الزمان
جريدة الزمان

مقال رئيس التحرير وا إسلاماه

إلهام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم

رئيسة مجلسي الإدارة والتحرير
-

قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام] بعد الحديث عن الحواريين الذين ناصروا عيسى عليه السلام وأيدوه فى دعوته فأيّدهم الله على عدوهم فأصبحواْ ظاهرين، نستطيع أن نتخذ من معجزة تكلمه فى المهد منطلقًا للحديث عن معجزات هذا النبى الكريم، والمعجزات -كما تعلمون- أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدى يجريه الله على يد أحد الأنبياء تصديقًا لهم.

والمعجزة كالكرامة يجمعهما ويشترك فى كليهما أن الفاعل لهما واحد، وهو الله الواحد، غير أن المعجزة يُظهرها الله على يد نبي، بينما الكرامة يُظهرها الله على يد ولي.

لما ابتدأ المسيح عليه السلام فى دعوة بنى إسرائيل الذين قست قلوبهم وحرّفوا الشريعة وانحرفوا عن الطريق الصحيح حتى بلغ السيل الزُّبَى، أخبرهم أنه مؤيّدٌ فى دعوته وإرشاده بمعجزاتٍ إلهية لا يقدر عليها غير الله سبحانه، وعلى رأسها تكليمه للناس فى المهد، فضلًا عن غيرها من المعجزات التى منها خلق طيرٍ من الطين والنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، ومنها إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وإخباره الناس بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم.

نعم لقد أيدّه الله بهذه المعجزات التى لازالت وستظل خارقةً للعادة، رغم التقدم العلمي، إذ كانت لديه القدرة على أن يُشكّل من الطين على هيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وإرادته، وشفاء المرضى من الأمراض، وإحياء الموتى بإذن الله ومشيئته، ليس هذا فحسب بل كانت لديه القدرة على معرفة مدخّرات الناس فى بيوتهم، فكان يبلغهم عن ما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم.

زد على هذا معجزة نزول المائدة، إذ استجاب الله تعالى دعوته - عليه السلام- بنزول مائدةٍ من السماء، وهى معجزة تدل على قدرة الله تعالى واستجابته دعاء الأنبياء.

لقد بيّن عيسى عليه السلام لقومه أن الآيات والمعجزات التى أيّدها الله بها كافيةٌ لتصديقه وشافيةٌ فى حملهم على الإيمان به والتصديق برسالته، كما بيّن لهم أنه مصدِّقٌ للتوراة، مؤمنٌ بما فيها، حاثٌّ على اتباعها، موضحًا أنه يُحلّ لهم بعض ما حُرّم عليهم، لكنهم – كما جرت العادة والسنة الكونية- انقسموا فى أمره ولم يجمعوا عليه، فمنهم من صدّق به ومنهم من كذب، ومنهم من أقبل عليه، ومنهم من فرّ منه ونفر.

وقد سجّل القرآن ذلك فى آياتٍ عديدة، منها قوله تعالى: « وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ».

وكذلك كان يفعل عيسى عليه السلام، فيصوّر من الطين على هيئة الطير ثم ينفخ فيه فيطير عيانًا بإذن الله، أما الأكمه فقيل: هو الذى يبصر نهارًا ولا يبصر ليلًا. وقيل العكس. وقيل هو الأعمش، وقيل: هو الذى يولد أعمى، وأما الأبرص فمعروف.

وأما قوله (وأحيى الموتى بإذن الله) فقد قال كثير من العلماء: إن الله بعث كل نبى من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى- عليه السلام- السحر وتعظيم السحرة؛ لذا بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من الأبرار... وأما عيسى - عليه السلام- فبُعث فى زمن الأطباء، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدًا من الله، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد؟!!! أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعث من هو فى قبره رهين إلى يوم التناد؟!!!

كما أنه أُيِّد من قِبل الله تعالى بمعجزة علم الغيب، ولا عجب فقد قال تعالى فى أواخر سورة الجن موضحًا أن الغيب لا يعلمه إلا هو، ومن ارتضى سبحانه من رُسله: « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ»، وقال فى آية الكرسي: « ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء».

نعم لقد واجههم بثقةٍ مطلقةٍ استنادًا إلى ما أيده به ربه، فقال لقومه إن من آيات صدق دعوتى ورسالتى أننى أستطيع أن أخبركم بما أكل أحدكم الآن، وما هو مدخر له فى بيته لغده.

كما سجّل القرآن هذه المعجزات فى قوله تعالى فى معرض تعداده للنعم التى أنعمها على نبيه عيسى عليه السلام: « إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِى وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِى وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِى وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ».

وقوله تبارك وتعالى فى سورة الزخرف: « وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ».

نكتفى بهذا القدر سائلين الله تعالى أن يعلمنا وأن يمن علينا بالفهم والهداية والاعتبار والاتعاظ بقصص أصحاب هذه السلسلة الماتعة عليهم السلام.

دمتم فى رعاية الله وأمانه.