«ترب اليهود».. منطقة منسية فى قلب الأحياء الراقية
«صرف صحى ومياه شرب وتعليم وأمن وعلاج» أبسط مطالب الأهالى
على بعد عدة كيلومترات من المعادى، يقطن الأغنياء ونجوم المجتمع المصرى، وعلى الجانب الآخر المعادى الجديدة وصقر قريش ومساكن النيابة، حيث الأبراج الفارهة والشقق الفخمة باهظة الثمن، وأسفل الطريق الدائرى المؤدى إلى المدن الجديدة، تكمن كارثة إنسانية بكل المقاييس وهى «ترب اليهود» التى يقطن بها أكثر من مليون مواطن مصرى، وسميت بهذا الاسم إذ كان ومازال يدفن بها يهود مصر وآخرهم هى كارمن وينشتين رئيسة الطائفة اليهودية فى مصر، والتى حضر جنازتها بهذا المكان السفير الإسرائيلى بمصر .
تم تغيير اسم المنطقة من ترب اليهود إلى عزبة النصر وذلك منذ 5 سنوات.
دخلنا المنطقة شوارع مليئة بالأحجار والقمامة ومياه الصرف الصحى، مستنقعات كبيرة تحسبها من الوهلة الأولى أنها ترعة، ولكن فوجئنا بأنها مستنقع لمياه الصرف الصحى مليئة بالحشرات الناقلة للأمراض والأوبئة، وتنبعث منها رائحة كريهة وللأسف يتغذى عليها الحيوانات والخراف والمواشى، وذلك المستنقع توجد به أكبر عدد من مقابر اليهود، فالشوارع مليئة بالحيوانات الضالة وحارات ضيقة لا يتعدى اتساعها مترًا واحدًا حتى الشوارع المتسعة نوعًا ما مغلقة لحساب سكانها.. أطفال يلعبون فى مياه ومستنقعات البرك التى سببها الصرف الصحى ووعود كاذبة من المسئولين منذ الأنظمة الماضية!!
فى بداية دخولنا التقينا بعم حارث عبدالحفيظ 53 سنة، رأينه أمام حيواناته يحرسها خوفًا عليها من السارقين إذ أنها مصدر رزقه الوحيد، يقول عم حارث: «المنطقة هنا من سيئ لأسوأ!! لا أمن ولا تعليم ولا صحة ولا أكننا موجودين وعايشين».. وفجأة انفجر فى البكاء، وقال: ابنى الأول وقف يحرس البيت والحيوانات من البلطجية والسارقين فقتله البلطجية وترك 3 أولاد صغار وأخيه الثانى عندما رفضنا الصلح وارتضينا حكم القضاء والقانون أخذه 3 شباب هنا تحت الكوبرى وقاموا بقتله، ولم يكتفوا فحرقوا جثته حتى تتغيير ملامحه وترك لى طفلان فما ذنب هؤلاء الأطفال ماذا جنا أولادى حتى يضيعوا هباءً، وللأسف فإن المجرمين خرجوا براءة!! وهدأ ثم أكمل كلامه وقال: العشش هنا انتشرت بعد الثورة وطبعًا لعدم وجود الأمن فإن كل عشة بها كارثة فهنا تجار المخدارت والسلاح وأخرى لممارسة الرذيلة وأخرى كمخزن للخردة .
وفى أثناء رحلتنا رأينا «أم مريم» وهى تحمل ابنتيها الصغيرتين خوفًا عليهما من الكلاب الضالة وتعبر بهما مياه الصرف الصحى كأنها تعبر بهم بحرًا كبيرًا!! قالت لنا: «جميع المنازل هنا بلا استثناء غارقة فى مياه الصرف الصحى وتحتها مياه صرف يعنى منتظرين وقوع هذه البيوت، القمامة هنا جبال لا توجد أى سيارات خاصة لنقلها حتى رغم أن الطريق الدائرى يسهل أى نقل إحنا هنا مش عارفين نعيش، الأسعار نار، وكل يوم فى زيادة، البائعين بيستغلوا حالة المنطقة استخدام سيئ، الخبز هنا مش لاقيينه، الرغيف بربع جنيه مفيش عيش مدعم، ومياه الشرب للأسف غير صالحة حتى للتنظيف وكل ما نتوجه للمسئولين يوعودنا، لكن أفلح إن صدق» .
