جريدة الزمان

منوعات

في ذكرى ميلاد سيف الدولة الحمداني.. تعرف على حياته وتأثيره بالمجتمع

عصر سيف الدولة الحمداني
سامية عبد القادر -

يمثل اليوم 22 يونيه من عام 1916 ميلاد سيف الدولة الحمداني ويعرف باللقب الأكثر شيوعا سيف الدولة (سيف الدولة العباسية) (303 - 356 هـ / 915 - 967 م) هو علي بن أبي الهيجاء بن حمدان بن الحارث سيف الدولة التغلبي مؤسس إمارة حلب، التي تضم معظم شمال سوريا وأجزاء من غرب الجزيرة، و أخ لحسان بن عبد الله (المعروف بـناصر الدولة الحمداني)..

وكان من أكثر الأعضاء بروزا في الدولة الحمدانية، سيف الدولة خدم تحت ولاية أخيه الأكبر في محاولات من أخيه للسيطرة على الدولة العباسية الضعيفة في بغداد في أوائل 940 م، بعد إخفاق هذه المحاولات، تحول طموح سيف الدولة تجاه سوريا، حيث واجه طمع الأخشيد من مصر للسيطرة على المحافظة،

بعد نشوء حربين معهم. سلطته كانت على شمال سوريا مركزها في حلب، والجزيرة الغربية مركزها ميافارقين، وكان معترفا بها من قبل الأخشيد والخليفة، عانت مملكته من سلسلة من التمردات القبلية حتى 955 م، لكنه كان ناجحا في التغلب عليها والمحافظة على ولاء أهم القبائل العربية، أصبحت دولة سيف الدولة في حلب مركز الثقافة والحيوية، وجمع من حوله من الأدباء و منهم أبو الطيب المتنبي الذي ساعد في ضمان شهرته للأجيال القادمة.

 

كان راعياً للفنون والعلماء، وتزاحم على بابه في حلب الشُعراء والعُلماء والأدباء والمفكرون، ففتح لهم بلاطه وخزائنه، حتى كانت له عملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه، وفيهم المتنبي وابن خالويه النحوي المشهور، وأبو نصر الفارابي الفيلسوف الشهير، كما اعتنى بابن عمه وأخي زوجته أبي فراس الحمداني شاعر حلب. وقال هو نفسه الشعر، وله أبيات جيدة، أصبحت عاصمة دولته حلب مقصدا للعلماء والشعراء العرب في هذه الفترة من حكم سيف الدولة.

احتفل بسيف الدولة على نطاق واسع لدوره في الحروب الإسلامية البيزنطية، مواجها الامبراطورية البيزنطية في أوج قوتها والتي استطاعت في بدايات القرن العاشر السيطرة على بعض الأراضي الإسلامية، وفي أثناء مصارعة عدو متفوق بكثير، شن سيف الدولة غارات في عمق الأراضي البيزنطية متمكنا من فتح بعض المناطق، واستمر ذلك حتى عام 955م، بعد ذلك قاد القائد الجديد للقوات البيزنطية نقفور الثاني ومساعدوه هجوما قصم قوات الحمداني، واستولى البيزنطيون على قلقيلية، كما احتلوا حلب نفسها لفترة وجيزة في 962، وتميزت السنوات الأخيرة لسيف الحمداني بالهزائم العسكرية، لعجزه المتزايد نتيجة المرض، وانخفاض سلطته التي أدت إلى ثورة أقرب مساعديه، وقد مات في بدايات 967، تاركا عالما أضعف فقد أنطاكية والساحل السوري لبيزنطة لتصبح من الإمبراطورية البيزنطية عام 969 م.

حياته

النشأة والعائلة

ولد سيف الدولة علي بن عبد الله، الابن الثاني لعبد الله أبي الهيجاء بن حمدان [المتوفى سنة 929]، ولد حمدان بن حمدون بن الحارث، والذي نسب لاسمه السلالة الحمدانية. وقد كان الحمدانيون فرعًا لبني تغلب، القبيلة العربية التي سكنت في منطقة الجزيرة الفراتية منذ عصر ما قبل الإسلام. سيطر التغلبيون تقليديا على الموصل ومنطقتها حتى القرن التاسع، عندما حاولت الدولة العباسية فرض سيطرة حازمة أكثر على المنطقة. كان حمدان بن حمدون أحد أكثر القادة التغلبيين رفضاً لهذه الخطوة. والجدير بالذكر في جهوده لدرء العباسيين، أنه ضَمِن تحالف الأكراد الذين يعيشون في الجبال في شمال الموصل، هذه الحقيقة سيكون لها أهمية كبيرة على ثروات عائلته في وقت لاحق. تزاوج أفراد الأسرة مع الأكراد، والذين كانوا بارزين في الجيش الحمداني.

