الزمان
جريدة الزمان

وا إسلاماه

فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟

أحمد سعيد -

أحدث التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تحولات كبيرة في مناحي الحياة، إذ تهافت الكثير من الناس لاستشارته والاعتماد عليه في الكثير من المجالات «الطب – التعليم - الصناعة.. وغيرهم»؛ عله يساعدهم في تحسين جودة حياتهم، لكن تحولت مسارعة الناس لاستشارة الذكاء الاصطناعي في الأمور الحياتية إلى استفتائه فيما يخص أمور الشريعة الإسلامية، هو ما اعتبره البعض نذير خطر على مستقبل المستفتي الذي يستقي فتواه من الذكاء الاصطناعي، واعتبره آخرون أنه أداة مساعدة يسمح باستخدامها لكن بضوابط شرعية.

ولدفع هذا التعارض وحسم الجدال الذي سببته فتاوى الذكاء الاصطناعي، احتضنت أرض الكنانة على مدار يومي أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي».

- المفتي: الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للمفتي

المؤتمر الذي افتتحه الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، بطرح مجموعة من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأثر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي لا بديلا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسئولة.

وأكد أن هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفا مسئولا يخدم الإنسانية، خصوصا في مجال الفتوى التي تتطلب توازنا دقيقا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي، مشيرا إلى الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوّل الدين من خطاب هداية إلى خطابٍ مادي جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه.

- الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدا في المراحل التحضيرية

وبين أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحولات العصر الرقمي، إذ لا يكفي أن تكون دقيقة فحسب بل يجب أن تحمل ضميرا حيا ووعيا أخلاقيا، مؤكدا دور المؤسسات الدينية في وضع أطر رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المخرجات وموثوقيتها.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل.

وأشار إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسة لشرعية الوعي، وقائدة لعلاقة واعية بين النص والآلة.

- بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية مدربة

ودعا إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدربة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصات رقمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهلة، ويحدد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية.

- الذكاء الاصطناعي يهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية

وفي طيات نقاشات الجلسة العلمية التي تخللها المؤتمر، قدمت الأستاذة الدكتورة مؤمنة حمزة عبد الرحمن عون وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، بحثًا بعنوان «تفكيك النص الديني من القراءة الأدبية إلى خوارزميات الفتوى»، تناولت فيه أثر المناهج الحداثية على المرجعية الدينية مركزة على تطبيق منهج التفكيك الذي نشأ في النقد الأدبي الغربي على النصوص الشرعية، واعتبرت أن هذا المنهج أدى إلى إضعاف مرجعية النص وفتح الباب أمام تأويلات نسبية تهدد وحدة الأحكام.

وناقشت الباحثة، محاولات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد الفتاوى دون تأصيل شرعي، مؤكدة أن هذا النهج ينتج فتاوى آلية غير نابعة من اجتهاد بشري واع، ولا تراعي المقاصد ولا فقه الواقع، محذرة من تحول الفتوى إلى منتج رقمي؛ الأمر الذي يفقدها صفتها الاجتهادية ويهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية لا تملك الحس الفقهي.

وفي ختام عرضها، أوصت بوضع ضوابط شرعية دقيقة للتعامل مع الخوارزميات الإفتائية، مع ضرورة تعزيز الدراسات النقدية التي ترصد تأثير المناهج الحداثية على المرجعية الدينية، مؤكدة أن صيانة الفتوى مسئولية جماعية ينبغي أن تضطلع بها المؤسسات العلمية والإفتائية.

- الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليس بديلا عن المفتي البشري

ومن زاوية بحثية أخرى، تناول الدكتور وليد السيد محمد مرعي مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف دقهلية، في بحثه المعنون بـ«أثر استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الإفتاء الافتراضي»، أبعاد ما يُعرف بالمفتي الذكي ومدى قدرته على أداء الوظيفة الإفتائية في ظل التحديات المعاصرة وضغوط العمل على مراكز الفتوى الرسمية.

وطرح إشكالية مشروعية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الرد على تساؤلات المستفتين، موضحًا أن هذه التقنية تحلل الأسئلة وترجع إلى قواعد بيانات ضخمة لإنتاج ردود فورية، لكنه أكد أن هذا النوع من الفتوى يظل محدودًا ولا يمكنه الاستقلال في المسائل الاجتهادية التي تتطلب اجتهادًا بشريًّا مركبًا ونظرًا مقاصديا دقيقًا.

