام وانهيار الجيش العراقى وتحققت هزيمته.
ثم صدرت القرارات بحل الجيش والشرطة العراقية ووقعت الفوضى، وتم زرع تنظيم القاعدة الجهادى السلفى فى البلاد، بهدف إحداث التوازن بين الشيعة العراقية المدعومة من إيران والسنة العراقية.
وتم إصدار دستور جديد مع إعطاء الأكراد حكم ذاتى ولكن الأوضاع ما زالت غير مستقرة، وفى اتجاه التقسيم إلى ثلاث دول هم شيعية فى جنوب العراق وسنية فى الوسط والكردية فى الشمال، وأخيرا تحول تنظيم القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا، ووسع نطاق عملياته فى البلدين وما زالت الحرب الشكلية دائرة على الإرهاب، حيث تم تحرير الموصل منه خلال شهر يونيو2017م بمشاركة قوة جديدة قوامها من الشيعة وتتبع الحرس الثورى الإيرانى، تسمى الحشد الشعبى والذى أصبح قوة تؤثر فى الصراع الداخلى فى العراق وتتشابه مع حزب الله فى لبنان.
كيف كان تأثير مشروع الشرق الأوسط على اليمن الشقيقة؟
قبل أحداث الربيع العربى كان اليمن فى حالة من الهدوء النسبى يشوبه بعض الحذر، حيث كان الحوثيون فى حروب سابقة مع نظام على صالح بلغت أكثر من سبع جولات، وأصبحوا متأهبين للانتفاضة مرة أخرى، وكذا تنظيم القاعدة فى اليمن، حيث صراعه مع القوات اليمنية تارة والمخابرات المركزية الأمريكية تارة أخرى، خاصة بعد ضرب المدمرة الأمريكية "كول" أمام السواحل الجنوبية لليمن بواسطة عناصر من التنظيم الإرهابى، فضلا عن وجود اتجاه لبعض اليمنيين الجنوبيين للانفصال عن الشمال وجاءت الفرصة سواء مخططة من الخارج أو غير مخططة من خلال الثورات العربية والتى أحدثت سيولة فكرية وسياسية للمجتمع اليمنى ولا سيطرة عليها لاضطراب الإعلام الموجه ضد الاستقرار اليمنى.
ونتيجة لأحداث الربيع سارت الدولة اليمنية إلى الفشل، بعدما ثار الشعب اليمنى على الرئيس على صالح ونظامه، وأسقطه بعد مظاهرات واعتصامات وصدامات مع الشرطة والجيش.
وقعت الفوضى فى كل مكان فى اليمن، وتمكن تنظيم الإخوان المسلمين، من السيطرة على الشارع السياسى، وانقسم الجيش اليمنى إلى جزأين، الأول يدعم عودة الرئيس السابق على صالح إلى الحكم وبتأييد من بعض القبائل بعد عودته من السعودية، والجزء الثانى بقيادة اللواء على محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية، والفرقة الأولى المدرعة ويدعمه الإخوان المسلمين وبعض من القبائل، وتدخل الحوثيون بالدعم الإيرانى المعهود كطرف ثالث.
وتدخل مجلس التعاون الخليجى بقيادة السعودية لوقف القتال بين الأطراف اليمنية، وتم الاتفاق على تعيين رئيس مؤقت للبلاد وهو نائب الرئيس السابق وهو عبدالهادى منصور وكان مدعما من الإخوان المسلمين، واللواء على محسن الأحمر وتكوين حكومة لإدارة البلاد ووضع دستور جديد، ولكن الحوثيون رفضوا الدستور المقترح، واقترحوا دستورا آخر اختلفت عليه الأطراف اليمنية كلها لدعوته إلى التقسيم وتقنين الانفصال.