وقالت الحاجة أم محمد 62 سنة: «أنا مولودة واتجوزت هنا المنطقة دى كانت أغلبيتها يهود عشان كدة بقيت فى مقابر ليهم بيندفنوا فيها حتى بعد ما تركوا المنطقة، أى يهودى فى مصر بيدفن هنا لكن المنطقة اتغيرت يعنى الأول المدافن كانت معروفة وكان فى سور بين المدافن والمساكن لكن بعد الثورة الناس حطمت السور من أجل توسعة الشوارع وتتخلص من القمامة، ولم تكن هناك مخلفات وصرف صحى داخل الترب بل إن المجارى تغطى كل مكان والمنازل جميعها آيلة للسقوط».
أما أبو رضوى كان يمشى مصطحبًا ابنته الصغيرة التى تبلغ من العمر 11 سنة، قال: «إحنا هنا مش عايشين مفيش أى مستوى موجود، الناس غلابة أوى، وكل يوم وعود من المسئولين، ولكن زى قلتها، وفى الآخر اضطر الشباب وأهل المنطقة للخروج وقطع الطريق الدائرى يمكن مطالبنا المشروعة تتنفذ، لا يوجد هنا أى مظهر للأمن وأقرب قسم شرطة لينا هو قسم البساتين، بمعنى أن الجريمة تنفذ والقانون فى ضياع، حتى المدارس أقربها على بعد أميال، والمدرسة الوحيدة الموجودة أمام الترب مباشرة ومخازن الخردة والعشش غير أن المدرسة من القليل وجود مدرس بها، أما المستشفى فلا توجد غير عيادة اليوم الواحد وأقرب مستشفى توجد بالمعادى».
واستكمل عبدالجواد 40 سنة، قائلًا: «مشكلة الكهرباء كارثة بكل المقاييس من يصدق أنه توجد منطقة بالقاهرة الآن لا توجد بها كهرباء، نحن نعيش على سرقة الكهرباء وكل ما نتوجه لحى البساتين ونطلب تقديم أوراق لإدخال الكهرباء نسمع جملة واحدة (الحى قافل الكهرباء) يعنى إيه؟! نفسى حد يعرفنا يعنى إيه، حتى الكابلات المسروقة كلها أرضى غرقانة فى مياه الصرف الصحى، مما يعرض المنازل لخطر الكهرباء وكل هذا بعلم حى البساتين» .
قالت نسمة محمد: «مفيش أى مظهر للأمن هنا يعنى منعرفيش نخرج بعد العصر، كمان أى بنت بتخرج بتنخطف، وهى ونصيبها البلطجية هنا كتير لكن مش من أهل المنطقة، ففى الأسبوع الماضى اختفت فتاة 18 سنة وبعد يوم كامل من البحث وجدناها ملقاة فى ترب اليهود على القمامة والصرف الصحى ويديها مقطوعة، وعلمنا بأن مجموعة شباب خطفوها وسرقوا شنطتها وحاولوا يجردوها من شبكتها ولما فشلوا قاموا بقطع يديها، غير كدة أكتر بنات المنطقة بيخرجوا من المدارس ويتركوا التعليم عشان المدارس بعيدة».
أما"جمال الحبشى صاحب أحد المقاهى بالمنطقة، قال: «أنا أمتلك عمارة بنيتها من تعبى وجهدى فى سنين غربة ودلوقتى العمارة مهددة بالانهيار لأن مياه الصرف الصحى تحتها يعنى أساسها تآكل وجدارنها تشققت، يعنى كل فلوسى راحت على الأرض، وعندما أتوجه للحى يقولوا (زيك زى الناس) فهم معترفين وكذا يشيرون إلى أن المعترض عليه مغادرة المنطقة».
ومع مجموعة من المواطنين يقومون بنزح مياه الصرف الصحى الطافحة من أمام منازلهم قالوا لنا: «ما نحن فيه ليس بجديد فنحن ضحايا نظام انتهى ونأمل أن يتغير الحال!!».
وصرخ فى وجهنا أحد السكان، قائلًا: ابنتى الوحيدة تعانى من الربو نتيجة رائحة الصرف الصحى التى لا يطيقها حتى الحيوان بجانب ذلك حساسية جلدية نتيجة الناموس والباعوض وفى كل مرة تحدث لها حالة الاختناق أجرى بها إلى مستشفى المعادى عشان هنا مفيش أى مستشفى ولا دكتور، وأنا منتظر فى أى لحظة موت بنتى بسبب الإهمال ».
فى حين قالت بشرى نبيل، 45 سنة: «لقد قام أولادى بتكسير جزء من حائط الترب لنتخلص من مياه الصرف الصحى الطافحة أمام وتحت المنازل، ونحاول بيع البيت لكن للأسف مين هيشترى هنا، وفى بيوت كتير أصحابها هجروها بسبب مياه المجارى الطافحة ومياه الشرب غير الموجودة والأمن المنعدم والكهرباء المسروقة، إحنا أصلًا عايشين ميتين!!».

