جريدة الزمان

خارجي

أزمة سد النهضة تدخل مرحلة الحسم

محمد عبد المنصف- علي الحوفي -

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، هذا الأٍسبوع، أن بلاده ماضية فى الملء الثانى لسد النهضة الذى تبنيه أديس أبابا فوق النيل الأزرق أبرز روافد نهر النيل، وقال فى تغريدات على موقع "تويتر"، إن المرحلة الثانية من ملء السد ستتم فى موسم الأمطار المقبل، أى خلال شهرى يوليو وأغسطس، غير أنه اعتبر أن الملء الثانى "سيحد من الفيضانات فى السودان".

وقال رئيس الوزراء الإثيوبى، إن بلاده "تعتزم تلبية احتياجاتها من نهر النيل، وليس لديها أى نية لإلحاق الضرر بدول المصب مصر والسودان.. وتابع "إن سد النهضة حال فى العام الماضى دون حدوث فيضانات عارمة فى السودان"، وأوضح وزير المياه والرى الإثيوبى أن "سد النهضة جرى تصميمه بطريقة ذكية وجودة عالية تسمح بملئه ومواصلة البناء فى آن واحد.

وعقبت وزارة الموارد والرى المصرية بأن قيام الجانب الإثيوبى بفتح المخارج المنخفضة بسد النهضة الإثيوبى، تمهيداً لتجفيف الجزء الأوسط من السد للبدء فى أعمال التعلية لتنفيذ عملية الملء للعام الثانى لسد النهضة، يمثل تهديدا مباشرا للأمن المائى لمصر.

أوضحت الوزارة أن إثيوبيا نشرت مغالطات عن السد يتطلب توضيحها فيما يلى:

الادعاء الإثيوبى بأن المخارج المنخفضة، وعددها فتحتين قادرة على إمرار متوسط تصرفات النيل الأزرق.. ادعاء غير صحيح حيث إن القدرة الحالية للتصرف اليومى لا تتعدى 50 مليون م3 لكلا الفتحتين، وهى كمية لا تفى باحتياجات دولتى المصب مصر والسودان ولا تكافئ متوسط تصرفات النيل الأزرق.

وتابعت الوزارة بأن تنفيذ عملية الملء الثانى هذا العام واحتجاز كميات كبيرة من المياه طبقاً لما أعلنه الجانب الإثيوبى، سيؤثر بدرجة كبيرة على نظام النهر، لأن المتحكم الوحيد فى كميات المياه المنصرفة من السد أثناء عملية الملء سيكون هذه المخارج المنخفضة، وسيكون الوضع أكثر تعقيداً بداية من موسم الفيضان "شهر يوليو القادم".

أوضحت وزارة الرى أن الفتحات ستقوم بإطلاق تصرف أقل من المعتاد استقباله فى شهرى يوليه وأغسطس، نظرا لأن الحد الأقصى لتصرفات المخارج المنخفضة تقدر بـ3 مليارات م3 شهرياً بفرضية الوصول لمنسوب 595 مترا، وهو ما يعنى معاناة دولتى المصب السودان ومصر وذلك فى حال ورود فيضان متوسط، والوضع سيزداد سوءاً فى حال ورود فيضان منخفض، الأمر الذى يؤكد على حتمية وجود اتفاق قانونى ملزم يشمل آلية تنسيق واضحة.

وصرح الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى بأن مصر سبق لها المطالبة فى عامى 2012، 2015 بضرورة زيادة تلك الفتحات لاستيفاء احتياجات دولتى المصب وعرضت تمويل التكلفة الزائدة، لإعطاء مرونة أكبر خلال عمليات الملء والتشغيل والتعامل مع مختلف حالات الفيضان والجفاف، وادعت إثيوبيا أن تلك الفتحات كافية ويمكن تشغيلها بصفة مستمرة حال انقطاع الكهرباء.

وأضاف بأنه كان من المفترض قيام الجانب الإثيوبى أثناء عملية الملء الأول بتوليد الكهرباء من خلال وحدات التوليد المبكر "وعددها 2 توربينة"، إلا أن الجانب الإثيوبى قام بعملية الملء الأول وتخزين المياه دون توليد كهرباء، وهو ما يؤكد أن عملية الملء الأول تمت لأسباب إعلامية وسياسية وليس لأسباب فنية.

أكد الوزير أن مخارج التوربينات الثلاثة عشر غير جاهزة للتشغيل حالياً، ومن ثم فإن توليد الكهرباء بالدرجة التى يروج لها الجانب الإثيوبى غير صحيح، وهناك ارتباط قوى بين جاهزية التوربينات للتوليد وبين كمية المياه المخزنة، ولكن الجانب الإثيوبى يسابق الزمن لفرض أمر واقع على دولتى المصب من خلال ملء بحيرة السد للعام الثانى على الرغم من عدم جاهزية السد لتوليد الكهرباء المخطط لها.

وحول مدى مطابقة السد للمواصفات العالمية أوضح الوزير أن إثيوبيا تقوم ببناء السد بطريقة غير سليمة، موضحا منها على سبيل المثال، التغييرات فى السد المساعد، وتغيير مستوى فتحات التوربينات، وإزالة (3) مخارج توربينات بعد تركيبها، وتخفيض عدد التوربينات من 16 إلى 13، وإزالة الأجزاء المعدنية للفتحات التى تعمل الآن ثم تركيبها، وعدم صب الخرسانة فى أجزاء السد المختلفة بطريقة متجانسة، مما يثير شبهات فساد تسببت فى توقف المشروع لأكثر من مرة.

