جريدة الزمان

سماء عربية

يرى أن انتشار الفن الهابط فى العراق عائد لغياب مؤسسة تعنى بالفنون

كريم العراقى: أروع تجاربى كانت مع الفنان بليغ حمدى

رجاء حميد وشيد -

 

  • قصائدى شدا بها «الملك» ووديع الصافى ونجاح سلام وكاظم الساهر وسعدون جابر، وغيرهم.

 

الشاعر والفنان كريم العراقى أحد أعمدة الأدب والفن العراقى، يمتد تاريخه الإبداعى لأكثر من ربع قرن، حيث كتب ولحن العديد من الأعمال الفنية التى أضافت لأرشيف الفن العراقى إرثًا زاخرًا بالثراء... التقيناه فى محافظة أربيل عاصمة السياحة فى أثناء زيارة عمل للاتفاق على إقامة أمسية شعرية مع شاعرة كردية، ودار حديث مطول اختص فيه «الزمان» بأسراره فاتحًا خزانة ذكرياته، ومتناولاً رحلة مسيرته وإبداعه داخل الوطن وفى الغربة، ولندع الحوار يتحدث عن نفسه.

  • كثيرًا ما تغنيت بالعراق فلماذا تركته؟ ولِمْ اخترت السويد البعيدة والمختلفة عن عادات وتقاليد وأساليب الحياة فى العراق؟

غادرت العراق فى عام 1991م بعد «عاصفة الصحراء» لتعرضى لأزمة صحية وسافرت إلى تونس للعلاج، وأقمت فيها بعرض من شركة «زين الفلم» للإنتاج الفنى، ثم ذهبت إلى لبنان ومنها إلى مصر، وقضيت فيها 7 سنوات وبعدها سافرت إلى الإمارات وبقيت عدة سنوات ثم هاجرت إلى السويد.

والصدفة قادتنى إلى السويد، ففى البداية كنت ذاهبًا إلى «النادى العربى» فى ألمانيا لإقامة أمسيتين شعريتين، وهناك دعانى أصدقاء من السويد، فلبيت الدعوة، وذهبت لأفاجأ بأعداد هائلة من العراقيين وجالية عربية كبيرة جدًا هناك، من بينهم عدد كبير من المعارف والأصدقاء الذين كنت أظنهم فارقوا الحياة لطول الغياب وانقطاع أخبارهم، منهم الكاتب جليل حيدر، والمخرج د. حسين الأنصارى، والروائى د. لميس كاظم، الذين تركوا البلد منذ عام 1978م، وشجعنى أصدقائى على التقدم بطلب لجوء إنسانى، وأعترف أنى ترددت كثيرًا لخوفى من أن أكون متأخرًا جدًا، وزاد من ترددى ما لحظته من أن الذين أعرفهم من مبدعين انقطعت أخبارهم وأعمالهم عندما هاجروا، وكنت خائفًا على أعمالى التى قدمتها خلال سنوات عمرى، فبدأت أسأل: هل بعد منحى الإقامة أستطيع السفر والتنقل دون قيود؟، لأننى لا أريد العيش فى بلد من أجل المساعدات المادية، ووجدت مخرجًا وجوابًا لسؤالى، وهو تقديم طلب اللجوء، وبعد حصول الموافقة على الإقامة أتعهد بأن أتكفل بحياة عائلتى على حسابى الخاص، وليس على الدولة المانحة للإقامة، بعد أن أقدم الأوراق الرسمية على إمكانيتى المادية لإعالة عائلتى وضمان حياة حرة كريمة وعدم الحاجة لأية مصاريف، وحصلت وعائلتى على الإقامة، والحمد لله لم أنقطع طويلًا عن الساحة الأدبية والثقافية فى بلدى الحبيب العراق والبلاد العربية.

