جريدة الزمان

خارجي

الأمين العام لوزارة الخارجية الإيطالية يكشف وضع السياسة الخارجية في أفغانستان وعلاقتهم بالشرق الأوسط

سارة حجار -

كشف الأمين العام لوزارة الخارجية الإيطالية إيتوري سيكوي وهو يعمل في مكتب وحدة الأزمات، وتابع العام الماضي من وحدة الأزمات تخلي القوات الغربية عن كابول، وتحدث في المقابلة مع موقع "ديكود 39" الإيطالي عن الخليج والشرق والإرهاب الدولي والصراع بين النماذج الديمقراطية و الاستبدادية. على الرغم من مضى عام على الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان، عملت الحكومة الإيطالية عبر هيكلها الدبلوماسي بلا كلل على خروج الإيطاليين من أفغانستان إلى جانب الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الغربية.

وعلق سيكوي على اعترف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في مقابلة مؤخراً مع مجلة أتلانتيك بحدوث أمور "مروعة" في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، موضحا بأنها رسالة ليست إيجابية لسوء الحظ. لكن من الضروري فهم الأسباب والتعقيد. صحيح أن القوات الغربية انسحبت من أفغانستان بصورة منسقة على أساس قرارات باتفاق مشترك في إطار حلف الناتو. وصحيح أن التزامنا ووجودنا يرتكزان منذ البدايه على التضامن مع الحلف الأطلسي، مضيفا لكن عندما قررت الولايات المتحدة مغادرة البلاد كان بإمكان الحلفاء ومنهم إيطاليا فعل نفس الأمر. الحقيقة أن وجودنا في أفغانستان تأثر بفيروسين. الأول هو إحباط العديد من الأفغان الذين كانوا يأملون في مستقبل سريع من الازدهار والسلام ولم يروا تحسينات ملموسة في حياتهم. والثاني ملل المجتمع الدولي بسبب بطء إعادة العمار سواء على المستوى الاقتصادي أو المؤسسي والمشكلات الخطيرة التي لم يتم حلها مثل المخدرات و الجريمة والفساد وانعدام الأمن.

وتابع سيكوي ان هناك عدة مفارقات المفارقة الأولى هي "مفارقة الساعة". من ناحية الغرب تم تحديد مواعيد دورية للانسحاب من أفغانستان ثم تم تأجيلها مع إدراك الظروف المتغيرة على الأرض وعدم استعداد قوات الأمن المحلية. التأجيلات اللاحقة وعدم الكفاءة الجوهرية للشرطة والقوات المسلحة الأفغانية كانت تمثل رسالة لا إرادية تؤكد شعار الصحوة. كثير من الأفغان عاشوا ذلك بقلق بالغ.

إلى جانب أن الأجندات الأفغانية والدولية كانت وفقًا لساعات تحدد الوقت بطرق مختلفة: الرأي العام الغربي وفقًا لأوقات الإرهاق لمهمة طويلة ودموية. الحكومة الأفغانية حسب الأوقات المحلية تختلف ثقافيًا عن ثقافتنا. مفاهيم مختلفة ثقافيًا كالديمقراطية البرلمانية ومكافحة الفساد والحكم الرشيد والشفافية لا يُنظر إليه دائمًا بنفس الطريقة في الغرب أو في أفغانستان.

واستطرد سيكوي هناك "المفارقة العسكرية" الجيش الإيطالي قام بعمل غير عادي علينا أن نفتخر به جميعًا وغالبًا ما تم الإشارة إليه كنموذج من الصحافة الأنجلو ساكسونية. عنصر الأمن كان سائدًا و"التنمية" لم تكن فعالة بما يكفي فالعديد من الشباب الأفغان انضموا مع غياب البدائل الاقتصادية إلى التمرد.

