ما وراء اللحظة الأخيرة: ماذا يدور في ذهن المنتحر قبل اتخاذ القرار القاتل؟

الانتحار ليس مجرد قرار مفاجئ، بل هو نهاية مسار طويل من الألم النفسي والصراع الداخلي. ما يدور في ذهن المنتحر قبل الإقدام على هذه الخطوة المأساوية يختلف من شخص لآخر، لكنه غالبًا يتقاطع في نقاط مشتركة تتعلق باليأس، الشعور بالعجز، والرغبة في إنهاء الألم وليس الحياة بحد ذاتها.
وفقًا للدراسات النفسية الحديثة، فإن الشخص الذي يفكر في الانتحار يمر غالبًا بمراحل متصاعدة من الضغط النفسي الشديد، تتخللها أفكار سلبية متكررة وإحساس متزايد بالعزلة. في هذه المرحلة، تصبح رؤية الحلول أو طلب المساعدة أكثر صعوبة، ويبدأ العقل في الانغلاق على فكرة واحدة: "إنهاء المعاناة". من المهم إدراك أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص لا يسعون إلى الموت بقدر ما يسعون إلى التوقف عن الألم النفسي أو الجسدي الذي يواجهونه.
واحدة من السمات الشائعة في هذه اللحظة هي ضيق الإدراك أو "التفكير النفقّي" (Tunnel Thinking)؛ حيث يصبح الشخص غير قادر على رؤية الخيارات المتاحة أمامه سوى خيار الانتحار، وكأن حياته محصورة في طريق مسدود. كما يشعر كثيرون منهم أن وجودهم أصبح عبئًا على الآخرين، وهو اعتقاد خاطئ لكنه شائع جدًا في هذه الحالة.
الدوافع التي تدفع المنتحر إلى هذه الخطوة قد تشمل الاكتئاب الحاد، الصدمات النفسية، فقدان شخص عزيز، الضغوط المالية أو الاجتماعية، أو الإدمان. وغالبًا ما يسبق الانتحار علامات تحذيرية مثل تغيّر السلوك بشكل مفاجئ، الانعزال، الحديث عن الموت أو الشعور بعدم القيمة، أو التخلي عن ممتلكات ثمينة. هذه العلامات يمكن أن تكون فرصة ذهبية للتدخل والمساعدة.
الجانب الأهم الذي يجب فهمه هو أن الانتحار ليس قرارًا عقلانيًا بالكامل، بل هو نتاج اضطراب نفسي أو عاطفي حاد يعطّل قدرة الشخص على الحكم السليم. لذلك، التدخل المبكر بالعلاج النفسي، والدعم الاجتماعي، والحديث المفتوح عن المشاعر يمكن أن يُنقذ حياة.
التقارير العالمية تشير إلى أن التواصل الإنساني والإنصات الفعّال هما من أقوى أسلحة الوقاية من الانتحار. مجرد سؤال بسيط مثل "هل أنت بخير؟" قد يفتح بابًا للأمل ويمنح الشخص مساحة للتعبير عما يعانيه.
في النهاية، فهم ما يدور في ذهن المنتحر ليس لإثارة الفضول، بل لفهم صرخة الاستغاثة التي يحاول إيصالها. كل حالة انتحار هي مأساة كان من الممكن منعها بالدعم المناسب والوعي المجتمعي. إذا لاحظت علامات الخطر على أحدهم، فكن حاضرًا، أنصت، ووجّه الشخص إلى متخصص أو خطوط المساعدة النفسية في بلدك.