جريدة الزمان

سماء عربية

تطور الفكر الديني للمصري القديم

محمد عبدالمحسن غازي -

كانت مصر دومًا مقصدًا للرسل والأنبياء والصالحين الذين دعوا المصريين إلى الدين الحنيف، إذ مثّل الدين أهمية كبرى للمصرى منذ قديم الزمان، مما يفسر لنا سر تغلغل الدين فى حياة المصريين إلى اليوم، وحتى نتمكن من تفهم الأوضاع السائده فى ذلك الوقت نمر سريعًا على تطور الفكر الدينى للمصرى القديم.

فحين تمكن الملك نعرمر (مينا) من توحيد القطرين القبلى والبحرى - حوالى3100 ق.م -  سجل لوح نعرمر المحفوظ بالمتحف المصرى تمكن نعرمر من الانتصار على أعدائه تحت لواء الإله حورس، إذ كان المصريون القدماء يؤمنون بوجود قوة خفية وراء خلق الكون، والبعث بعد الموت، ولذلك قاموا بتحنيط موتاهم وتقديم القرابين لهم ليتمكنوا من الحياة فى العالم الآخر وأقدم نظرية فى الخلق هى تاسوع أون - وليس هنا مجال شرح هذه النظرية - ولكن فى آخر التاسوع نجد حورس بن أيزيس وأوزيريس، هو الإله القوى الذى عاشت تحت حمايته الدولة العتيقة والتى تتكون من الأسرتين الأولى والثانية، بعد حورس يأتى الإله رع الذى شمل الدولة القديمة برعايته (الأسر3،4،5،6) وكان سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة، التى شهدت بناء الأهرامات الثلاثة أهم رموز حضارة مصر منذ فجر التاريخ، يضع الإله رع فوق جميع الآلهة، ولذلك عندما ضعف الإيمان بهذا الإله حدث عصر الاضمحلال الأول الذى يشمل الأسر 7،8،9،10، حيث تصارع أمراء إهناسيا وتسببوا فى تفكك الدولة، وقامت الدولة الوسطى تحت لواء الإله منتو الذى يستمر لواؤه مع الأسرتين 11،12 وظهور أول دعوة للدين الحنيف على يد سيدنا إبراهيم «رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (37 سورة إبراهيم)، إذ كان سنوسرت الثانى أحد ملوك الأسرة 12 قويًا تمكن من ردع أعداء مصر، وفى عهده وجدت قلاع على حدود مصر الشرقية، وعرف المصريون نظام الجمارك والضرائب وخلافه، لم يكن سيدنا إبراهيم يعرف عن هذا كله - حوالى 1990ق م - ولم يكن يعرف أيضًا أن الخيانة الزوجيه عند المصريين مكروهة إلى الحد الذى تلقى فيه الزوجة الخائنة إلى التماسيح كعقاب، ولذلك فإنه عندما هاجر من أرض حاران، قادمًا إلى مصر مع زوجته السيدة سارة، وخوفًا عليها لجمالها طلب منها أن تدعى أنها أخته، وخبأها فى صندوق وعند وصوله إلى بوابة مصر الشرقية طلب منه رجال الجمارك الضريبة على شعير فوافق.. فطلبوا منه أن يدفعها على القمح فوافق أيضًا، ولذلك طلبوا منه الضريبة على فضة ثم على ذهب وموافقته شككتهم، ولذلك فتحوا الصندوق حيث وجدوا السيدة سارة فأهدوها إلى ملكهم سنوسرت الثانى ومعروفة قصته معها عندما هم بها ثلاثًا إلى أن عرف أنها زوجة سيدنا إبراهيم، فأهداها هاقر أو هاجر، التى تزوجها سيدنا ابراهيم بعد ذلك وأنجبت له أبا العرب سيدنا إسماعيل وذهب بها إلى أرض العرب، ومن سارة أنجب سيدنا إبراهيم إسحق الذى ادعى اليهود أنه هو الذبيح وليس إسماعيل كما ورد فى الكتب السماوية، وحرفوا الدين فى تلمودهم الذى يفضح أخلاقهم، أنجب إسحق سيدنا يعقوب والد الأسباط الإثنى عشر وقصته أيضًا معروفة، وحلم سيدنا يوسف ودخوله إلى مصر «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ» سورة يوسف (3- 4) حدث عصر الانتقال الثانى ببدء الأسرة 13 وتمكن الهكسوس من دخول مصر فى عهد الأسرة 15، وكان ذلك بسبب اضمحلال العقيدة عند المصريين وتصارع أمرائهم على الحكم، ولذلك عندما ألقى أخوة يوسف به فى الجب ورجعوا إلى يعقوب بقميصه، وادعوا أن الذئب أكله، وكانت رحمة الله به واسعة، فالتقطته قافلة من التجار وأخذته معها حيث باعته أو أهدته إلى عزيز مصر، وهو بالطبع من الهكسوس رغم تسميه باسم مصرى (فوطيفا رع)، وما اتبع ذلك من قصته مع امرأة العزيز التى تسببت فى سجنه لرفضه إياها، بعد أن رأى برهان ربه، وكان تأويل يوسف للأحلام سببًا فى توليه للوزارة فى مصر، وتعرفه بعد ذلك على أخوته بعد حدوث القحط بفلسطين.

ونكتفى بهذا القدر اليوم ونستكمل فى مقالة تالية حتى نصل سريعًا إلى موضوع الصراع العربى الإسرائيلى.