جريدة الزمان

تقارير

ضحايا موسم حصاد الذهب الأصفر

مصطفى شاهين -

"عادل" يفقد ذراعه.. وآخرون تعرضوا لإصابات وعاهات مستديمة.. والحصاد الآلى وسيلة جديدة لحماية المواطنين

خبراء: توفير مظلة تأمينية للعمال لحمايتهم.. وصيانة الآلات ضرورة وليست رفاهية

كانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة مساءً، حينما انتهى "عادل" من أعماله اليومية داخل الحقل، ليقرر بعدها الالتحاق بعدد من "الأنفار" استعان بهم شقيقه لدراسة القمح، وما هى إلا دقائق حتى انطلقت الماكينة فى العمل لتلتهم ذراعه مع سنابل القمح، ويعيش بعدها بذراع واحد.

فى هذا التوقيت من كل عام، ينطلق موسم حصاد القمح وتوريده إلى صوامع الدولة، ويصاحب هذا الموسم عدد من الحوادث التى تصيب عاملين على ماكينات "دراسة القمح"، أعداد الإصابات كل عام تتراوح ما بين الـ50 إلى 300 إصابة بحسب كلام خبراء، بعضها تكون عبارة عن جروح قطعية والآخر يكون حالات عجز جزئى، وفى حالات محدودة تحدث "الوفاة"، وعلى ضوء المعلومات التى حصلت عليها "الزمان" من شهود عيان نكشف حكايات المصابين وضحايا موسم الحصاد.

كانت البداية، مع رجل أربعينى يدعى "عادل. خ" من محافظة المنوفية، والذى فقد ذراعه الأيسر العام قبل الماضى أثناء دراسة القمح، ويقول: "كان اليوم عاديا بجميع تفاصيله، حتى وقفت على مقدمة الماكينة ألتقط من شقيقى أكوام القمح وألقيها فى بطن الماكينة لتخرجها من الجانب الآخر قمحا، قبل أن تلتهم الماكينة ذراعى".

وأضاف: "ماكينات الدراسة قديمة ومتهالكة وكثيرًا ما تظهر الأعطال أثناء التشغيل ويتبرع أحدهم بصيانة السيور ووضع بعض الزيت عليها لسهولة التشغيل وأحيانًا تحريك أجزاء داخل الماكينة بشكل يدوى ورغم خطورة الموقف لكن ما باليد حيلة ويضطر صاحب الأرض إلى القيام بتلك الأمور حتى لا تتعطل مسيرة العمل ويحصل "الأنفار" على أجرة مضاعفة، ووقتها تبرعت أنا بتحريك "سير الماكينة" لأخسر على إثرها ذراعى".

رواية أخرى، لشاب يبلغ من العمر 28 عاما، فقد أصبعين بعدما غافلته الماكينة، ويقول "مؤمن غريب": "أعمل باليومية فى موسم الحصاد وذات يوم من العام الماضى استعان أحد الأشخاص بى وبمجموعة كبيرة من العمال لتغطية كامل مساحة الأرض البالغة 10 أفدنة للانتهاء من دراسة القمح خلال فترة قصيرة وقبل غلق باب استلام القمح، وامتد العمل هذا اليوم لـ10 ساعات متواصلة وقد أصابنى الإرهاق وفى غفوة منى استيقظت على صوت أحد العمال ينادينى ولكن بعد أن التهمت الماكينة إصبعين من يدى".

وأضاف: "يومية العامل لا تزيد عن 120 جنيها، وفضلاً عن التراب الذى يملأ صدورنا طوال اليوم، هناك خطر أشد وأقرب وهى الماكينات المعطلة والتى تحتاج إلى صيانة وصاحبها يتجاهل بالطبع أى أعمال صيانة قد تكلفه أى أموال إضافية ويكتفى بالمجهود الشخصى للعامل أو صاحب الأرض محل العمل، وهنا تقع الكارثة حيث يتطلب سير الماكينة أحيانًا تحريكه باليد مثل السيارة المعطلة، وغيرها من الأعطال التى تستلزم تدخلنا لمنع تعطيل العمل ولا أحد يهتم بالعامل".

ويلتقط "وائل عبدالرحيم" مقاول أنفار، طرف الحديث، قائلاً: "حوادث موسم الحصاد "قضاء وقدر" وتوخى الحذر والحرص يحميك من تلك الإصابات التى فى الغالب تكون عاهات مستديمة وعجز فى بعض الحالات، ولحماية نفسك يجب الحصول على قسط كافٍ من الراحة حتى لا تتعرض لإجهاد يؤدى لفقدان التوازن ومن ثم إصابتك بمكروه".

