جريدة الزمان

مصر تحبط فِخاخ المؤامرات فى سد النهضة

محمد عبد المنصف- علي الحوفي -

شهدت القاهرة نشاطا دبلوماسيا ملحوظا هذا الأسبوع، لشرح الموقف المصرى من قضية سد النهضة، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفى على إعطاء مصر قضية سد النهضة أقصى درجات الاهتمام فى إطار الدفاع عن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق قانونى شامل وملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن قواعد ملء وتشغيل السد.

كما التقى الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الموارد المائية والرى، بالسفير دونالد بوث، المبعوث الأمريكى للسودان، ومبعوثة الاتحاد الأوروبى مارينا فرايلا، للتباحث حول الموقف الراهن لمفاوضات سد النهضة الإثيوبى، وسبل إعادة إطلاق المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق قانونى عادل وملزم لملء وتشغيل السد.

وأكد الوزير، دعم مصر الكامل للمقترح السودانى الداعى لتشكيل لجنة رباعية دولية تقودها جمهورية الكونجو الديمقراطية وتشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة للتوسط بين الدول الثلاث، على أن تتسم المفاوضات بالفعالية والجدية لتعظيم فرص نجاحها.

أشار عبدالعاطى إلى أن الإجراءات الأحادية التى يقوم بها الجانب الإثيوبى فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة سينتج عنها تداعيات سلبية ضخمة، تجعل من السد أحد التحديات الكبرى التى تواجه مصر حالياً، فى وقت تعانى فيه من شح مائى حاد يقابله وفرة مائية ضخمة فى إثيوبيا.

كما استعرض عبدالعاطى مع سفير كوريا الجنوبية موقف مفاوضات سد النهضة والإجراءات الأحادية للجانب الإثيوبى وما سينتج عنها من تداعيات سلبية ضخمة، حيث أبدى السفير الكورى الجنوبى تفهمه لوجهة النظر المصرية فيما يخص سد النهضة الإثيوبى، وإدراكه التام للشواغل المصرية فيما يخص التحديات المائية التى تواجهها مصر حالياً.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد حدد خلال زيارته للخرطوم يوم 6 مارس الماضى، يوم 15 أبريل موعدا نهائيا لانتهاء المفاوضات الدبلوماسية بين الدول الثلاثة، بهدف توصيل رسالة للعالم بأن مصر ومعها السودان متمسكتين بالحل السياسى وأن الجانب الآخر هو الذى يتعنت، مما يجعل جميع الخيارات مفتوحة أمام متخذ القرار المصرى إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن.

وقال اللواء نصر سالم المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، إن الحلول الدبلوماسية جزء من القدرات الشاملة للدولة، تستهدف حشد الرأى العام العالمى لصالح عدالة الموقف المصرى من القضية، مشيرا إلى وقوف جهات أجنبية خلف ذلك التعنت الإثيوبى.

أوضح لـ"الزمان" أن اللجوء إلى الأمم المتحدة ممثلة فى مجلس الأمن الدولى بعد استنفاذ كل الطرق الدبلوماسية يتيح الفرصة لفرض عقوبات اقتصادية على إثيوبيا بسبب تهديدها الأمن والسلم الدوليين، لافتا إلى أنه لا زال هناك ثلاثة أشهر قبل حلول موعد الفيضان الجديد، ومن غير المنطقى أن نستبق الأحداث فقد لا يتم الملء هذا العام.

وأضاف الدكتور زكى البحيرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المنصورة، أن المفاوضات يمكن أن تنتهى خلال أسبوع واحد إذا خلصت النوايا، ولكن هناك تسويف واضح للأمور بهدف إضاعة الوقت ووضع مصر أمام الأمر الواقع.

لفت الخبير الإستراتيجى إلى سعى الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها فى المنطقة بصرف النظر عن المصالح المباشرة لمصر أو حتى لإثيوبيا، حيث تسعى للاحتفاظ بمشاكل مزمنة ومستمرة لمصر حتى لا تتقدم للأمام كما أنها لن تسمح بتدمير مصر.

وقال الدكتور زكى إن إسرائيل تضغط على إثيوبيا حتى لا تقوم بتوصيل المياه لمصر خوفا من تدفقها إلى سيناء بهدف تعميرها، نظرا لوقوعها على الحدود المباشرة لها، كما أنها قد تسعى لتهجير الفلسطينيين إليها من قطاع غزة، مقابل السماح بتوصيل المياه لمصر التى تعانى عجزا مائيا يتزايد يوما بعد يوم نتيجة الزيادة السكانية المستمرة.

