جريدة الزمان

خارجي

تحركات دولية لحل طلاسم سد النهضة

محمد عبد المنصف- علي الحوفي -

تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، هذا الأسبوع اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكى "جو بايدن"، تبادلا خلاله الرؤى بشأن تطورات الموقف الحالى لملف سد النهضة؛ حيث رحب الرئيس السيسى بالجهود الأمريكية المتواصلة فى هذا الصدد، مؤكداً تمسك مصر بحقوقها المائية من خلال التوصل إلى اتفاق قانونى منصف وملزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد.

فيما أوضح الرئيس بايدن تفهم واشنطن الكامل للأهمية القصوى لتلك القضية للشعب المصرى، مشيراً إلى عزمه بذل المزيد من الجهد من أجل ضمان الأمن المائى لمصر، وتم التوافق بشأن تعزيز الجهود الدبلوماسية خلال الفترة المقبلة من أجل التوصل إلى اتفاق يحفظ الحقوق المائية والتنموية لكافة الأطراف.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، "السفيرة دينا مفتى" أن أديس أبابا تتوقع استئناف المفاوضات الثلاثية، التى يقودها الاتحاد الأفريقى بشأن سد النهضة قريبا، مؤكدا تمسك بلاده بتخزين 13.5 مليار متر مكعب خلال الملء الثانى لبحيرة السد فى موعدها أول يوليو القادم، الأمر الذى آثار مخاوف مصر والسودان من تراجع حصتهما من المياه.

وحول احتمال تعرض مصر لجفاف طبيعى بالتزامن مع الملء الثانى لسد النهضة، أوضح الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، أن هناك ثلاثة سيناريوهات وضعتها الدولة للتعامل مع موسم الفيضانات سواء كانت شديدة أو متوسطة أو بسيطة.

لفت الوزير إلى أن السيناريو الأول يقوم على افتراض أن يأتى فيضان عالى مما سينتج عنه ارتفاع منسوب المياه فى بحيرة السد العالى، وبالتالى لن تكون هناك مشكلة، أما السيناريو الثانى فيقوم على افتراض أن الفيضان سيكون متوسط وأن منسوب البحيرة متوسط، وبالتالى سيتم تعويض المياه المسحوبة من مخزون السد العالى، أما السيناريو الثالث فيفترض حدوث جفاف طبيعى، وذلك فى حالة إذا كان مستوى الفيضان أقل من المتوسط بالإضافة إلى تخزين المياه أمام سد النهضة، مما سيجعل الجفاف مضاعفا.

وقال الدكتور عبدالعاطى إن هذا هو السيناريو الذى سنتأثر به ولكننا سنكون قادرين على امتصاص جزء كبير من تلك الأضرار، مؤكدا إصرار مصر على عقد اتفاق ملزم قبل الملء الثانى للسد رغم قدرتها على امتصاص الأضرار الناتجة عنه، لافتا إلى أن الأضرار المتعلقة بسد النهضة لن تكون على مدار سنة واحدة بل ستمتد على مدار سنوات قادمة.

فى سياق متصل بدأت القوات المصرية والسودانية يوم 26 مايو فى إجراء مناورات "حماة النيل"، التى تشارك فيها عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوى من كلا الجانبين وينتظر الانتهاء منها يوم 31 مايو، بهدف تأكيد جاهزية القوات المشتركة للقتال وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين.

تأتى المناورات استمراراً لسلسلة التدريبات السابقة "نسور النيل -1" خلال شهر نوفمبر 2020، و" نسور النيل -2"، خلال شهر مارس 2021، فيما حشدت القوات الإثيوبية حشودا عسكرية بالقرب من منطقة الفشقة المتنازع عليها حدوديا بين البلدين.

وقال اللواء ناجى شهود المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، إن التدريبات العسكرية المشتركة للجيش المصرى تشمل العديد من الدول المجاورة، لافتا إلى المناورات التى جرت مؤخرا مع القوات التونسية، والإماراتية، والروسية.

أوضح لـ"الزمان" أن الجيش المصرى لديه خبرات كبيرة فى الحفاظ على الحدود، سيقوم بنقلها للسودان الشقيق الذى يعانى من مشاكل حدودية مع إثيوبيا بشأن منطقة "الفشقة"، وفى حاجة للاستعانة بخبرة مصر فيما يتعلق بتأمين الحدود.