في عام 895، هُزم حمدان وسُجن مع أقاربه، لكن ابنه حسين بن حمدان تمكن من تأمين مستقبل العائلة، وقد أعد جنودًا للخليفة من تغلب في مقابل تخفيض الضرائب، وأسس تأثيرًا قائديًّا في الجزيرة بكونه وسيطا بين السلطات العباسية والعربية والسكان الأكراد، كانت هذه القاعدة المحلية القوية التي سمحت للعائلة أن تنجو من علاقتها المتوترة مع الحكومة المركزية العباسية في بغداد خلال بدايات القرن العاشر. كان حسين قائدًا ناجحًا ميز نفسه ضد الخوارج والطولونيون، ولكنه أُنزلت مرتبته بعد دعمه للمحاولة الفاشلة لنزع الحكم من عبد الله بن المعتز عام 908، وقد كان أخوه الأصغر إبراهيم حاكم ديار ربيعة (الإقليم حول نصيبين) في 919، وبعد وفاته في السنة التالية خلفه شقيقه داوود ، وشغل والد سيف الدولة عبد الله منصب أمير (حاكم) الموصل من 4913 إلى 6914، وقد أُنزلت مرتبته مرارًا وأعيد تأهيله حتى رجعت سيطرته للموصل في 5925، متمتعاً بعلاقة وطيدة مع القوي مؤنس الخادم، لعب لاحقًا دورًا قياديا في المحاولة القصيرة الأجل لنزع حكم القاهر ضد المقتدر عام 929، وقتل خلال القمع.

على الرغم من الثورات الفاشلة ووفاته، كان عبد الله قادراً على ضم الموصل تحت حكمه، وأصبح هناك وجود فعلي للحكم الحمداني في تلك الإمارة. خلال غيابه الطويل في بغداد في سنواته الأخيرة، عَـهِـد عبد الله بحكم الموصل إلى ابنه البكر الحسن، والذي لقب مستقبلاً بناصر الدولة. بعد وفاة عبد الله، كان موقع الحسن في الموصل مهدداً بواسطة أعمامه، لكن ذلك لم يستمر إذ أنه كان قادراً على أن يوطد الأمن في بغداد وأن يبسط سيطرته على الموصل وكامل الجزيرة حتى الحدود المتاخمة للدولة البيزنطية في العام 935م

المنصب الأول في عهد الحسن ناصر الدولة

بدأ الشاب علي بن عبد الله مسيرته في عهد شقيقه في عام 936، إذ دعا حسن شقيقه الأصغر لخدمته، واعدا إياه بأن يحكم ديار بكر (المنطقة المحيطة بآمد) مقابل مساعدته ضد علي بن جعفر، وهو حاكم متمرد من ميافارقين. وقد نجح علي بن عبد الله في منع ابن جعفر من تلقي المساعدة من حلفائه الأرمان، وأيضا مراقبة الأجزاء الشمالية من المحافظة المجاورة لديار مضر بعد إخضاع القبائل القيسية في المنطقة المحيطة بمنطقة السروج ومن هذا الموقع، أُطْلِقت حملات لمساعدة الإمارات المسلمة على منطقة الحدود البيزنطية (الثغور) ضد البيزنطيين. كما أنها تدخلت في أرمينيا لردع تأثير النمو البيزنطي هناك (انظر أدناه).

في هذه الأثناء، أصبح حسان من المشاركين في مؤامرات البلاط العباسي. انهارت الحكومة العباسية منذ اغتيال الخليفة المقتدر في سنة 932، وفي سنة 936 استحق محمد بن رائق حاكم واسط لقب امير الامراء و ما معها من سيطرة فعلية من الحكومة العباسية. تم تصغير دور الخليفة الراضي دور حاكم من غير سلطة. في حين تم مضاعفة تمدد البيروقراطية المدنية القديمة بشكل كبير من ناحية الحجم و القوة. كان موقف ابن الرائق محكماً، ومع ذلك، سرعان ما اندلع صراع معقد بين الحكام و قادة الجيش التركي للسيطرة على مكتب أمير العمارة و الخلافة. انتهى الصراع بانتصار البويهين في سنة 946.

أيد حسان في البداية بن رائق، لكن في 942 إغتاله ليؤمّن لنفسه منصب أمير الأمراء، تلقى لقب تشريفي ناصر الدولة ("مدافع من الدولة")، واصلت عائلة البريدي المقاومة وهي عائلة محلية تريد السيطرة على البصرة، وكانت تأمل بالسيطرة على الخلافة، واصلوا المقاومة. فأرسل لهم ناصر الدولة علي، بعد أن سجل انتصارا على أبي الحسين البريدي في المدائن، سمي علي محافظ واسط ومنح لقب سيف الدولة (سيف الأسرة)، الذي أصبح بعده مشهورا. هذه المنحة المزدوجة للأخوة الحمدانيين هي المرة الأولى التي تقوم بها الدولة بدمج لقبين مرموقين لأي شخص آخر غير الوزير، المساعد الخاصّ للخليفة.