  • ما تأثير الغربة على مسيرتكم الفنية؟

أضافت لى الكثير وكان لها الأثر الكبير على أعمالى الشعرية وأحاسيسى، صحيح البلد منحنا الأمان والاستقرار، لكن ألمنا على بلدنا وتمزق شعبنا ومعاناته كان أكبر، فكتبت أكثر من 20 قصيدة فى السويد وكلها تعبر عن أمنياتى أن يكون بلدنا مثل هذا البلد الآمن، والنظام أروع ما يكون وبالتالى انعكس على أحاسيسى وأعمالى، وكتبت الكثير من الأغانى التى تجسد الوضع العراقى مثل «دليلول، وقصائد فى دائرة الهجرة، وترانيم فى حب السويد»، وآخرها ديوانى الجديد «الطبعة الثانية» بعنوان «كثر الحديث» الذى ضم 200 قصيدة متنوعة، وتمت طباعته فى سوريا والتوزيع فى بغداد، إضافة إلى أن الكثير من القصائد التى كتبتها فى بلاد الغربة تحولت إلى أغانٍ، منها أغنية بيت الحبايب بصوت الفنان كاظم الساهر، وكلها حتى العاطفية منها تعبر عن الشجن والألم الذى نعيشه وحب الوطن.

  • أخبرتنى بأن بدايتكم فى كتابة القصيدة والشعر كانت عن أدواتك المدرسية فكيف تغنيت بـ«القلم والممحاة والمبراة»، وما القصيدة التى تعتبرونها انطلاقتكم الأولى فى عالم الفن والشعر؟

ولدت فى منطقة الشاكرية وهى منطقة شعبية فى الكرادة «بالقرب من كرادة مريم»، ولم يعد لها وجود إذ حل محلها القصر الجمهورى والمنطقة الخضراء، أول كتاباتى كانت بالفعل عن أدواتى المدرسية فكنت أتفقدهم وجعلتها كأغنية أغنيها مع أصدقائى فأقول: «مقطاطاتى ومساحتى والقلم وفلوسى وجفيتى والألم»، بدأت بهذه البداية البسيطة ثم كتبت عن المدينة وإعلانات الزيت ومساحيق التنظيف «التايت» آنذاك.

  • ولمن تدين بالفضل فى تنمية مواهبك فى الطفولة؟

لا أحد.. إذ عشت طفولة صعبة وعملت بوقت مبكر وعمرى 8 سنوات، فى مقهى وجمعت بين العمل والدراسة، فاعتمادى كان على ذاتى، وبدلًا من الذهاب للمراجيح واللعب كنت أشترى الكتب مثل «مقداد بن مياسة، والسندباد ورحلاته» كانت بخمس أو عشرة فلوس، كنت أقرأ القصص وأحكيها لأصدقائى، فكانت هذه بداياتى المبكرة وكان البعض من أصدقائى يشجعنى والبعض الآخر يستهزأ بى، وبعد انتقالى إلى المرحلة المتوسطة كان ضمن المنهاج المدرسى آنذاك درس للمطالعة «حصة واحدة فى الأسبوع»، وكان أستاذ المادة د. حسن الشرع يخصص العشر دقائق الأولى لى، لأقرأ القصائد الجديدة للتلاميذ ويسمعون ما كتبته، وأذكر أن أحد الزملاء وكان الأكبر سنًا بيننا واسمه صبرى دواح، جمع من كل طالب خمسة فلوس، واشتروا لى المجموعة الكاملة لديوان عبدالوهاب البياتى تشجيعًا لى وكانت مبادرة رائعة، وفى عام 1972م كتبت أولى قصائدى لبرنامج للأطفال «ياشموسة شوية شوية» التى وغنتها الفنانة مى أكرم وكانت أغنيتها الأولى التى اشتهرت بها، واتبعتها بـ«جنة جنة يا وطنه، ويا خالة يالخياطة» و«وى هله» للمطربة أنوار عبدالوهاب و«دمعة وكحل» لسعدون جابر و«ليش سهرانة» لرضا الخياط، وفى المرحلة الإعدادية صرت معروفًا وشاركت بأكبر مهرجانات العراق.

