جريدة الزمان

خارجي

أزمة الديون بأفريقيا في ظل وباء كورونا.. دراسة تكشف الأسباب وجهود الاحتواء

سارة حجار -

تعتبر القارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء، من الدول التي لها تاريخ طويل فيما يتعلق بالديون وجدولتها مع المؤسسات المالية الدولية المتعددة الأطراف، ولا سيما مؤسسات بريتون وودز، حيث تزايدت تلك الديون بشكل كبير خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وارتبطت حينها بالنيوليبرالية وبرامج الإصلاح الاقتصادي، وفي الفترة الأخيرة، اتجهت العديد من الدول الأفريقية إلى التوسع في الاقتراض لتعويض عجز الموازنات العامة، وضعف السيولة المحلية، في الوقت الذي لا يحقق فيه الاعتماد على الاقتراض معدلات نمو اقتصادي جيدة، وقد يتسبب في مشكلات اقتصادية، خاصة حال عدم القدرة على سداد الأعباء الخاصة بها.

دراسة لمركز فاروس للدراسات ذكرت انه قبل تفشي وباء كورونا، كانت أفريقيا تواجه بالفعل أزمة ديون تلوح في الأفق، فوفقًا للبنك الدولي كانت أفريقيا في مأزق، حيث تكافح معظم الدول لسداد ديون متراكمة بقيمة 583 مليار دولار أمريكي بين عامي 2008 و2018، مستحقة لدول أخرى، وبنوك متعددة الأطراف، ومقرضين من القطاع الخاص، كما ارتفع متوسط الدين العام من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 59٪ في عام 2018،فدولة مثل السودان يبلغ نسبة الديون 212.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وإريتريا نحو 174.3٪ من الناتج المحلي، لتصبح أعلى مستويات الديون الحكومية في العالم. كما بلغ متوسط نسبة الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 4.61٪، وقد سعت الدول الأفريقية إلى التنويع في مصادر الائتمان والقروض، ففي عام 2019، كان نحو 48٪ من إجمالي الديون الأفريقية مستحقة للمؤسسات المتعددة الأطراف (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، 24٪ للصين، و4٪ من الديون الخارجية الحكومية مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص.

وتابعت الدراسة أن الجهات الدائنة من الدول، فإن أهم ما يثير القلق في جميع أنحاء أفريقيا هو الديون المتزايدة من الصين، التي تزايد لجوء الدول إليها بفعل شروطها الأقل نسبيًّا للحصول على هذه القروض، وسياسة الصين في تمويل العديد من الاستثمارات في الصين بمبدأ الاستدانة، بحيث يبقى على أفريقيا سداد تلك الديون فيما بعد، حيث بلغ إجمالي القروض من الصين إلى أفريقيا ما يزيد على 148 مليار دولار أمريكي في الفترة من 2000 إلى 2018، لتصل إلى ذروتها وتبلغ 29 مليار دولار أمريكي لعام 2016 فقط، بينما تراجعت إلى 9 مليارات دولار أمريكي عام 2018، وتمول القروض الصينية شبكة من الموانئ والبنية التحتية البحرية، والبنى التحتية لوسائل النقل بما في ذلك القطاعات الرئيسية لشبكات السكك الحديدية العابرة للحدود، والمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية، في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتتصدر أنجولا قائمة الدول الأكثر مديونية للصين (43 مليار دولار) كقروض متراكمة خلال الفترة من 2000 إلى 2018. تليها إثيوبيا (14 مليار دولار)، زامبيا (10 مليار دولار) وكينيا (9 مليار دولار أمريكي).

وتابعت الدراسة كما تواجه الدول الأفريقية تحديات تتعلق بارتفاع فوائد الديون أو ما يسمى بــ(خدمة الدين )، التي ارتفعت من 31٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدول أفريقيا منذ عام 2013، إلى ما نسبته 128٪ لعام 2020، لينفق بذلك جزءًا كبيرًا من الإيرادات الحكومية على سداد فوائد القروض والديون، وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى تكلفة خدمة الديون المستحقة للقطاع الخاص في أفريقيا، حيث إنها الأكثر عبئا على الدول، فمع ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة بسبب التصنيفات الائتمانية القاسية والمبالغ في تضخيمها في كثير من الأحيان، يتم دفع 55٪ من إجمالي مدفوعات الفوائد إلى الدائنين من القطاع الخاص، بينما 17٪ فقط إلى الدائنين متعددي الأطراف المؤسسات، ومثلهم يذهب إلى الصين، وقبل جائحة كورونا، أنفقت 30 دولة أفريقية على سداد خدمة الدين العام أكثر من إنفاقها على الرعاية الصحية، فدولة مثل جامبيا تنفق ما يصل إلى تسعة أضعاف ميزانيتها الصحية على خدمة الديون، بينما تنفق أنجولا والكونغو ست مرات ما تنفقه على القطاع الصحي، وعن الآجال الزمنية لتلك الديون، فقد كانت معظم الديون في دول أفريقيا جنوب الصحراء قبل جائحة كورونا تبتعد عن التمويل طويل الأجل، وتتجه بشكل أكبر نحو آجال الاستحقاق قصيرة الأجل، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع متوسط تكاليف خدمة الديون في أفريقيا بشكل حاد مع تضاعف متوسط عبء مدفوعات الفائدة إلى حوالي 10٪ من الإيرادات بين عامي 2011 و2018.

ولفتت الدراسة أنه أثارت جائحة وباء كورونا مخاوف كثيرة تتعلق بتزايد حدة الديون في أفريقيا. حيث بلغ متوسط الدين الحكومي لدول أفريقيا جنوب الصحراء كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 50.4٪ في نهاية عام 2020 مقارنة بـ48.5٪ في عام 2018، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع تلك النسبة إلى 56.6٪ و57.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2020 و2021 على التوالي بسبب جائحة كورونا. بينما تجاوزت 24 دولة أفريقية في ظل جائحة كورونا ديونًا تصل نسبتها إلى 55٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول، وهذا في الوقت الذي شهدت فيه موازنات الدول الأفريقية عبئًا ماليًا كبيرًا، حيث تزايد الإنفاق الحكومي الجاري لاحتواء انتشار وباء كورونا مع تراجع قيمة الإيرادات الحكومية نتيجة التباطؤ الاقتصادي العام؛ مما شكل ضغوطًا كبيرة على الموازنات المالية الحكومية وزيادة العجز المالي بها.