هل يمهّد الاتفاق مع الولايات المتحدة لمرحلة جديدة في البرنامج النووي السعودي؟

دخلت السعودية مرحلة جديدة في مسار برنامجها النووي السلمي بعد توقيع إعلان مشترك مع الولايات المتحدة حول اكتمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض المدنية. ويمثل هذا الإعلان خطوة بارزة منذ إطلاق “المشروع الوطني للطاقة الذرية” عام 2017، ويفتح الباب أمام تطوير محطات نووية حديثة تعتمد على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة. ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه الاقتصاد السعودي نمواً متسارعاً، مع تعزيز دور المملكة في مجال الطاقة البديلة والمعادن الاستراتيجية.
المشروع الوطني للطاقة الذرية
أصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمرًا سامياً في يونيو 2017 لإنشاء المشروع الوطني للطاقة الذرية، بهدف بناء قطاع نووي سلمي قادر على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتوطين التقنيات النووية، وخلق فرص عمل. ويستند المشروع إلى أربعة محاور رئيسية:
-
المفاعلات النووية الكبيرة: لدعم الحمل الأساسي على الشبكة الكهربائية، بقدرة تتراوح بين 1200 و1600 ميغاواط لكل مفاعل.
-
المفاعلات الصغيرة المدمجة (SMR): لتلبية احتياجات المناطق النائية والصناعات البتروكيماوية وتحلية المياه.
-
دورة الوقود النووي: تشمل تدريب الكوادر السعودية، واستكشاف واستخراج خامات اليورانيوم والثوريوم.
-
التنظيم والرقابة: من خلال هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المستقلة منذ 2018 لضمان الالتزام بالمعايير الوطنية والدولية.
استثمارات الطاقة والمعادن
تخطط السعودية لاستثمار المعادن النادرة، بما في ذلك اليورانيوم، بهدف دعم مشاريع الطاقة النووية والطاقة المتجددة، مع الوصول إلى هدف 130 جيجاواط من الطاقة المتجددة و20% احتياطياً. وتسعى المملكة لإنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء، مع التركيز على تطوير خبراتها في بناء وتشغيل المفاعلات قبل التوسع.
وفي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، تم توقيع إطار استراتيجي جديد للتعاون في المعادن النادرة ويورانيوم الطاقة، بمشاركة شركة “معادن” السعودية و”MP Materials” الأميركية. ويهدف هذا الإطار إلى تعزيز الاستثمار المشترك في سلاسل إمداد المعادن الحيوية ودعم الصناعات الدفاعية والمدنية، بما يخفف الاعتماد الأميركي على الصين ويعزز شراكات طويلة الأمد.
الثروات المعدنية النادرة
تقدّر السعودية أن مكمن “جبل صايد” يضم رابع أكبر احتياطي عالمي من عناصر الأرض النادرة، بما في ذلك الديسبروسيوم والتيربيوم والنيوديميوم. كما تملك المملكة احتياطيات يورانيوم تبلغ نحو 31 ألف طن، ما يتيح لها مستقبلاً دخول دورة الوقود النووي لتزويد محطات الطاقة محلياً وربما تجارياً.
المشروع الجديد للمصفاة المشتركة بين “معادن” و”MP Materials” سيعالج خامات محلية وواردات من دول صديقة، لتلبية الطلب الصناعي والدفاعي في السعودية وأميركا ودول أخرى، كما يُتوقع أن يشمل الاستثمار في صناعة المغناطيسات الدائمة للمحركات الكهربائية وتوربينات الرياح.
الملف النووي والشراكة الأميركية
إلى جانب قطاع المعادن، وقّعت السعودية والولايات المتحدة اتفاقيات للتعاون في الطاقة النووية السلمية، ضمن إطار “اتفاقية 123”، مع التركيز على الالتزام بمعايير عدم انتشار الأسلحة النووية. وتشمل الاتفاقيات تخصيب اليورانيوم، إنتاج الطاقة، وتطوير سلاسل الإمداد المشتركة. وتعكس هذه الاتفاقية توجهاً نحو اعتماد التكنولوجيا الأميركية وبناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد.
اتفاقيات الدفاع والتكنولوجيا
شهدت زيارة ولي العهد الأميركي توقيع اتفاقية دفاع استراتيجي، تشمل مبيعات مقاتلات F-35، 300 دبابة، وتطوير القدرات العسكرية المحلية، فضلاً عن استثمارات سعودية في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بقيمة تريليون دولار. وقد رفعت الولايات المتحدة تصنيف السعودية إلى حليف استراتيجي من خارج الناتو، ما يتيح مزيداً من التعاون العسكري والتكنولوجي.
الطاقة النووية.. طموح مستقبلي
التعاون النووي بين الرياض وواشنطن يضع الأساس لشراكة طويلة الأمد في الطاقة النووية، مع تركيز على تنويع مصادر الطاقة وإنتاج الكهرباء بشكل مستدام، بما يتماشى مع أهداف المملكة في رؤية 2030، وتعزيز القدرة على إدارة الموارد الطبيعية الاستراتيجية بكفاءة.
خاتمة
يمثل الإعلان المشترك مع الولايات المتحدة خطوة نوعية في مسار السعودية نحو برنامج نووي سلمي متقدم، ويؤكد تحول شراكة الرياض وواشنطن من الاعتماد على النفط فقط إلى شراكة استراتيجية تشمل المعادن النادرة، الطاقة، والتكنولوجيا. هذه التحولات تضع المملكة في موقع محوري ضمن أسواق الطاقة والمعادن العالمية، مع تعزيز قدرتها على الابتكار وتطوير البنية التحتية النووية والمدنية بما يتماشى مع الالتزامات الدولية والأهداف الوطنية.

