جريدة الزمان

خارجي

إثيوبيا تُغرق ورقة المفاوضات فى سد النهضة

أديس أبابا تتلاعب بالحقوق المائية وتتهرب من الاتفاق الملزم

سد النهضة
محمد عبد المنصف - علي الحوفي -

البدء فى ملء السد رغم عدم التوصل لتوافق مبدئى.

يوسف: المفاوضات لن تصل للحل.. ولا بد من وسيلة ضغط​

حليمة: التعنت بمثابة حرب إبادة للشعب المصرى

مطاوع: آبى أحمد يتنصل من حقوق مصر التاريخية فى النيل​

شراقى: صور الأٌقمار الصناعية تؤكد عدم بدء الملء

لا زال التعنت الإثيوبى مسيطرا على مفاوضات سد النهضة، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، عن بدء بلاده ملء خزان السد للاستفادة من الأمطار الغزيرة التى سقطت هذا الأسبوع مع بدء موسم الفيضان، لافتا إلى أنه لن يلحق بمصر أى ضرر، وبالرغم من عدم التأكد حتى الآن من بدء عمليات تخزين المياه أمام السد فعليا، إلا أن الموقف أصبح مقلقا لمصر حيث يرفض الجانب الإثيوبى التوقيع على أى اتفاقيات ملزمة له بينما بدأت المياه تتدفق إلى بحيرة السد.

وقال الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المفاوضات التى تتم حاليا بين مصر والسودان مع الجانب الإثيوبى بشأن السد لن تصل إلى حل للمشكلة، وأن الطريق لا زال شاقا أمام المفاوض المصرى.​

أكد يوسف أحمد لـ"الزمان" أن الحل الوحيد هو البحث عن وسيلة ضغط من المجتمع الدولى، مثل مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات على الجانب الإثيوبى فى حالة بدء ملء خزان السد قبل التوقيع على اتفاق ملزم مع دولتى المصب، أو قيام الدول العربية بسحب استثماراتها من هناك لإجبار الحكومة الإثيوبية على التراجع عن موقفها.​

أضاف يوسف، أن الاتحاد الأفريقى الذى يرعى حاليا المفاوضات قادر هو الآخر على فرض حصار اقتصادى على إثيوبيا لإجبارها على العودة للمفاوضات للتوصل لاتفاق عادل، غير أنه يعتقد أن إحالة الموضوع إلى الاتحاد الأفريقى بعد تسعة أعوام من المفاوضات وبعد لجوء مصر إلى مجلس الأمن جاء لكى تتخلص إثيوبيا من احتمالات إصدار مجلس الأمن قرارا ملزما لها.

وحول احتمال أن تبدأ إثيوبيا ملء السد قبل التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، أوضح أستاذ العلوم السياسية أن ذلك سيقوى موقف مصر فى المحافل الدولية لأن الأضرار التى تشكو منها مصر من بناء السد ستصبح واقعا ملموسا أمام المجتمع الدولى.​

ويرى الدكتور أحمد يوسف، أن تدويل القضية أصبح الخيار الوحيد أمام مصر حاليا لا سيما بعد التوصل إلى موقف مشترك مع الولايات المتحدة والبنك الدولى، مؤكدا أنه حان الوقت للجوء إلى الآليات القضائية التى تفزع منها إثيوبيا والتى ستكون خير شاهد على سلامة الموقف المصرى.​

لفت أستاذ العلوم السياسية، إلى أهمية الحفاظ على وحدة الموقفين المصرى والسودانى، لا سيما بعد ظهور وجهات نظر سودانية فنية وسياسية تلتقى مع الموقف المصرى، مشيرا إلى تصاعد التوجه السودانى بعد التحرشات الإثيوبية الأخيرة مع المزارعين داخل السودان فى المناطق الحدودية.​

وأشار يوسف إلى ضرورة بذل أقصى جهد ممكن لشرح الحقائق للشعب الإثيوبى الذى لا شك قد تأثر بالإعلام المحلى الذى جعل من مصر شيطانا حيث تحاول إثيوبيا ارتداء ثوب المدافع عن حقوقها ضد الاحتكار المصرى، وهنا تأتى أهمية شرح الموقف المصرى لدول الحوض.​

وأضاف أنه لا بد من إعطاء أهمية خاصة لبعض الأمور الفنية الدقيقة فى المذكرة الإثيوبية التى تنطوى على مغالطات واضحة غير أنه من الممكن ألا يستوعبها غير المتخصصين أو أن يستخدمها أصحاب الأهواء السياسية.​

من جانبه أكد السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، أن محاولة إثيوبيا بدء ملء السد قبل التوصل لاتفاق مع مصر من شأنه أن يعرض مصر لحرب إبادة إنسانية، حيث سينتج عنه تبوير أكثر من مليونى فدان أرض زراعية وفقدان نحو عشرة ملايين مواطن لمصدر رزقه، إضافة إلى انخفاض ملحوظ فى كمية الكهرباء التى يتم توليدها من السد العالى.​

أكد حليمة أن إعلان رئيس الوزراء آبى أحمد مخالف للأعراف الدولية للأنهار الدولية التى تمر بأكثر من دولة، لا سيما وأن النيل ليس نهرا داخليا حتى تنفرد إثيوبيا باتخاذ القرارات المتعلقة به، كما أنه انتهاك لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015.​

أشار السفير صلاح حليمة إلى نص المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ فى عقد اجتماع بين رؤساء الدول الثلاث لحل الخلافات العالقة فى حال عدم توصل الخبراء الفنيين لنتائج ترضى جميع الأطراف.