أُثبت أن نجاح الحمدانيون لم يدم طويلا. ولكنهم كانوا معزولين سياسيا، ووجدوا تأييدا بسيطا من أقوى توابع الخليفة، السامانيون من بلاد ما وراء النهر والإخشيديون في مصر. نتيجة لذلك، في عام 943 اندلع تمرد حول قضايا الدفع ضمن قواتهم (تتألف معظمها من الأتراك والديلم والقرامطة والقليل من العرب)، تحت قيادة التركي تيوزين، أجبروا للتخلي عن بغداد. عين الخليفة المتقي تيوزين كأمير الأمراء. لكن سرعان ما تشاجر معه وفر شمالا طلبا للحماية الحمدانية . ومع ذلك، تيوزين هزم ناصر الدولة وسيف الدولة في ساحة المعركة، وفي عام 944 عقد اتفاق يسمح للحمدانيين أن يحافظوا على الجزيرة وأيضاً إعطائهم السلطة الاسمية على شمال سوريا (التي لم تكن تحت السيطرة الحمدانية ذلك الوقت)، في مقابل جزية كبيرة. من الآن وصاعدا، ناصر الدولة سيكون رافدا( دافع للجزية - مدفوع كجزية ) لبغداد. ومع ذلك، أدت محاولاته المستمرة للسيطرة على بغداد لخلاف مع البويهيين. وفي النهاية، في 9/958 أُجبر ناصر الدولة على البحث عن ملجأ في محكمة شقيقه. قبل أن يتفاوض سيف الدولة عودته إلى الموصل مع الأمير البويهي معز الدولة .

تأسيس إمارة حلب

كانت شمال سوريا تحت سيطرة الإخشيديين منذ 935/6، إلى أن فصلها ابن رائق عن سيطرة المصريين في 939/40. في عام 942، عندما حل ناصر الدولة محل المغتال ابن رائق، حاول فرض سيطرته على المنطقة، وخاصة على المقاطعة التي كان ابن رائق منها ديار مضر. القوات الحمدانية أخذت السيطرة على وادي نهر البليخ، لكن الناس المهمين المحليين كانوا لا يزالوا يميلون نحو الإخشيديين، وكانت السلطة الحمدانية ضعيفة. لم يتدخل الإخشيديون مباشرة ولكنهم دعموا عادل البكجمي، محافظ رحبة. قام البكجمي بالقبض على نصيبـن، حيث أن سيف الدولة غادر كنوزه ولكنه هزم في النهاية وقبض عليه قريب سيف الدولة أبوعبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان. وأعدم في بغداد في مايو 943. ثم شرع حسين لاحتلال المقاطعة كاملة، من ديار مضر إلى الثغور. أخذت الرقة بقوة، ولكن استسلمت حلب من غير قتال في فبراير 944. أرسل المتقي الآن طلبات إلى الإخشيد. سائلا عن دعمه ضد مختلف قواد الجيوش الذين كانوا يريدون السيطرة عليه. (حبسوا - حاصروا) الحمدانيون الخليفة في الرقة، ولكن في صيف 944 وصل الإخشيد إلى سوريا. تخلى حسين عن حلب إلى المصريين، وبعد ذلك زار الخليفة المنفي في الرقة. أكد المتقي سيطرة الإخشيديين على سوريا، لكن بعد رفض الخليفة انتقاله إلى مصر، رفض الحاكم المصري من أن يلزم نفسه بالمزيد من المساعدات إلى الخليفة ضد أعدائه. عاد الإخشيد إلى مصر، في حين المتقي رجع إلى بغداد ضعيفا ومكتئبا .

في هذه الظروف حوّل سيف الدولة اهتمامه إلى الشام. وكانت السنوات السابقة قد شهدت سلسلة من الإذلال الشخصي، ومع هزائمه في الميدان أمام توزون وفشله في إقناع المتقي أن يلقبه أمير الأمراء . وفي هذه الفترة، نجحت المحاولة الأخيرة لاغتيال أحد منافسيه، محمد ابن ينال الترجمان. كتب تيري بيانكويس أنه بعد فشل نوايا أخيه في العراق، كان توجه سيف الدولة إلى الشام قد " وُلِد من الاستياء، بعد أن عاد من نصيبين وجد نفسه تحت الوصاية والقليل جدًا من المال ". قام ناصر الدولة بتشجيع أخيه في التوجه للشام بعد أن فشل حسين هناك، حيث كتب إلى سيف الدولة : " تلك الشام أمامك، لايوجد أحدٌ في الأرض يمنعك عنها " بالمال والدعم المُقدّم من أخيه قام سيف الدولة بغزو شمال الشام، عقب مغادرة الإخشيديين كسب دعم عشيرة بنو كلاب التي ينتمي إليها حاكم حلب المُعين من قِبل الإخشيد ودخل المدينة دون معارضة في أكتوبر من عام 499م