جريدة الزمان

خارجي

خطوط مصرية حمراء لإثيوبيا حول سد النهضة

محمد عبد المنصف- علي الحوفي -

حدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، يوم 15 أبريل، موعدا نهائيا للتوصل لاتفاق نهائى مع الحكومة الإثيوبية بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، كما اتفق الرئيس مع الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة بدولة السودان، على استكمال المفاوضات برئاسة الرئيس تيشسيكيدى رئيس الكونغو الديمقراطية باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقى فى دورته الحالية وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربى والأمم المتحدة.

واعتبر اللواء سامح أبوهشيمة المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، قرار الرئيس بأنه الإنذار الأخير قبل التصديق على قرار العمل العسكرى، لافتا إلى أن الأولوية فى العلاقات المصرية السودانية للتعاون الاقتصادى ومع ذلك تصدر التعاون العسكرى والسياسى مباحثات الرئيس مع الفريق عبدالفتاح البرهان، خلال زيارته للخرطوم هذا الأسبوع.

أوضح لـ"الزمان" أن الحفاظ على الحقوق المائية يأتى على قمة أولويات الأمن القومى لكلا البلدين، مشيرا إلى تفعيل اتفاقية التعاون العسكرى بين البلدين لدعم السودان فى مواجهة مليشيات "الشفتة" ذات الأصول الأمهرية والتى كانت تسيطر على منطقتى "القضارف" و"الفشقة" السودانيتين.

توقع الخبير العسكرى أن تؤتى تلك القرارات ثمارها مع إثيوبيا مثلما حدث مع ليبيا حين أعلن الرئيس السيسى أن "سيرت/ الجفرة"، خط أحمر ولن نسمح بتجاوزه وقام بعمل تفتيش حرب شملت فرقة مدرعة وأخرى مشاه، فكانت النتيجة تراجع الجانب التركى عن التدخل العسكرى المباشر فى الشأن الليبى.

لفت المحلل العسكرى إلى مرور ليبيا وقتها بحالة انكسار لقواتها المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر، بصورة كانت تسمح بوصول القوات التركية للحدود المصرية خلال 24 ساعة إذا تجاوزت منطقة سيرت، فتم دعم القوات الليبية بإعلان حالة التعبئة للقوات المصرية، مما نتج عنه هدوء الموقف العسكرى ودخول الأطراف المتصارعة فى مفاوضات إيجابية انتهت بالإعلان عن اختيار مجلس رئاسى جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وقال اللواء أبوهشيمة إن الرئيس اعتاد ألا يتدخل إلا فى مرحلة "التأثير المباشر للضرر"، لوقف الخطر، ولا بد من وقف الملء الثانى لبحيرة السد لحين التوصل لاتفاق ملزم لإثيوبيا بالحفاظ على حصة مصر من مياه النيل، والتأكد من عدم تعرض السودان لأى مخاطر فى حالة انهيار السد.

أضاف الخبير العسكرى أن مصر لديها خبرة طويلة فى التعامل مع الخبراء اليهود الذين تستعين بهم إثيوبيا لإدارة ملف الأزمة، حيث سبق أن نجحنا فى التفوق عليهم خلال قضية تحكيم طابا رغم إجادتهم فن تعطيل المفاوضات وافتعال الأزمات، كما تربطهم بنا حاليا مصالح اقتصادية تتمثل فى شراء مصر الغاز المسال من إسرائيل وليس من مصلحتهم تصعيد المواجهة مع مصر.

أوضح اللواء أبوهشيمة إلى نجاح الدبلوماسية المصرية ومعها منظمات حقوق الإنسان العالمية والولايات المتحدة الأمريكية فى تحجيم تدخل القوات الإريترية إلى إقليم التيجراى بعد استعانة الحكومة الإثيوبية بهم خلال المواجهات العسكرية التى جرت شهر نوفمبر الماضى رغم استعانتها بخبراء إسرائيليين، يؤكد أننا قادرون على إدارة ذلك الملف المعقد.