أضاف حليمة أن رئيس الوزراء آبى أحمد أشار إلى عدم الإضرار بمصالح مصر المائية، فما هو الضمان لذلك لا سيما أن المفاوضات التى رعتها كلا من واشنطن والبنك الدولى أشارت إلى عدم استكمال دراسات أمان السد، الأمر الذى يهدد مستقل 150 مليون مواطن يعيشون فى مصر والسودان.​

فى سياق متصل أكد الدكتور عبدالفتاح مطاوع رئيس هيئة مياه النيل الأسبق، أن إثيوبيا حريصة على عدم الالتزام بحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، بدليل أن المفاوضات التى تمت فى واشنطن برعاية كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى حسمت 95% من بنود الخلاف بين الجانبين ومع ذلك رفضت التوقيع على الاتفاق أو حتى مجرد الحضور.​

أوضح مطاوع أن توقيع إثيوبيا على الاتفاق كان سيستتبعه التزام قانونى بعدم التأثير على حصة مصر من مياه النيل، خلال تخزين المياه وبعد تشغيل السد، لافتا إلى سعى إثيوبيا بوضوح إلى رفض الاعتراف بالاتفاقيات المعلنة بينها وبين مصر، عام 1902 و1929، 2015 علما بأن قواعد القانون الدولى تنص على أن الحكومات ترث الاتفاقيات الموقعة من قبل الدولة وتلتزم بتنفيذها.

لفت رئيس الهيئة الأسبق إلى أن اتفاقية إعلان المبادئ التى تم توقيعها فى الخرطوم مارس 2015 تلزم إثيوبيا بتحمل أى تكاليف مادية للأضرار الواقعة على مصر والسودان من إنشاء السد، موضحا أن تقرير اللجنة الدولية التى شكلت لدراسة درجة أمان السد أكدت أنها غير كافية وأن هناك احتمالا لتعرض السد للانهيار.​

وأكد "مطاوع" أن هناك كثيرا من السدود تعرضت للانهيار بعد إنشائها فى كل بلاد العالم، لافتا إلى أنه فى حالة عدم التوصل لاتفاق فإن الحكومة المصرية ستلجأ لاتخاذ حلول أخرى من خلال مجلس الأمن أو التحكيم الدولى.​

وقال الدكتور عبدالفتاح، إن الخلاف حاليا يدور حول الملء التجريبى لبحيرة السد هذا العام، والملء الأول لتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، بخلاف فترات الجفاف الممتدة التى قد تتعرض لها المنطقة مثلما حدث بين عامى 79 و86 والذى استمر سبعة أعوام متصلة.​

وحول قوة الموقف المصرى فى القانون الدولى، أشار "مطاوع" إلى أن اتفاقية القسطنطينية 1888 المنظمة لحركة الملاحة فى قناة السويس والتى نصت على تعهد دول العالم بحرية الملاحة فى القناة، وضمان وصول مياه النيل إلى منطقة القناة لخدمة السفن العابرة، ولذلك فإنه إذا استمر التعنت الإثيوبى فى المفاوضات يصبح المجتمع الدولى مطالبا بالالتزام بتعهداته الدولية.

من جانبه نفى الدكتور عباس شراقى، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، بدء إثيوبيا فى ملء سد النهضة بدون اتفاق، مشيرا إلى أن عملية ملء سد النهضة لم تبدأ بعد، مستندا إلى صور الأقمار الصناعية، التى تشير إلى استمرار تدفق المياه فى مجراها الطبيعى للنيل الأزرق نحو السودان ومصر عبر 4 بوابات فى جسم سد النهضة.​

وعن أنباء بدء ملء سد النهضة، أوضح شراقى أنها انطلقت من إثيوبيا وربما لتهدئة الداخل المحتقن حاليا تجاه الحكومة، ثم ظهر الحديث نفسه فى السودان، مؤكدا أنه يتم رصد حركة المياه بالأقمار الصناعية.​

أوضح شراقى أن موسم الفيضان يستمر من يوليو حتى سبتمبر ويكون أقل فى أكتوبر، وتستطيع إثيوبيا ملء المرحلة الأولى، والتى حددتها بإجمالى 4.9 مليار متر مكعب، فى أسبوعين أو ثلاثة خلال الموسم.​

وكشف شراقى أنه مع زيادة كمية الأمطار حدث تجمع مائى بسيط أمام السد لعدم قدرة البوابات الأربعة على إمرارها مرة واحدة، ومن المتوقع أن يزداد التجمع الأيام القادمة إلا أنه لا يعتبر تخزينا حتى الآن.​