وذكر حين كنت سفيراً لإيطاليا ولاحقًا كممثل خاص للاتحاد الأوروبي لأفغانستان وباكستان حاولت شرح أهمية امكانيه تقديم الخدمات الأساسية للسكان وكنت أستدعى عبارة الجنرال دالا كييزا التي تقو إن المافيا تتطور حيث تكون الدولة غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية كالعدل أو التعليم أو العمل. وبعد اتفاقيات الدوحة 2020 كان هناك بالفعل تصور عام بأن المؤسسات الأفغانية ربما لم يكن لها من التأثير على حركة طالبان.

وأكد أن هناك حصيلة سلبية فالأزمة بعد الانسحاب من أفغانستان يجب أن تحفز التفكير في الطرق والأهداف والأدوات التي يمكن للمجتمع الدولي أن يتدخل بها في مناطق الأزمات، ومن الدروس المستخلصة هي أن أفغانستان بها تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية غير شائعة وأنه من أجل مواجهتها فإن أدوات التعاون الدولي قد تكون أظهرت قدرة محدودة. جرى مع ذلك إحراز تقدم في أفغانستان خلال عشرين عامًا من الوجود الغربي. وكانت المساهمة الإيطالية كبيرة الأمر الذي جعل من الممكن تحقيق نتائج لا شك فيها حتى على حساب أرواح 53 جنديًا ومدنيين اثنين.

واسترسل بأن الحزم مطلوب والتزام إيطاليا في هذا الإطار هو أقصى ما يمكن. نمارس مع حلفائنا ضغطًا على قيادة الأمر الواقع في أفغانستان التي حققت حتى الآن نتائج غير كافية من حيث التعددية وتعزيز حقوق الإنسان. و نضمن أفضل دعم ممكن للسكان. وأشار ان رؤية النساء الأفغانيات يتجولن في الشارع في كابول لتأكيد حقوقهن أيضاً على حساب سلامتهن الشخصية يوضح أن بعض البذور المزروعة في السنوات الأخيرة نبتت وينبغي حمايتها والدفاع عنها.

ومؤخراً قتلت غارة جوية أمريكية زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول، وبعيداً عن لغز استمرار العلاقات بين القاعدة وحركة طالبان ظهرت العملية وكأنها إعادة تأكيد لقدرات واشنطن العملياتية بعد أن ملأ الانسحاب الأفغاني الصحف وترك حيرة بين بعض الشركاء الغربيين في منطقة الشرق الأوسط، هو انتهاك تنسبه واشنطن على الأقل إلى جزء من قيادة طالبان في إدراك أننا لسنا أمام كيان مترابطًا بل فريق خشن بالداخل.

زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى جدة ولقاءاته مع السعوديين وقادة المنطقة هي بالتأكيد مؤشر على الرغبة في إعادة تأكيد الاهتمام بالمنطقة بعد مرحلة اعتبرتها العديد من الدول السنية على أنها عدم التزام. المهمة تشير إلى إعادة إطلاق العلاقات مع المملكة العربية السعودية، فيما أعتقد أنه من الضروري قراءتها أيضًا في ضوء الحرب في أوكرانيا.

وأكد أن الشرق الأوسط منطقة ذات اهتمامات إستراتيجية لإيطاليا وأوروبا وبالطبع لكل اللاعبين الدوليين، إنها مصالح على علاقة بأمن المنطقة واستقرارها ولكن تداعياتها يشعر بها المجتمع الدولي بأسره، وتؤثر هذه الاهتمامات على القضايا الأساسية مثل الوصول إلى الأسواق والمواد الخام والموارد الأساسية وانتشار الابتكار التكنولوجي وطرق التجارة والخدمات اللوجستية على طول الطريق الرئيسي بين الشرق والغرب. إن الشرق الأوسط وهو جزء كامل من البحر المتوسط ​​الموسع المحور الجيوسياسي لسياستنا الخارجية هو أساسي بالنسبة لنا.

