الزمان
جريدة الزمان

تقارير

«فك العقد» خارج إطار القانون

مكاتب لفض النزاعات بـ«القضاء العرفى»

مهاب جمال عبد الناصر- بسمة أحمد -

المجالس العرفية واحدة من أهم الظواهر فى المجتمعات العربية بصفة عامة والمجتمع المصرى بصفة خاصة، وهى وسيلة متعارف عليها للتحكيم بين الخصوم، وأحكامها لها قوة الإلزام الفاعلة بين العائلات الكبيرة، بل إنها فى أحيانٍ كثيرة تكون موثقة من الجهات الأمنية والرسمية بالدولة.

ومنظومة القضاء العرفى فعالة إذا كان المعتدى عليه يرضى التعويض المالى والاعتذار، وللعلم لا يستطيع «القضاء العرفى» الحكم بعقوبات الموت أو الإيذاء الجسدى أو عقوبات سالبة للحرية "السجن" ولكنه يستطيع الحكم بإبعاد شخص ما عن مكان ما منعًا للشر وإثارة الأوجاع واستذكارها.

والقضاء العُرفى معمول به بين كل قبائل جمهورية مصر العربية الكبار: قبيلة بلى، والمعاذة "بنى عطية"، ومزينة، والترابين البقوم، والعليقات، وأولاد سعيد، والقرارشة، والصوالحة، والمساعيد، والسواركة، والتياهة، والعيايدة، والحويطات، وأولاد على، والجوابيص، والعبابدة، والجعافرة، وغيرهم من كبرى العائلات.

بل إن البعض منهم الآن أصبح له مكاتب خاصة بفض المنازعات، ومن بين هؤلاء فاروق أبو ستة «أحد الشيوخ المعروفين بمحافظة الجيزة»، والذى قام بعمل مكتب يطلق عليه مكتب فض النزاعات والذى يلجأ له العديد من الأهالى فى فض النزاعات، ويعتبر أول مكتب بمصر يضم فض النزاعات بالعديد من القرى والمحافظات، فتم فتح هذا المكتب منذ عام 2009 وحتى الآن وتتم الاستعانة برؤساء المجلس فى جميع محافظات مصر، وبالفعل منذ عام 2009 وحتى الآن، أى مر عليه ما يقرب من 8 أعوام.

يقول الحاج فاروق فى تصريحات خاصة لـ"الزمان": منذ أيام شهدت محافظة المنوفية اندلاع مظاهرات اعتراضًا على مقتل 6  من الأهالى بإحدى القرى، وتم عمل مجلس عرفى بقرية شما مركز أشمون منوفية لقضية قتل الستة على يد عائلة أبو حريرة التى لها نشاط إجرامى فى تجارة المخدرات والسلاح وبحضور مدير أمن المنوفية، وقد حكم على الجناة بدفع الدية والتغريب من هذة البلدة نهائيًا ولم يقوموا بتنفيذ التغريب، فتصدت لهم البلد كلها.

ويضيف: نملك ما يقرب من 12 مكتبًا على مستوى الـ26 محافظة، ونسعى لوجود مكتب بكل محافظة، ونحن نستخدم القانون الخاص بنا الذى ينص على دفع غرامة مادية أو الطرد من القرية التى بها نزاع.

فى هذا الصدد، يقول الشيخ جمال عبدالناصر المستشار الدينى للقوات المسلحة ووكيل وزارة الأوقاف السابق، إن المجالس العرفية تمثل حلقة وصل بين أبناء المجتمع، وتحل عندها المشكلات، وتفك العقد، وتمثل حائط صد قوى فى أى بيئة من البيئات بما تتمتع به من ثقة وخبرة ودراية بالعادات والتقاليد السائدة فى بيئتها.

وأشار عبدالناصر إلى أنه عادة لا تخالف أحكام المجالس العرفية الشريعة الإسلامية، وفيما يخص عقوبة الإعدام فإنهم يلجأون إلى الديّة والعفو، وهما من الأمور التى شرعها الإسلام، تطييبًا لأهل القتيل ونزعًا لفتيل الفتنة بينهم.

وأوضح المستشار الدينى للقوات المسلحة، أنه لا مانع من أن تقام المجالس العرفية بين المسلمين والمسيحيين، باعتبار أن المجتمع به شرائح وطوائف وأديان مختلفة تستوجب التعاون فى استقرار الأمن وحفظ الحقوق بين الناس على اختلاف عقائدهم، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا".

فى سياق آخر، يؤكد خالد عكاشة الخبير الأمنى، أن فكرة المجالس العرفية ليست قاصرة على المجتمعات العربية بل إنها عُرفت فى البلاد الغربية وبكثرة.

وأوضح عكاشة أنه لا مانع من تلك المجالس التى تعد ساندة ومساعدة للدولة والجهات الأمنية فى أداء عملها والقيام بواجبها، فالدولة بالطبع ستكون راضية عندما تقل المنازعات بين العائلات والقبائل وخاصة فى صعيد مصر.

وبالنسبة لآراء القانونيين فقد أتت متقاربة بل متطابقة، إذ يرون أن القضاء العرفى موجود وراسخ فى أذهان العرب والقبائل البدوية وبعض مناطق الصعيد، وهو يعد من التقاليد الثابتة عند هذه المجتمعات كما يتطلب أيضًا قدرًا من القناعة والمرونة التى تجعلهم يرتضون بحكم القضاء العرفى، وأن بديل هذا القضاء هو نظام التحكيم الذى يجد طريقه حاليًا إلى القضاء العادى ويحتاج إلى نشر ثقافته فى المجتمع.

على صعيد آخر، يؤكد القانونيون أن التحكيم لا يصلح فى كل القضايا وإنما يجوز التحكيم فيما يجوز الصلح فيه وهى جميع المنازعات المدنية وعلى رأسها قضايا الثأر أما قضايا مثل الأحوال الشخصية فلا يجوز التنازل فيها عن أشياء مثل حضانة الأطفال.