ثم أعلن الحوثيون رفضهم الاتفاق الذى أقره مجلس التعاون الخليجى، وقاموا بالهجوم على المدن اليمنية، وقام الرئيس السابق على صالح بدعم الحوثيين لتكوين جبهة واحدة ضد جبهة اللواء على محسن والرئيس المؤقت عبدالهادى منصور، ثم اشتدت الحرب وانتصرت جبهة الحوثيين بعد وصول الدعم الإيرانى، وأوشكت مدينة عدن على السقوط، ولكن تدخلت السعودية ومجلس التعاون الخليجى وتم تكوين تحالف عربى تحت مسمى عاصفة الحزم لتمكين السلطة الجديدة فى اليمن من الحكم، ثم قامت بمحاربة جبهة الحوثيين وعلى صالح وتكونت المقاومة الشعبية فى عدن ومدن يمنية أخرى مدعمة لجبهة الرئيس المؤقت عبدربه منصور، وقوات عاصفة الحزم واستطاعت تحرير كل الجنوب اليمنى، ووصلت إلى حدود صنعاء ولم تسيطر على تعز والحديدة حتى الآن، والأطراف مدعوة إلى الحوار فى عمان منذ أكثر ستة أشهر، ولكن لم تصل إلى نتائج سوى إيقاف للنيران متقطع مع ظهور حل فى الأفق مبنى على إمكانية انسحاب جميع العناصر، والقوات المتقاتلة من الثلاث مدن (صنعاء وتعز والحديدة) وتسلم للجزء الثالث من الجيش المتمركز فى شرق اليمن والذى لم يشترك فى القتال مع أو ضد أية جبهة وليس بينه وبين جميع الأطراف ثأر، وإجراء مفاوضات سلام مع جميع الأطراف.
ولم تتم أى من المقترحات السابقة بل اشتد الصراع ومع محاولة على صالح الانشقاق عن الحوثيين تم اغتياله والسيطرة على القوات العاملة معه لتظل جبهة الحوثى كما كانت بل أقوى مما كانت عليه سابقا ودعمت بصواريخ بالستية إيرانية وطائرات بدون طيار(الدرونز)، واستخدمت فى قصف بعض مدن المملكة السعودية.
كيف أثرت خطة الغرب على ليبيا؟
انطلقت الانتفاضة الليبية فى17 فبراير 2011م بدأت بتظاهرات سلمية ثم تحولت إلى مُجابهات عسكرية فى الفترة بين مارس حتى أغسطس 2011م، حيث اتحدت كل الفئات المجتمعية الليبية فى مُواجهة كتائب القذافى، وتسلحت قوى شعبيـة فى هذه المواجهة من أبناء المناطق، خاصة فى مدينة مصراتة ومدينة الزنتان غرب البلاد.
وفى شرق البلاد تأسست الميليشيات من جماعات إسلاميـة ومنها الكتيبة 17 فبراير التى أنشأها إخوان ليبيا، ولم يظهر فى هذه الميليشيات المُسلحة أى منشأ قبلى، وإن اعتبر البعض ميليشيات الزنتان مثلا قبلية فإننا نجدها قد ضمت العديد من أبناء الجبل الغربى من أبناء مدن الساحل، تقوم بالانحياز للتيار المدنى وتحرس رموزه وقيادته وتدخل فى مواجهة مـع ما عُرف بقوى فجر ليبيا وهو تحالف بين تُجار مصراتة والتيار الإسلامى، خاصة إخوان ليبيا وما تبقى من "الجماعة الليبية المُقاتلة".
وعانت مصراتة من حرب امتدت لأشهر مع كتائب القذافى الأمنية وكذا مدينة الزنتان، فيما كانت طرابلس وبقية الغرب الليبى تحت سيطرة "القذافى"، بينما جنوب ليبيا ظهر كمنطقة الحياد الإيجابى مع الانتفاضة قلبا لكنه تحت نفوذ كتائب القذافى فعلا، وهذا التقسيم الذى بزغ من أتون الحرب الأهلية وأن "طرابلس الغرب" محصنة، فتكونت قوى عسكرية وسياسية فئوية، وهذه القوى الفئوية على الأرض ملئت الفراغ، فى شرق ليبيا، حيث كانت بنغازى عاصمة الانتفاضة المعترف بها دوليا، ومحمية من تحالف دولى، والميليشيات التى أنشئت كلها ميليشيات لـ"الإخوان الليبيين" وغيرها من الجماعات الإسلامية مثل "الجماعة الليبية المقاتلة" و"أنصار الشريعة" لكن دون أى إعلان عن هويتها واستراتيجية عملها.
والتدخلات الإقليمية والدولية هى التى دَولتْ المسألة الليبية خلال الانتفاضة وأربك ذلك الإقليم، حيث أجمعت الجامعة العربية على تأييد القرارين الدوليين1970و 1973، اللذين جعلا ليبيا تحت البند السابع وعليه تصدق على تدخل حلف الناتو يوم 19 مارس 2011م، ولم ينته حتى الساعة.