وبين أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة في المسائل الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، مثل أحكام المواريث والزكاة، لكنه غير مؤهل للتعامل مع الأسئلة المتجددة التي تتطلب فقه الواقع والمعرفة بظروف السائل والسياق الاجتماعي المحيط.

- غياب الضبط المؤسسي يشوش الخطاب الديني

وقدم الدكتور محمد محمود عبودة، المدرس بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة وعضو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بحثًا بعنوان «الفتوى المؤسسية في مواجهة التحديات الرقمية نحو تجديد منهجي واستجابة رشيدة» تناول فيه التحديات التي تواجه المؤسسات الإفتائية في العصر الرقمي.

وأبرز الدكتور محمد عبودة، مشكلة الفتاوى الرقمية غير المنضبطة التي تنتشر عبر المنصات الإلكترونية، مشيرًا إلى غياب الضبط المؤسسي في كثير من هذه الفتاوى ما يؤدي إلى تشويش الخطاب الديني ويقوِّض الثقة بالمرجعية الشرعية.

- احتمالية المساهمة في انتشار فوضى الفتاوى

وأظهر تقرير للمؤشر العالمي للفتوى التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بعنوان «الذكاء الاصطناعي وأثره في خدمة المجال الديني وصناعة الفتوى»، أن المرصد حلل ما يقرب من 300 مادة من الفتاوى والآراء والدراسات حول الذكاء الاصطناعي في مختلف النطاقات الجغرافية.

وأكد تحليل مؤشر الفتوى لأبرز تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المجال الإفتائي، أن دخول الذكاء الاصطناعي في العمل الإفتائي قادم لا محالة، ولكنه يظل بحاجة إلى تدخل وإشراف بشري؛ لضمان توافق الفتاوى مع الأحكام الشرعية الصحيحة والسياقات الدينية والثقافية من خلال عمليتي التصوير والتكييف البشريتين، وذهب إلى تضمن ذلك المجال عددا من نقاط القوة والضعف.

- نقاط قوة

وتتمثل أبرز نقاط القوة في إمكانية الاستفادة به في تحسين الأداء والعملية الإنتاجية الإفتائية، وتطوير وتحسين تطبيقات التعلم الديني الإلكتروني، والترجمة الآلية للنصوص الدينية، وتحليل القرآن وتفسيره بتقنيات معالجة اللغة الطبيعية، وتطوير الخوارزميات لتحليل البنية اللغوية والنحو والعلاقات الدلالية في الآيات القرآنية وكشف المعاني، وتوسيع نطاق الفتوى وتشعُّب موضوعاتها ومجالاتها والقضايا التي ترتبط بها؛ لتضم عددا كبيرا من الأحداث والقضايا الجديدة والمعقدة داخل المجتمعات وكشف علاقتها بالفتوى وكيفية التعامل معها.

- نقاط ضعف

أما عن نقاط الضعف فلخصها مؤشر الفتوى، في احتمالية المساهمة في انتشار السطحية والأمية الفكرية والدينية، والانفصال الفكري والروحي نتيجة غياب التفاعل بين المفتي والمستفتي؛ مما سيؤدي لغياب التفاعل الحي.

وبالتالي الانفصال الفكري والمشاعري، وعدم إصدار الفتاوى الدقيقة التي تتلاءم مع حال المستفتي والظروف المحيطة، فأخذ العلم لا بد أن يكون على يد شيخ عالم.

وأشار إلى احتمالية التأثير السلبي في تراجع الذهاب لدور العبادة، وسهولة تعرض تلك الآلات للاختراق من قبل أصحاب الرؤى غير المنضبطة والتنظيمات المتطرفة، والتبعية وعدم الاعتماد على الاجتهاد والبحث والدراسة، وتنوع الثقافات بين مؤسسي تلك التقنيات والمجتمعات المسلمة قد يتسبب في عدد من الإشكاليات الأخلاقية وتحريف المعنى وعدم فهم السياق الكامل، وإغفال العوامل الاجتماعية والنفسية للمستفتين، وعدم مراعاة القواعد الأصولية في الفتوى، واحتمالية المساهمة في انتشار «فوضى الفتاوى».