ما حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص؟.. الإفتاء ترد

استقبلت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص؟ حيث يريد أحد الأشخاص أن يستلف منّي مبلغًا من المال، وأرغب في أن أشترط عليه ردّ المبلغ بزيادة كما يحدث في البنوك. فهل هذا جائز شرعًا؟
حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: تسليف المحتاج مندوبٌ إليه شرعًا للقادر عليه، وما ترغب فيه مِن اشتراط ردّ المبلغ المالي بزيادةٍ على أصله هو أمرٌ محرمٌ شرعًا؛ لأنَّ الزيادة لم يقابلها عوض فأشبهت الربا؛ إذ القرض بين الأشخاص مِن عقود الإرفاق والقربات، لا مِن عقود التربح والمعاوضات، فإذا اشتُرِطَ فيهِ منفعةٌ بزيادةٍ أو نحوها خرج عن موضوعه.
وأما مساواة المعاملة المسؤول عنها بمعاملة البنوك: فغير سديد، وقياسٌ مع الفارق؛ لأنَّ البنوك من الشخصيات الاعتبارية التي لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الأفراد، والبنك جهةٌ ربحيةٌ استثماريَّة، بخلاف الأفراد؛ فإنَّ أساس معاملاتهم في الإقراض مبناها على الرفق والإرفاق؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: 280].
حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص
إذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القَرْضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقْرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائج الناس وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربّح؛ لأنَّه من عقود التبرعات لا المعاوضات.
وقال أيضًا (2/ 91): [(وَمَنْ رَدَّ في القرضِ) الذي عليهِ (أكثرَ عددًا في مجلسِ القضاءِ) المرادُ بعدَ حلولِ الأجلِ؛ لأنَّ المرادَ بمجلسِ القضاءِ حلولُ أجلِ القضاءِ، وذلك إنَّما يكونُ بعدَ فراغِ الأجلِ، (فَقَدِ اختلفَ) العلماءُ (في ذلك) بالجوازِ وعدمهِ، وقَيَّدَ الخلافَ بقوله: (إذا لمْ يكنْ فيهِ شرطٌ ولا وَأْي) أي وَعْدٌ (ولا عَادَةٌ).. كما اتُّفِقَ على حرمةِ الزيادةِ عندَ الشرطِ أو الوعدِ أو العادةِ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (4/ 34، ط. المكتب الإسلامي): [يَحْرُم كُلُّ قرضٍ جَرَّ منفعة؛ كشرط ردِّ الصحيح عن المكسر، أو الجيد عن الرديء، وكشرط ردِّه ببلدٍ آخر، فإنْ شرط زيادةً في القدر؛ حَرُمَ إن كان المال رِبَوِيًّا، وكذا إن كان غير رِبَوِيٍّ على الصحيح] اهـ.
وقال أيضًا في "المجموع شرح المهذب" (13/ 170، ط. دار الفكر): [ولا يجوزُ قرضٌ جرَّ منفعةً؛ مثل: أن يُقرِضَهُ ألفًا على أن يَبِيعَهُ دارَهُ، أو على أن يَرُدَّ عليه أجودَ مِنهُ أو أكْثَرَ مِنْهُ.. ورُوي عنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ رضي الله عنهم: أنهم نَهَوا عن قرضٍ جَرَّ منفعةً، ولأنَّهُ عقدُ إرفاقٍ؛ فإذا شُرِطَ فيهِ منفعة خرج عن موضوعه] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة): [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أن يزيدَهُ: فهو حرامٌ بغير خلاف.. وقد رُوي عَنْ أُبَيِّ بن كَعب وابن عبَّاس وابن مسعود رضي الله عنهم: أنَّهم نَهَوا عَن قرضٍ جرَّ منفعة، ولأنَّه عقدُ إرفاقٍ وقربة؛ فإذا شُرِطَ فيهِ الزيادةُ أخرجهُ عن موضوعه] اهـ.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية): [وأما الذي يرجع إلى نفس القرض: فهو ألا يكون فيه جَرُّ منفعةٍ، فإنْ كانَ لمْ يَجُزْ، نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة، على أنْ يَرُدَّ عليه صحاحًا، أو أقرضَهُ وشرط شرطًا لهُ فيه منفعة؛ لما رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه «نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا»؛ ولأنَّ الزيادة المشروطة تُشبه الرِّبا؛ لأنَّها فضلٌ لا يقابله عوض] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (5/ 166، ط. دار الفكر): [(قوله: كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا حرامٌ) أي: إذا كان مشروطًا كما عُلم ممَّا نقله عن "البحر"] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 289، ط. دار الغرب الإسلامي): [شرطه: ألَّا يَجُرَّ منفعةً للمقرِضِ، فإنْ شَرَطَ زيادةً قدرًا أو صفةً: فسدَ، ووجبَ الردُّ إن كان قائمًا، وإلَّا ضَمِنَ بالقيمةِ وبالمثلِ على المنصوص] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 89، ط. دار الفكر): [(ولا يجوز) أي يحرم (سلفٌ يجرُّ نفعًا) لغير المقتَرِض؛ بأنْ يَجُرَّ للمقرِض -بكسر الراء- أو لأجنبيٍّ مِن ناحية المقترض؛ لأنَّ السلف لا يكون إلا لله؛ فلا يقع جائزًا إلا إذا تَمَحَّضَ النفعُ للمقترِض] اهـ.

