جريدة الزمان

خارجي

دراسة تكشف تفاصيل محاربة فرنسا لجماعات العنف التي تراعها تركيا

سارة حجار -

أصبحت الدولة الفرنسية ترى في ادماج الإسلام في المشهد الجمهوري الفرنسي ضرورة ملحة لضمان الممارسة الحرة للديانة الثانية في فرنسا ومحاربة التطرف، وعزل المهاجرين عن تأثير بلدانهم الاصلية التي لا تزال ترغب في ممارسة نفوذها عليهم. وفي هذا السياق عملت فرنسا على مشروع قانون "لتعزيز المبادئ الجمهورية" في ديسمبر 2020 والذي يهدف إلى وقف التمويل الديني الأجنبي، وإنهاء نظام يسمح للأئمة بالتدريب في الخارج، وتقليل التعليم المنزلي الذي تقول الحكومة إن البعض يستخدمه لزيادة التطرف. وهكذا تحت ضغط من الحكومة لمحاربة ما تسميه "الإسلام الراديكالي" وحماية علمانية البلاد جاء "ميثاق المبادئ" وقد عمل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يعمل كمحاور رسمي للدين الإسلامي مع الدولة، على الميثاق، وأيده زعماء مسلمون فرنسيون.

وذكرت دراسة جديدة صادرة عن المركز الفرنسي للابحاث و تحليل السياسات الدولية أن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي لا يمثل فقط أقلية مكونة من 2500 مسجد فرنسي، لكنه يجمع منظمات خاضعة مباشرة لسيطرة دول مثل الجزائر والمغرب وتركيا والتي من المفترض أن يقطع الصلة معها. ويلعب المجلس دوراً مركزياً في معالجة الشك لدى جزء من الرأي العام حول ولاء المسلمين للجمهورية الفرنسية. وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد أمهل ممثلي الدين الإسلامي في فرنسا ستة أشهر؛ لتنظيم عملية تدريب واعتماد أئمة مستقلين عن النفوذ السياسي الأجنبي ويتبعون القوانين الفرنسية، على أن يستخدم الميثاق كمرجع للمجلس الوطني الجديد للأئمة.

وتابعت الدراسة أنه جاء الميثاق في اعقاب اغتيال صموئيل باتي، والهجوم على كنيسة نوتردام في نيس، ويعد بمثابة إعلان الولاء للمبادئ الجمهورية. وشكل الاتفاق على ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي، الذي تم توقيعه في يناير، بين الاتحادات التسعة المكونة للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي، تقدماً لا يمكن إنكاره. ويهدف الميثاق الى توافق العقيدة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، بما في ذلك العلمانية، وإلحاق المسلمين في فرنسا بالمواطنة الكاملة. ورفض استخدام الإسلام لأغراض سياسية باعتباره تدخلا من بعض الدول في ممارسة العقيدة الإسلامية". وأن كل مواطن فرنسي، بما في ذلك من ينتمون إلى الديانة الاسلامية، يجب أن يحترم قوانين البلد قبل كل شيء، وأن يحترم المبادئ بما في ذلك المساواة بين الجنسين وحرية الدين ورفض كل تمييز.

ولفتت الدراسة أنه نص الميثاق خصوصا على "مبدأ المساواة بين الرجال والنساء" وعلى "توافق" الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ويشدد على "رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية" وعلى ضرورة "عدم تدخل" دول أجنبية في شؤون الجالية. ويمهّد إقرار "ميثاق المبادئ" الطريق أمام إنشاء مجلس وطني للأئمة سيكون مكلفا الإشراف على الأئمة في فرنسا، وبمقدوره سحب التراخيص الممنوحة لهم لمزاولة نشاطهم الديني في حال خرقوا مبادئ الشرعة. مثل المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد والالتزام بعدم استخدام الإسلام لتنفيذ أجندة سياسية تمليها قوة أجنبية.

 

 

 

وتابعت الدراسة أنه أعلنت ثلاث هيئات من أصل تسع منضوية في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رفضها توقيع "ميثاق مبادئ" لتنظيم شؤون المسلمين في فرنسا بصيغته الحالية، معتبرة أن بعض بنود هذا الميثاق "تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة. والهيئات الثلاث هي، "اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا"، و"الاتحاد الإسلامي مللي غوروش في فرنسا"، وحركة "إيمان وممارسة" المتشددة، وقد أصدرت بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرتها "فقرات وصياغات في النص من شأنها أن تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة"، وعبارات تمس شرف المسلمين ولها طابع اتهامي وتهميشي". وتعترض الهيئات الثلاث خصوصا على تعريفي "التدخلات" الخارجية و"الإسلام السياسي". وقد وقع الميثاق خمس هيئات من أصل تسع منضوية في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بعد خلافات داخلية استمرت أسابيع.

 

وأشارت الدراسة أنه يعبر رفض الاتحادات التركية المنتسبة الى مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا تبني ميثاق مبادئ الجمهورية من علمانية عن حجم التأثير التركي على المسلمين في فرنسا وخاصة من ذوي الأصول التركية. وقد اشارت تقارير استخباراتية فرنسية الى وجود "استراتيجية تسلل حقيقية يعدّ لها في انقره بواسطة قنوات سفارة تركيا ومخابراتها. وتبين التقارير ان انقرة بسطت نفوذها على الجالية التركية في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية من خلال شبكة تضم حوالي 650 منظمة".

وأوضحت الدراسة أنه تحاول تركيا السيطرة على الجالية المسلمة في فرنسا، من خلال الأئمة الذين ترسلهم رئاسة الشؤون الدينية في تركيا، والتي تقدم تقاريرها مباشرة إلى الرئيس أردوغان. وتقول تقارير أن العديد من هؤلاء الأئمة قاموا بكتابة تقارير عن مواطنين أتراك أو فرنسيين أتراك يعيشون على الأراضي الفرنسية ويعارضون نظام أردوغان. كذلك "تغلغل فرنسيين من أصول تركية في عدد من المجالس البلدية بهدف الدفاع عن مصالح بلدهم الام والتأثير على السياسات المحلية، وقد أثارت محاولات أنقرة للضغط على المسلمين الفرنسيين والممثلين المحليين للناخبين قلقا فرنسيا من ذلك التوغل التركي الذي امتد إلى عقول الفرنسيين. وكذلك من التدخل في المجتمع الفرنسي من خلال المدارس والجامعات وعن طريق شبكة كبيرة من المعلمين والموظفين، بالإضافة إلى الأئمة، وهو ما أثار مخاوف من تأثير ذلك الفكر على البلاد التي تعاني بالفعل من هجمات إرهابية وانتشار لجماعات متطرفة.

 

واختتمت الدراسة أن خطوات ماكرون ضد التدخل التركي في فرنسا، مثل فرض قيود على جلب معلمين وأئمة من دول أجنبية على رأسها تركيا، جاءت كخطوة في إطار خطته ضد التطرف التي أسماها بـ"الانفصالية الاسلامية متخذا عدة إجراءات لمواجهة التطرف والخطاب المتطرف. ولكن محاولات الحد من النفوذ التركي الى جانب الجهود القانونية تحتاج الى جهود دبلوماسية، ولكنها ستصطدم بالتعنت التركي ما يضع هذا الملف رهينة لتحسن العلاقات الدبلوماسية الفرنسية التركية الحالية والمستقبلية خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين الرئيسين ماكرون واردوغان.