  • من أين جاءت تسمية كريم العراقى؟

أنا سميت نفسى بهذا الاسم ليكون معبرًا عن ارتباطى ببلدى وليس لعشيرة أو قبيلة وأصالتى وانتمائى لوطنى الحبيب.

  • هل تختار مطربًا معينًا ليغنى قصائدك وأشعارك؟ وهل صادف أن غنى أحدهم أغنية من كلماتك ولم يعجبك أداءه؟

صراحة لا أرفض أن يغنى أى فنان قصائدى وأشعارى، ولا ألتزم بمطرب معين، فقبل ظهور كاظم الساهر غنى سعدون جابر قصائدى ولفترة طويلة منها أغنية «هلا بيك هلا»، وكذلك صلاح عبدالغفور، أما بخصوص عدم الرضا لأداء بعض الفنانين فأقول نعم فكثير من الأغانى لا أتذكرها كانت أغانى لم يكتب لها النجاح.

  • وماذا عن تجربتك الفنية مع المطربين العرب فى الدول العربية بصورة عامة؟

أروع تجربة لى كانت مع الفنان الكبير بليغ حمدى رحمه الله، عندما زار العراق فى عام 1980 وكانت حصيلتها 4 أغانٍ للفنان سعدون جابر وهى «لا رايد مراسيل ولارايد هدية، وأريدك، ورضا والله رضا، ومشوارك حبيبى»، وللأسف حالت ظروف الحرب – آنذاك- دون خدمتها فنيًا وإعلاميًا، ولى تجارب عربية ناجحة أخرى، مثل أغنية «عراق الكرامة» وشدت بها الفنانة سميرة سعيد، ومع الفنان محمد منير فى قصيدة «بغداد»، والفنان الكبير وديع الصافى ونجاح سلام، لكن التجربة العربية تجلت خارج العراق فكانت أغنية «غلطة الشاطر» لديانا حداد، وأغنية «يمين الله» لأصالة نصرى، وأغنية «العمارة العمارة» لمحمد منير، هذا وأثناء إقامتى فى تونس تعرفت على الفنان صابر الرباعى وكتبت له 12 عملًا بدأت بأغنية «أعيش خلينى بحالى»، أما الفنانة لطيفة فكانت أغنية «قولوا إن شالله» وأغنية «كرهتك غرامك خريف»، وفضل شاكر «أغنية عاش من شافك حبيبى»، ورولا سعد «دكوا على الخشب لتصيبنه عيون»، والفنانة شهد برمدة 3 أغانٍ.

  • مارأيك بالفن العراقى اليوم والفنانين الجدد بصورة عامة؟

شعب العراق عجيب، فعلى الرغم مما مر به من حروب وحرائق وقتل واغتيالات وموت وقصف وجوع وعذاب وأمراض يظل دائمًا فى عطاء إبداعى، فوسط هذه الحرائق والدمار نرى أسبوعيًا كل جمعة انتفاضة عجيبة فى شارع الثقافة «شارع المتنبى»، ترفض كل الطائفية وكل المتخلفين والحاقدين، جامعة مثقفى العراق من كل مكان فى نهر واحد ومركب واحد، ولكن فى المقابل هناك فن غنائى فيه إسفاف ورداءة يمارسه جهلة، وهو نتاج إفرازات الحرب وظهور نماذج وشرائح اجتماعية جديدة، ومصير هذا الفن الهابط الانطفاء، ليبقى الفن العراقى الأصيل العريق فى مجاله، فموجات الانحطاط مرحلة عابرة.

  • وما لآخر أعمالك؟

أغنيتان من إعدادى وتلحينى للفنانة شذى حسون وهما «كهرمانة» و«أموت عليك»، والعمل الثالث موال لحاتم العراقى اسمه «سبع أيام»، والعمل الأخير للفنان كاظم الساهر واسمه «من قال لا يبكى الرجال».