وهو يمثل سوق له أولوية لصادراتنا و مهم جدًا كوجهة لاستثماراتنا الأجنبية مع مئات الشركات الإيطالية هناك ولكن أيضًا كمصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إيطاليا، كما أنها منطقة توفر فرصًا كبيرة في مرحلة التنويع الاقتصادي: هذه البلدان لديها القدرة على استثمار موارد ضخمة في قطاعات جذابة للغاية لشركاتنا. أفكر في التحول البيئي والرقمي للهيدروجين الأزرق والسياحة والثقافة.

وآلمح إلى أنه يمر هذا عبر عدة عوامل وهي تسوية القضية النووية الإيرانية عبر إعادة إطلاق الاتفاق النووي، و تجنب المزيد من العداء بين إسرائيل والدول السنية وإيران، وتسوية للصراع في اليمن وهناك الأزمة في سوريا والوضع الخطيرفي لبنان، إيطاليا خلقت دور الشريك السياسي الموثوق به بفضل عدم وجود أجندات خفية والحفاظ على مواقف معتدلة ومتوازنة وتفضيل الحوار، وذلك عبر الاستماع إلى الشركاء والحوار معهم.

وينطلق الالتزام بتحقيق الاستقرار في المنطقة وتجاوز الأزمات بدورنا الريادي في ليبيا، دون إحداث الكثير من الضجيج وبشكل سرية ولكن فعال ومستمر، نحن ملتزمون بتعزيز الحوار والوساطة والاستقرار وتسوية النزاعات بين الأطراف الدولية والإقليمية فيما تنتشر الصراعات في المنطقة، كما أن الأزمة الأفغانية تعد جزء من الفسيفساء الآسيوية، في هذا الإطار المعقد هناك محاولات التأثير للقوى الإقليمية والدول المجاورة. هناك دول حول أفغانستان تسعى بأشكال وكثافة وطرق مختلفة إلى التأثير على مجتمعها وسياستها واقتصادها وأمنها. إن الضعف المزمن للمؤسسات الأفغانية والتشرذم الكبير للسلطة داخلها بالتحديد يحفز هذه الديناميات.

كما توجد قضية التضامن العرقي بين الجماعات المتجانسة، ولكن منفصلة بحدود مثل حالة الطاجيك أو الباشتون في باكستان أو الأقليات الشيعية على الحدود مع إيران. الفصائل الأفغانية المختلفة قد تسعى إلى اللجوء إلى دعم الرعاة الخارجيين سواء دول أو منظمات إرهابية عابرة للحدود الوطنية بهدف الوصول إلى الموارد الأساسية لضمان بقائهم أو زيادة فرص نجاحهم في النزاعات الداخلية.

الأمر يتعلق بمزيج محفوف بالمخاطر مثل القيمة الجيوسياسية لأفغانستان التي تمثل مفترق طرق بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى وشبه القارة الهندية وأوروبا. ومن هنا تأتي أهمية تحفيز المبادرات الشاملة بداية من مجموعة العشرين مع الاستفادة من وجود مصلحة مشتركة ملموسة للمجتمع الدولي في استقرار البلاد والمنطقة.

واستند عمل إيطاليا العام الماضي أيضًا بفضل الرئاسة السنوية لمجموعة العشرين على الجهد المبذول لتوسيع المناقشة على أوسع مستوى ممكن من التنسيق الدولي بشأن الأزمة الأفغانية والمقارنة باستراتيجية للتعامل معها.

كانت مهمة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو تهدف إلى التعرف على دور بلدان منطقة آسيا الوسطى وتحفيزها بالأزمة الأفغانية والبلدان المتأثرة في المقام الأول بآثار سقوط كابول. وساهمت مهمة الوزير على فتح قناة لمزيد من الحوار في اتجاه جديد جعل دول المنطقة مسؤولة، ونتج عنه قبل أقل من شهر المؤتمر المهم في طشقند ناقش بشكل رئيسي الأمن والوضع الاقتصادي والإنساني في أفغانستان. وشارك ممثلون إقليميون ودول مجاورة والمنظمات الدولية الأساسية والولايات المتحدة ودول أوروبية من بينها إيطاليا، و أيضاً ممثل عن سلطات الأمر الواقع في أفغانستان.