نفى اللواء شهود أن يكون الهدف من تلك المناورات، القيام بأى عمل عسكرى تحت ستار التدريبات المشتركة، لافتا إلى أن القادة العسكريون لا يفكرون بهذه السطحية، وأن جيوش الدول تتحرك وفقا لخطة تدريب معدة سلفا، تشمل التشكيلات التعبوية، والمناورات المشتركة مع الدول الصديقة، ولا تتحرك بشكل عشوائى أو وفقا لرؤى غير المتخصصين.

أضاف الخبير العسكرى أن السودان تريد تنشيط قواتها لتأمين النهضة الاقتصادية المتوقعة إلى خلفية مؤتمر باريس الذى سعى لرفع نحو 70% من مديونياتها المقدرة بنحو 60 مليار دولار، مما سيسمح لها بالحصول على قروض جديدة، وجذب مستثمرين أجانب للاستثمار على أرضها، لافتا إلى تطور حركة الاستثمار فى السودان بعد رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وقال الخبير الإستراتيجى إن 69 إلى 70% من جسم الانسان يتكون من المياه، وكذلك 69% من سطح الكرة الأرضية يتكون من المياه، لافتا إلى أن البخر من المسطحات المائية يؤدى إلى تكوين سحب تتجاوز كتلتها 130 ألف طن، كى يتساقط المطر فى مناطق ذات طبوغرافية تسمح بجريان المياه سطحيا مثلما هو الحال لنهر النيل، أو تخزينها فى باطن الأرض.

أوضح الخبير العسكرى أن إثيوبيا لم تنشئ السد بهدف الزراعة، لاعتمادها فى رى أرضها على مياه الأمطار، وإنما أنشاته لتوليد الكهرباء، ولا بد من أن تتدفق المياه لتوليدها غير أن الاختلاف بيننا حول زمن تخزين الـ74 مليار متر مكعب اللازمين لملء بحيرة السد.

من جانبه أكد الدكتور عبدالفتاح مطاوع رئيس هيئة مياه النيل الأسبق، أن الصراع بين القبائل الإثيوبية أدى إلى تفاقم الكوارث الإنسانية، لديها وبدأت التحذيرات الدولية المتعلقة بالوضع الغذائى فى الأقاليم المختلفة تتصاعد، حيث يقول عمال الإغاثة إن حوالى ٥ مليون و٢٠٠ ألف فى حاجة لمعونات عاجلة فى إقليم التيجراى.

أضاف مطاوع أن نظام الإنذار من المجاعات، الذى تديره الولايات المتحدة الأمريكية حذر هذا الأسبوع من دخول نصف سكان الإقليم المرحلة الرابعة من نقص الغذاء، وهى الخطوة السابقة عن المجاعة الكاملة، وقال عمال الإغاثة، أن انتشار المعارك قد منع المزارعين من زراعة محاصيلهم هذا الربيع.

أوضح رئيس الهيئة الأسبق بأنه بدون مساعدات إنسانية على مستوى كبير فإن أجزاء من التيجراى سوف تطحنها المجاعة خلال شهر سبتمبر القادم، موعد حصاد المحاصيل التى لم يتمكن المزارعون من زراعتها أصلا، إضافة إلى المضايقات التى تمارسها الحكومية لمنع عمال الإغاثة من الوصول إلى مناطق كثيرة فى التيجراى، نتيجة عدم توفر الأمن، حيث تم قتل سبعة من عمال الإغاثة فى تيجراى منذ نوفمبر الماضى.

وقال الدكتور مطاوع إن السفارة الأمريكية قد أعلنت عن مقتل أحد عمال الإغاثة، العاملين مع وكالة التنمية الأمريكية، بواسطة جنود إثيوبيين وإريتريين يوم ٢٨ أبريل الماضى فى قلب التيجراى، بالرغم من إعلانه عن نفسه كعامل إغاثة وطلبه عدم قتله، إلا أنه تم قتله بواسطة ممثلين عسكريين.

أكد الخبير الإستراتيجى أن الحكومة الإثيوبية برئاسة أبى أحمد قامت بطرد "سيمون ماركس" مراسل وكالة بلومبرج الألمانية للأنباء الأسبوع الماضى بعد كتابته عدة تقارير عن الحرب فى تيجراى معدداً الفظائع التى ارتكبها الجيش الإثيوبى والميليشيات الداعمة له والقوات الإريترية.