أشار الخبير الإستراتيجى إلى أن اللجوء لمحكمة العدل الدولية يستلزم الحصول على موافقة إثيوبيا أولا وهو ما ترفضه بشكل قاطع حتى لا تلتزم أمام العالم بالتوقيع على اتفاق ملزم بشان ملء وتشغيل السد خاصة أيام الجفاف الممتد.

فى سياق متصل أكدت الدكتورة مروة كدوانى مدرس العلوم السياسية بكلية تجارة أسيوط، على أهمية التوافق فى الرؤى بين الحكومتين المصرية والسودانية، التى ظل موقفها متأرجحا بين التأييد لإثيوبيا والمعارض لها.

أوضحت الخبيرة الاستراتيجية أن مصر اختارت الحل السياسى منذ بداية الأزمة، وسعت إلى إشراك أطراف دولية كالولايات المتحدة الأمريكية لاستنزاف كل الأوراق السياسية، وأصبح عليها الآن تحويل القضية إلى قضية دولية كى يتحمل المجتمع الدولى مسؤوليته لمنع تفاقم الأزمة قبل بدء موسم الفيضان يوليو القادم.

وقالت الدكتورة مروة إن الأزمات الدولية التى تتعلق بالأمن القومى للدولة تتطلب استغلال الأدوات السياسية فى إدارة الأزمة، موضحة أن كل من يتابع الإجراءات التى تتخذها الحكومة المصرية يلاحظ أنها حريصة على التمسك بالحلول السلمية للازمة.

أكدت الخبيرة الإستراتيجية أن الأوضاع الدولية لا تسمح حاليا بالحلول العسكرية، لافتة إلى أن الخيار العسكرى قد يبدو سهلا أمام الناس غير أن الأضرار التى ستنجم عنه قد تكون أشد ضررا من إقامة سد النهضة الإثيوبى ولا بد من التريث الشديد قبل التفكير فى اللجوء إليه.

واتفق الدكتور عبدالله هدية أستاذ القانون الدولى بجامعة قناة السويس، مع الدكتورة مروة فى صعوبة ضرب السد فى ظل الظروف العالمية الراهنة، مشيرا إلى إمكانية القيام بعمل تخريبى ضد السد دون الدخول فى حرب مباشرة مع إثيوبيا.

أشار أستاذ القانون الدولى إلى المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة التى نصت على استخدام الوسائل السلمية فى حل المنازعات سواء بالتحكيم أو الوساطة الدوليتين، غير أنه من الواضح أن الحلول السلمية لن تحقق النتائج المرجوة.

أوضح الدكتور عبدالله أن القانون الدولى لا يملك قوة لإلزام الدول بتنفيذ بنوده، بدليل عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ العديد من القرارات التى أصدرتها، وليس أمام مصر سوى اللجوء لمجلس الأمن لتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذى ينص على إرسال قوات دولية للدول المتعسفة، عند تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.

وأضاف أن القانون الدولى يلزم الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية بالحصول على موافقة باقى الدول قبل إنشاء أى مشروعات على النهر، حتى لا تتضرر أى دولة من تلك المشروعات مثل سد النهضة الذى يتوقع أن يؤدى إلى تدهور مساحات شاسعة من الأراضى فى مصر، وإلى فقدان آلاف العائلات لمصدر رزقها.

أكد أستاذ القانون الدولى أن مصر وافقت فى اتفاق المبادئ الذى وقعته بالخرطوم فى مارس 2015 على إقامة السد، ولكنها لم توافق على وقوع أى أضرار عليها، مؤكدا تعرض الشعبين المصرى والسودانى لمؤامرة خارجية، وعلى الأجهزة الأمنية تحديد من يقف وراء تلك الأزمة لمعرفة ما هى مطالبه.

وحول إمكانية رفع السودان قضية أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة باستعادة منطقة بنى شنقول المقام عليها السد، والتى كانت جزءا من السودان حتى عام 1902، قال الدكتور عبدالله إن الاستعمار البريطانى لم يقم بترسيم الحدود بين البلدان الأفريقية بصورة قطعية تاركا خلافات حدودية بين كل الدول، ويحتاج السودان لمجهود طويل حتى يثبت أنها ملكا خالصا له.