جريدة الزمان

تقارير

سبوبة ”البحث الاجتماعى” تعود من جديد بالقرى الفقيرة

مصطفى شاهين -

تقدم الحكومة عددا من الخدمات والإعفاءات فى قطاعات ومجالات مختلفة مقترنة بالبحث الاجتماعى المطلوب لإثبات عدم قدرة المواطن على سداد قيمة المصروفات الدراسية وحاجته لمعاش تكافل وكرامة على سبيل المثال، وقد حددت الحكومة خطوات الحصول على البحث الاجتماعى والتى تبدأ بالتوجه إلى الوحدة الاجتماعية التابع لها المواطن وتقديم مجموعة أوراق لينتهى المطاف بموظف يأتى لزيارة المواطن فى محل سكنه ويجمع المعلومات ويكتب التقرير الذى يفيد أحقيته الحصول على هذا الخطاب الذى يعفيه من سداد مصروفات والحصول على خدمات أخرى من الدولة، ومع زيادة الطلب يوميًا على الأبحاث الاجتماعية ظهرت الـ"سبوبة" التى تبناها البعض يفاوض عليها مواطنين دفعهم الفقر والحاجة إلى دفع مبالغ على سبيل الرشوة من أجل الانتهاء من البحث لصالح المواطن وبشكل سريع.

وفى ضوء وقائع يرويها مواطنون لـ"الزمان"، استطاع البعض من غير المستحقين الحصول على أبحاث اجتماعية تفيد عدم قدرتهم سداد المصروفات وحقهم بمعاش تكافل وكرامة رغم سفر بعضهم للعمل بالخارج، فيما حُرم آخرون من الحصول على البحث إما لعدم اكتمال الأوراق وعدم درايتهم بكيفية سير الأمور أو لعدم امتلاكهم قيمة "الشاى" الذى يطلبه بعض الموظفين لكتابة التقرير لصالح المواطن بما يفيد فقره.

كانت البداية مع "س.ج" والذى يروى لـ"الزمان"، حكايته، قائلاً: تقدمت بالأوراق المطلوبة لعمل بحث اجتماعى لدى الوحدة التابع لها محل إقامتى، وطلب منى الموظف معرفة سبب قيامى بعمل بحث وأخبرته بأن ثمة جمعية خيرية تقدم إعانات شهرية للمحتاجين والفقراء شرط وجود بحث اجتماعى يؤكد حاجتهم للمساعدة، ولاحقًا وبعد طول انتظار للموظف أخبرنى أحدهم بضرورة دفع "الشاى" للموظف حتى يقوم بعمل تقرير يفيد حاجتى للمال وأنى غير قادر على الوفاء بالالتزامات المالية الشهرية من معيشة ومسكن وخلافه، وتوسط بينى وبين الموظف شخص آخر ودفعت للأسف مبلغ قد اقترضته من شقيقتى.

وتابع، بعد فترة عرفت أن أغلب البحوث الاجتماعية الصادرة تكون بنفس الطريقة فى حين يحصل أشخاص يعملون بالخليج على معاش تكافل وكرامة والسبب فى ذلك يرجع إلى البحث الاجتماعى المعد سلفًا بمعرفة موظف عديم المسئولية قبض الرشوة، ويتم التعامل للأسف مع المواطنين فى هذا الصدد بأنهم وسيلة مشروعة للحصول على المال مقابل منحك بحث سيكون وسيلة ليعفيك من سداد مصروفات ومن التزامات أخرى يصعب على الفقراء الوفاء بها.

فيما اضطر "ا.م" الطالب بالفرقة الثانية تجارة القاهرة، تقديم بحث اجتماعى ليتم إعفاؤه من المصروفات والحصول على بعض الكتب لأعضاء هيئة تدريس يمنحوها بالمجان للطلبة غير القادرين، ويروى تفاصيل الحصول على البحث واصفًا إياها بالصعبة، قائلاً: البحث الاجتماعى قائم على زيارة ميدانية للموظف ليرى الحال الذى يعيش فيه المواطن طالب البحث ويدون بما تراه عينه من فقر مدقع لا يوحى بأى معالم الثراء، وفى المرة الأولى لتقديم البحث تعطلت الإجراءات ومر الوقت دون تحرك من الموظف وكررت الطلب مرة أخرى وتحجج الموظف وقتها بالوباء وكورونا.

وأضاف، رغم أن الموظف دائم التردد على نفس المربع السكنى الذى أعيش به لكن بدون سبب واضح لم يكن ليقوم بزيارتنا إلا بعد عمل "الواجب" معه على حد التعبير الذى يستخدموه وللأسف اضطررت لدفع مبلغ ليقوم بعمل البحث والانتهاء منه سريعًا لكى أقدمه إلى الجامعة.

على الجانب الآخر، أكد مصدر مطلع: هناك حالات غير مستحقة للبحث الاجتماعى وحالتها المادية ميسورة جدًا لكنها بفضل موظفين مرتشين يحصلون على هدايا مقابل منحهم البحث الاجتماعى مكتوب وموقع ومزيل بشعار الجمهورية ليحصلوا فى المقابل على امتيازات مخصصة للفقراء شديدى الحاجة لكل دعم تقدمه الدولة، وهناك لجان للتفتيش على مسئولى البحوث الاجتماعية وللأسف نادرًا ما يتم رصد مخالفات والتى تتطلب معها النزول إلى أرض الواقع للتأكد من صدق ما جاء بالتقرير ويتطابق مع الحالة التى أوصى التقرير بمساعدتها.

محمد حمدى خبير التنمية المحلية، أوضح فى تصريحات لـ"الزمان": الأوراق المطلوبة لعمل البحث الاجتماعى معروفة وغير محتمل أن يرفض موظف العمل والنزول إلى أرض الواقع لمطابقة الحالة الاجتماعية الصعبة لطالب البحث وإتمام مصلحة المواطن وإن اضطر صاحب الطلب دفع مبلغ للموظف وذلك يكون تحت بند "انتقالات" رغم أن الدولة تصرف لهذا الموظف راتبا شهريا ومثل تلك الممارسات شائعة فى المرور والمستشفيات والمصالح الحكومية كافة، لكن ما أراه إهدارا فعلاً للمال العام مساعدة القادرين بمثل تلك البحوث الاجتماعية وهو ما يتطلب تحقيقا ورقابة مشددة فمثلاً بعض القادرين لا يمتلكون حيازة زراعية وهذا لا يعنى أنهم غير قادرين بالعكس قد لا أمتلك حيازة زراعية ولكن أمتلك مساحة من أرض البناء وهكذا.

ويتفق معه فى الطرح، إبراهيم وهبة "مسئول سابق بالتضامن الاجتماعى"، قائلاً: تمت مراجعة كشوف معاش تكافل وكرامة واستبعاد غير المستحقين بعد صرفهم عدد من الشهور كرواتب ثابتة يحصلون عليها شهريًا لمجرد عدم خضوعهم لمظلة تأمينية وهو أمر شائع بين كثير من المصريين، وهو لا يعنى أن الشخص يستحق الدعم فهناك من غير المؤمن عليهم ولكنهم لا يستحقون الدعم كذلك، وعليه يجب إعادة النظر فى الشروط الواجب توافرها فى الشخص مستحق البحث الاجتماعى ليكون مصوغا للحصول على امتيازات تصرف فقط لمحدودى الدخل.