أشار الدكتور مطاوع إلى الاعتداءات شملت مذابح جماعية واعتداءات جنسية، حيث تم استدعاء الصحفى فى أديس أبابا وإلغاء كافة التصاريح الصحفية الممنوحة له، وذلك بعد رجوعه بيوم واحد من مهمة فى إقليم تجراى، ثم اصطحابه إلى المطار واحتجازه لمدة ثمانى ساعات قبل ترحيله

أوضح الدكتور مطاوع أن طرد المراسل يأتى قبل شهر من الانتخابات، التى تم تأجيلها مرتين، مما يعد بمثابة ضربة لحرية الصحافة من قبل الحكومة الإثيوبية، التى لم تحدد سببا لطرد الصحفى والذى كان من المفترض انتهاء تصريحه فى أكتوبر القادم، بدعوى أنه قرار حكومى.

لفت رئيس هيئة مياه النيل الأسبق إلى غموض الموقف السياسى داخل إثيوبيا نفسها، التى تتخذ من ملف سد النهضة وسيلة لتوحيد الشعب داخليا، وإلهاؤه عن المشاكل السياسية والاقتصادية الخانقة التى يعيشها المواطن بصورة يومية على أمل تحقيق السراب الذى تعده به الحكومة.

وحول مدى تأثر المواطن المصرى من الملء الثانى لبحيرة السد، أكد الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والمياه بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، أن الاستخدامات المنزلية والصناعية لن تتأثر غير أن الدورة المحصولية ستتغير حتما.

أشار الدكتور عباس إلى إنفاق 18 مليار جنيه على تبطين الترع، وأكثر من 100 مليار جنيه على معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى، ونحو 100 مليار جنيه أخرى على تحلية مياه البحر، وأكثر من مليار جنيه على حفر آبار مياه جوفية وعمل سدود للاستفادة من مياه الأمطار والسيول.

وقال خبير المياه إن الدولة تحملت عشرات المليارات فى تنفيذ مشروعات مائية مثل إقامة مجموعة القناطر الجديدة، وعدة مليارات أخرى فى تطوير الرى الحقلى وتحويل الرى بالغمر إلى نظم الرى الحديثة فى جميع الأراضى الجديدة، وإقامة مشروعات الصوب الزراعية، لتعظيم الاستفادة من مواردنا المائية المحدودة.

أكد الدكتور شراقى أن كمية المياه المستهدف تخزينها للوصول إلى 18.5 مليار متر مكعب بالإضافة إلى حوالى 3 مليارات أخرى فقد فى عملية البخر وتسرب المياه تحت سطح الأرض للخزانات الجوفية كان كفيلاً لزراعة 3 ملايين فدان أرز بعائد تصديرى قدره 10 مليارات دولار.

حذر خبير المياه من خطورة الهيمنة الإثيوبية على منابع النيل التى تأتى من إثيوبيا والمتمثلة فى "النيل الأزرق" و"عطبرة، و"السوباط"، وعلى الانفراد بتكملة الملء للسنوات القادمة، لا سيما بعد أن صرح المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتى بأن تخزين الـ74 مليار متر مكعب، اللازمة لملء بحيرة السد يمكن أن يتم فى سنتين.

أضاف الدكتور عباس أن ذلك التهديد قد يصبح واقعا طالما لا يوجد اتفاق يلزم إثيوبيا بحد أقصى ولا توجد أى قواعد هيدرولوجية، وأن العامل المحدد للتخزين هو مدى التقدم فى الانشاءات الهندسية بمعنى أن إثيوبيا لو أنجزت المشروع هندسياً تستطيع تخزين 30 مليار متر مكعب العام القادم، وكذلك الانفراد فى التشغيل دون النظر على التأثيرات السلبية على كل من مصر والسودان.

تعجب الدكتور شراقى من إصرار إثيوبيا على تخزين من المياه فى يوليو القادم بدون اتفاق، فعلام سيكون التفاوض فى المستقبل؟ هل على التخزين الثالث؟ أم على الرابع والأخير؟ إن قبول التخزين الثانى بدون اتفاق كان الأهون منه الاتفاق على الملء الثانى فقط كما أرادت إثيوبيا، وكلاهما مرفوض.