وأضاف، حصاد القمح هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة وذلك من حيث رعاية العمال من الناحية الصحية وتوزيع كمامات عليهم، حيث تقوم الجهات المعنية بالمرور أحيانًا على المزارع ذات المساحات الشاسعة والتى تستوعب عددا كبيرا من العمال للتأكد من ارتدائهم الكمامات.

الحصاد فى قرى الحجر الصحى

وعلى هامش ضحايا موسم الحصاد، كان للرواية فصل أكثر أهمية، وهو معرفة أجواء الحصاد داخل القرى الواقعة تحت الحجر الصحى وممنوع داخلها أى تجمعات لمنع انتشار فيروس "كورونا" ويقول "م. ع" مواطن بقرية كفر جعفر بمحافظة الغربية والتى فرض عليها حجر صحى: "وزارة الصحة والمسئولين ناشدونا بعدم وجود أى تجمعات وللأسف بعض الأهالى أصحاب الأراضى الزراعية اضطروا إلى حصاد موسم القمح حتى لا يتلف، وبالتالى احتمال انتقال الفيروس بين العمال لوجود إصابات بالفعل داخل منازل بعضهم وهو ما يهدد بانتقال الفيروس بين جميع أبناء القرية".

وأضاف، العمل يبدأ فى ساعة مبكرة من النهار، وفى سرية تامة لعدم لفت الأنظار، رغم حالة الرعب التى يعيشها أبناء القرية وبغض النظر عن تداعيات هذه التجمعات.

فيما أوضح "مصطفى عيسى" أحد أبناء الغربية ويعمل بمجال المقاولات، للأسف لا يوجد وعى لدى بعض العمال بخطورة تلك التجمعات التى رأيت بعضها بنفسى داخل القرية وقبل دخولها الحجر الصحى وخارجها فى قرى مجاورة وقد ظهرت بها حالات أيضًا، وأتمنى من الأجهزة المعنية مراعاة تلك التجمعات فى موسم الحصاد ونفس الشىء لعمال المزارع الذين نراهم يوميًا محملين داخل سيارات ربع نقل".

الحصاد الآلى لحماية الأرواح

على الجانب الآخر، قامت وزارة الزراعة بتعديل جوهرى فى ماكينة الكومباين، لتقوم لأول مرة فى مصر بكافة عمليات حصاد محصول القمح، حيث تقوم الماكينة بدراسة القمح وتقطيع القش إلى تبن وتجميعه إلى كومة فى نفس الوقت، وذلك بدون تدخل العنصر البشرى وهو ما يوفر الحماية وبنفس الوقت يغطى مساحات واسعة خلال فترة زمنية قصيرة.

وفى هذا السياق، يقول المهندس محمود خيرى "استشارى استصلاح الأراضى الصحراوية": "ضحايا موسم الحصاد كل عام تصل أعدادهم أحيانًا إلى 100 شخص وربما يزيد الرقم لو كانت لدينا وسيلة إحصاء دقيقة لتسجيل تلك الحالات، وبالتالى هناك حاجة ملحة لوجود ماكينات تقوم على حصد المحصول خلال ساعة ونصف على الأكثر للفدان الواحد، وتساهم فى خفض تكاليف الإنتاج وتقليل الفاقد من المحصول خلال الحصاد، فضلا عن زيادة الإيرادات للمزارع الصغير.

وأضاف، لدينا فى مصر حوالى 3 ملايين و400 ألف فدان منزرعة بالقمح واستخدام التقنيات الحديثة سيكون أداة فعالة لحماية العنصر البشرى والذى يمكن الاعتماد عليه فى أمور أخرى لا تعرض حياته للخطر وتقلص حجم التالف فى المحصول.

واستطرد، فيما يتعلق بالمساحات الصغيرة يجب عمل صيانة دورية للمعدات المستخدمة فى عملية درس القمح لتجنب الإصابات الناجمة عن الأعطال.

ويتفق معه محمد حمدى خبير التنمية المحلية، قائلاً: "يجب توفير مظلة تأمينية للعمالة الموسمية والتى تفتقر لأدنى مستويات الأمان أثناء العمل وأثناء تنفيذ مهام حصد محاصيل القمح وغيرها وما يتعرضون له من إصابات عمل، تصل إلى العجز وعدم القدرة مستقبلاً على القيام بأى أعمال ومن ثم يجب توفير وثيقة تأمين ومعاش فى حالة العجز أو الوفاة ويكون صاحب العمل مسئول عنها خاصة لو كان صاحب مزرعة، ودور الدولة هنا غائب فى عمليات الرقابة على أصحاب الأعمال، ويجب تفعيله.