الجيش الليبى، حيث تمكن "اللواء المتقاعد خليفة حفتر" من إنشائه مما تبقى من جيش فى شرق ليبيا من "قوات الصاعقة" و"قاعدة بنينة الجوية العسكرية"، والقوى المرتكزة فى الجبل الغربى بـ"الزنتان"، وأعلن تأسيسه من خلال ما عرف بـ"عملية الكرامة" فى مايو 2014م، وهو يتبع رسميا "مجلس النواب" الجهة الشرعية المُعترف بها والحكومة المنبثقة عنه لكنه فى نفس الوقت يشكل فصيلا شبه مستقل، وحوله يدور الخلاف السياسى بين الأطراف المتصارعة رغم ما أعلنه من تحريره لأكثر من 90% من الأراضى الليبية من العناصر والتنظيمات الإرهابية الأجنبية.
تمكن الجيش الليبى بقيادة المشير حفتر من السيطرة على معظم الأراضى الليبية وتأمينه مصافى البترول من أيدى جميع العناصر الإرهابية أو المسلحة وحصاره لمعظم محيط طرابلس فى انتظار دخولها وتحريرها من العناصر الإرهابية، ثم قام السراج رئيس الحكومة المؤقتة بإعلان اتفاق مع الرئيس التركى أردوغان بترسيم الحدود البحرية وهو اتفاق غير شرعى وغير معترف به دوليا، بإمداد الميليشيات الإخوانية والتنظيمات الإرهابية وغيرها بعناصر إرهابية من السوريين من إدلب وكذلك بالأسلحة المتنوعة، وعناصر قيادة من الجيش التركى مما أطال زمن القتال، وتدخل القوى الدولية والإقليمية.
كيف أثر مشروع الشرق الأوسط على الأمن القومى المصرى؟
فى ثورات الربيع العربى كان الهدف هو إحداث الفوضى بالمنطقة العربية وتغيير نظم الحكم فيها وتحقيق انهيار الدولة وفى مصر قام مجموعة من الشباب المدرب فى أوروبا وأمريكا على إسقاط نظام الحكم وبتمويل أجنبى ومدعوما بعناصر أجنبية قام بالمظاهرات والاعتصامات بأعداد تفوق قدرة الشرطة على فضها، خاصة بعد انضمام تنظيم الإخوان لهم، ولدعم هذا العمل المادى قامت العمليات النفسية مستخدمة الإعلام، خاصة وسائل الاتصال الاجتماعى بزيادة الحشد والتأييد الشعبى.
كان أهم معالم المرحلة الأولى للانتفاضة هو تجميع أكبر حجم من الشعب لإسقاط رئيس الدولة، وتحققت ثم تبدأ المرحلة الثانية، وهى فك هذا التحالف والوحدة بين الثوار والشعب لأن الهدف هو الفوضى.
كيف أدخل مشروع الشرق الأوسط الإخوان إلى الحكم؟
ثم تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة مصر لفترة 18 شهرا لم تخلوا من مظاهرات وإضرابات واعتصامات فئوية، وحرص المجلس على المحافظة على وحدة الشعب المصرى ضد مؤامرات ومحاولات الفتنة.
حتى تمت الانتخابات ولم يستطيعوا الاندماج فى المجتمع، خاصة جماعة 6 أبريل حيث تمت الانتخابات البرلمانية ونجح الإسلاميون نجاحا ساحقا لعدم وجود أى تيار ليبرالى أو غيره قادر على المنافسة ثم جاءت انتخابات رئيس الجمهورية وتم انتخاب الرئيس محمد مرسى رئيسا للبلاد.
استمر حكم مرسى لمدة عام كرس جهده للتخلص من قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتمكين عناصر تنظيم الإخوان المسلمين من أجهزة الدولة بتعييناتهم فى الوظائف العليا للجهاز الإدارى للدولة، والتعيينات الكثيرة فى باقى الوظائف الدنيا مما أثار الشعب وطوائفه لتلك التفرقة والعنصرية، التى لم تحدث فى البلاد من قبل مع استمرار كل من المظاهرات والاعتصامات الفئوية لعدم تلبية مطالبهم مع زيادة الأزمات المعيشية للشعب مثل قطع التيار الكهربائى الشبه دائم، وأزمة الوقود والطاقة وغيرها من أزمات عديدة.
وتدخل وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، بمقترحات لاجتماع ولقاء مرسى مع قوى الشعب ولكن مكتب الإرشاد الحاكم الفعلى أملى على مرسى، برفض اللقاءات مما زاد من الانتفاضة والتى تبلورت فى صورة مظاهرات 30 يونيو 2013، ضد الرئيس مرسى، وتنظيمه وخرجت الميليشيات الإخوانية، وأصبحت الحرب الأهلية وشيكة، لولا انتشار الجيش بين الشعب وميليشيات الإخوان.