أشار المحلل العسكرى إلى احتمال مطالبة إسرائيل بزيادة حصة مصر من مياه النيل بهدف توصيل المياه لصحراء النقب عبر ترعة السلام بسيناء، مثل اتفاقها مع تركيا للحصول على كمية من مياه نهر الفرات خلال مروره بسوريا يتم توصيلها إليها عبر نهر الأردن، غير أن إصرار إثيوبيا على الملء الثانى قبل التوصل لاتفاق سيقابله إجراءات عسكرية لا محالة.

وقال اللواء أبوهشيمة إن موقف الرئيس الأمريكى جون بايدن يصب فى صالح مصر حيث صرح بقوله "حلوها بمعرفتكم"، وهو تعبير يعطى الضوء الأخضر لاتخاذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على حقوقنا المائية، كما أن هناك تفهما كبيرا لموقف مصر لدى أغلب دول حوض النيل.

أضاف الخبير العسكرى أن الدعم المادى الذى كانت تحصل عليه إثيوبيا من البنوك الأجنبية، توقف بعد تراجع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية عن تمويل السد، نتيجة التقارب الأمريكى الإيرانى، على حساب مصالح دول الخليج حيث استنكرت مصر والبحرين وقطر التقرير الأمريكى الذى أدان الأمير محمد بن سلمان ولى عهد المملكة العربية السعودى فى قضية اغتيال الصحفى السعودى خاشقى.

أوضح اللواء أبوهشيمة أن هذا هو سر قرار إثيوبيا خفض عدد التوربينات المولدة للكهرباء، بمقدار توربينين بحجة عدم الحاجة إليهما، وهو ما يؤكد أن الدراسات الفنية للمشروع قامت على اساس خاطئ، وهو ما يزيد من قلق كلا من مصر والسودان بشان الآثار البيئية المترتبة على إقامة السد.

فى سياق متصل حذر الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى، من اشتراط إثيوبيا عند التوقيع على أى اتفاقية موافقة البرلمانات فى الدول الثلاث، لأن ذلك يعطيها فرصة للتنصل من التزامها بالاتفاقية.

أوضح سلامة أن القانون الدولى يشترط للاعتراف بأى اتفاقية بين دولتين أحد أمرين إما موافقة الدول على دخولها حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها، مثلما حدث عند التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ فى 23 مارس عام 2015 بالخرطوم، أو اشتراطهم تصديق البرلمانات عليها.

لفت أستاذ القانون الدولى إلى تراجع إثيوبيا عن التزامها بالاتفاقية التى وقعها رئيس وزرائها الراحل مليس زيناوى مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عام 1993 لاشتراطه تصديق البرلمان فى كلا الدولتين عليها، مما أتاح له فرصة التنصل منها بحجة عدم موافقة البرلمان عليها.

من جانبه أكد الدكتور علاء رزق رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام، أن اتفاقية عام 1959 التى حددت حصة مصر من مياه النيل بـ55.5 مليار متر مكعب وقعت عندما كان تعداد سكان مصر 20 مليون نسمة ، تضاعف هذا العدد ليصل إلى مئة مليون نسمة، ما يعنى أنها فى حاجة لمضاعفة حصتها من المياه بعد أن وصل العجز المائى لديها إلى 20 مليار متر مكعب.

وقال رزق إن الرئيس السيسى نجح فى شرح موقف مصر دوليا وإقليميا، موضحا أن الحل سيكون من خلال تدخل أطراف دولية لديها القدرة أن تضغط على الجانب الإثيوبى، لافتا إلى نص دستور عام 2014 على التزام الدولة بالحفاظ على حقوق مصر المائية.

طالب رئيس المنتدى الإستراتيجى الشعب المصرى بضبط النفس، وعدم الاستعجال فى الضغط على الحكومة للجوء للحل العسكرى، مؤكدا قدرة مصر على الحفاظ على أمنها القومى من أى اعتداءات خارجية، وتفهمها حق دول الجوار فى التنمية بشرط الحفاظ على حقها فى مياه النيل.