وقال الوزير إنه من المتعارف عليه حدوث مشاكل فنية أثناء التشغيل التجريبى لتلك الفتحات أو للتوربينات المبكرة "2 توربينة"، حال تمكن الجانب الإثيوبى من تشغيلها، مما سيؤثر بصورة كبيرة على تدفقات المياه لدول المصب.

أكد الدكتور محمد عبدالعاطى على أن مصر أبدت مرونة كبيرة خلال المفاوضات على مدى السنوات العشرة الماضية بهدف الوصول لاتفاق قانونى عادل وملزم فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، وأن شروع الجانب الإثيوبى فى بدء عملية الملء الثانى للسد هو استمرار للنهج المتبع بفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ إجراءات أحادية من شأنها إحداث ضرر بدولتى المصب، وذلك لغياب آلية تنسيق واضحة بين الدول الثلاث فى إطار اتفاق قانونى عادل وملزم.

وأوضح الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية فى جامعة القاهرة، أن إثيوبيا أقامت أربع بوابات فوق قاع النهر مباشرة لمرور المياه من بحيرة تانا، تراجعت قدرتها على تصريف المياه بسبب تراكم كميات كبيرة من الطمى فيها.

أوضح لـ"الزمان" أن إثيوبيا تقوم حاليا بتصريف كميات كبيرة من المياه لتفريغ المياه من أمام الممر الأوسط للسد تمهيدا لصب نحو 500 مليون متر مكعب خرسانة، لرفع مستوى السد من 70 إلى 100 متر، لافتا إلى وجود بوابتين ضمن البوابات التى سيتم تركيب التوربينات داخلها فى جسم السد نفسه.

وقال خبير الجيولوجيا إن الفتحتين يمكن استغلالهما فى تصريف المياه الزائدة على منسوب 50 مترا من قاع النهر، فيما يقدر عمق قاع النهر من سطح البحيرة بنحو 70 مترا، أى إن هناك 20 مترا فرق منسوب، يمكن النزول بها حتى يتم تعرية جسم السد من المياه تمهيدا لصب الخرسانة التى تحتاج فى المتوسط من شهر إلى شهر ونصف لملئها.

أكد الدكتور عباس شراقى قدرة إثيوبيا على صب الجزء الخرسانى قبل بدء موسم الفيضان مطلع يوليو القادم، موضحا أنه ليس فى حاجة لتفريغ مليار متر مكعب وإنما مجرد خفض منسوب المياه أسفل الهدار بما يسمح له بتخزين المياه مع الاستمرار فى صب الخرسانة.

من جانبه أوضح الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن مصر تقدمت بالفعل بمذكرة احتجاج لمجلس الأمن، عقب فشل مفاوضات كينشاسا قبل أسبوعين ورفض إثيوبيا استكمال المفاوضات برعاية أمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، مما يؤكد فشل الحلول السياسية.

أضاف الخبير السياسى أن عرض أى قضية على مجلس الأمن يتم من خلال إحدى الدول دائمة العضوية أو مؤقتة العضوية بالمجلس، لذلك استقبلت مصر الرئيس التونسى قاسم سعيد هذا الأسبوع، باعتبار أن بلاده عضو غير دائم بمجلس الأمن عن أفريقيا، والذى صرح بدعم بلاده لموقف مصر من قضية السد.

وقال الخبير السياسى إن مجلس الأمن إذا قبل الطلب فإنه يحدد موعدا للاستماع للدولة المتضررة، يعقبها تحديد موعد لمناقشة القضية بصورة شاملة بحضور ممثلى الدول الثلاث.

أشار الدكتور طارق إلى قيام مصر بحشد المجتمع الدولى لتأييد حقها التاريخى فى مياه النيل، حيث قام السفير سامح شكرى هذا الأسبوع بجولة شملت العاصمة الكينية نيروبى وجزر القُمُر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس، حاملاً لها رسائل من الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية إلى أشقائه رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة والموقف المصرى فى هذا الشأن.

أشار الخبير السياسى إلى دعم مصر لمسار التوصل إلى اتفاق قانونى مُلزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعى مصالح الدول الثلاث، وذلك قبل الشروع فى عملية الملء الثانى واتخاذ أى خطوات أحادية، مع التأكيد على ثوابت الموقف المصرى الداعى لإطلاق عملية تفاوضية جادة وفعّالة تسفر عن التوصل إلى الاتفاق المنشود.

فى سياق متصل قال اللواء متقاعد حسام البهنساوى إن مصر وقعت عدة اتفاقيات مخابراتية مع كل من أوغندا وبوروندى، لمحاصرة إثيوبيا، بعد أن كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن وجهها القبيح فى استغلال المياه للضغط على مصر.

أوضح الخبير العسكرى أن أمريكا تستهدف استقطاع 12% من أرض سيناء لتهجير سكان قطاع غزة إليها، مقابل حل أزمة المياه، لافتا إلى تحذير "جيك سوليفان" مستشار الأمن القومى لأمريكا للدول الثلاث من اتخاذ أى قرار منفرد.

تعجب اللواء حسام من عدم تحذير أمريكا لإثيوبيا من البدء فى المرحلة الثانية لتخزين المياه قبل التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، مؤكدا أن قرار الحرب لا رجعة فيه بعد قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بحشد الشعب ورفع روحه المعنوية من خلال موكب نقل المومياوات.

أكد أن تصريح الرئيس السيسى بأن 15 أبريل آخر موعد للانتهاء من المفاوضات يوضح أنه كان على علم، باتخاذ إثيوبيا قرار الملء الثانى فى ذلك اليوم وأنها إذا أصرت على ملء 13.5 مليار متر مكعب من حصة مصر قبل التوصل لاتفاق معها تكون قد أعلنت الحرب على نفسها.