جريدة الزمان

مقالات الرأي

الثانوية العامة ليست هامة

ماهر المهدي -

ليست الثانوية العامة هامة بكل تأكيد، وإن لم يتفق البعض معى، وله ما يشاء، فالثانوية عامة هيصة وخلاص ودوشة وخلاص وفلوس مالهاش آخر ترهق الناس وتشل حياتهم، وبلا هدف واضح.

والسبب فى عدم أهمية الثانوية العامة معروف لنا جميعا ونصب أعيننا طوال الوقت، ولكننا نتصرف بقدر من المبالغة كأننا فى فرح مدفوع التكلفة وعلى حساب عالم آخر وليس على حساب الناس ومن قوتهم اليومى ومدخراتهم الأساسية للمستقبل فى بعض الأحيان.

فالكل يصارع صراعا رهيبا ويعيش فى معسكر من الحزن ومن الهم ومن الكمد قى البيوت وعلى صفحات الجرائد وفى وسائل الإعلام، مع أن الكل يعلم أن المستقبل ليس مرتبطا بالثانوية العامة أبدا.

فليس المستقبل مرتبطا بكون الإنسان طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو صيدليا أو محاسبا على الإطلاق، ولكن المستقبل يرتبط ارتباطا وثيقا بجهد الإنسان وكفاحه الصادق وأمانته واجتهاده فى عمله أيا كان العمل ومدى حبه للناس ومدى إقباله على الحياة ومدى إقبال الناس والحياة عليه.

إن الثانوية العامة طريق البعض من الناس وليست طريق كل الناس بالطبع، فلماذا يصر الكل على حشر أنفسهم فى عنق أزمة ويعذبون أنفسهم ويعذبون من حولهم؟ هل الجميع يحب الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة والمنطق والجغرافيا والتاريخ؟ بالطبع لا.

هل الجميع يستطيع أن يفهم تلك المواد وأن يستوعبها؟ بالطبع لا.. هل الجميع يطمح إلى عمل فى الحياة يقوم على فهمه لمثل هذه المواد العلمية والأدبية والفلسفية؟ بالطبع لا، وإلا فمن أين تمتلئ الكافيهات والمطاعم وأشغال التاكسى وأشغال الموبيل وتجارة الموبيل وأعمال أخرى كثيرة بحملة المؤهلات العليا؟ ليس لأنهم لم يجدوا عملا فى مجالاتهم التى حصلوا فيها على الدرجة العلمية المزعزمة، ولكن لأنهم لا يمتلكون المستوى المطلوب للاشتغال فى تلك المجالات.

فممارسة العمل فى الحياة تتطلب قدرات معينة وليس فقط مجرد الإلمام الطفيف أو المعدوم بالنواحى المعرفية المطلوبة، والكثيرون من الخريجين يمرون من الجامعة بدرجة مقبول، ومع الاحترام لهذا التقدير، فهو لا يكفى - فى مهن كثيرة– لتأهيل صاحبه للعمل فى رحاب تلك المهن والتجاوب مع متطلباتها والارتقاء فى سلمها إلى أعلى.

فتقدير مقبول يشير إلى مستوى ضعيف فى مواد كثيرة، ويشير إلى قدرات متواضعة بصفة عامة فى مجال الدراسة المعنية، وإن كان تقدير مقبول لا يعنى أن صاحبه لا يصلح لممارسة المهنة على الإطلاق، ولكنه قد يحتاج إلى الكثير والكثير من الجهد.

إن الثانوية العامة لا تبحث عن القدرات العالية لدى الطالب ولا تبحث عن مواهب الطالب لتبرزها وتقدمه إلى الدراسة التى تسعده وتستفيد من قدراته، ولكن الجميع يسير جنبا إلى جنب فى مسيرة غريبة تضم المناسب وغير المناسب، ليكون الجميع محل ظلم وضيق بلا معنى وبلا هدف.

فالمناسب أولى بالوقت وبالجهد المبذول مع غير المناسب، وأولى بالفرص المهدرة على غير المناسب مع الاحترام للجميع، وغير المناسب يعانى ظلما وضيقا، لأنه يهدر وقته فيما لا يحب ويسير فى طريق قد لا يصل به إلى ما يحب ويضيع وقته سدى، ناهيك عن الحرج وعن وصمة الفشل المحتمل.

فلماذا يصر الجميع على التدفق على الثانوية العامة كالجيوش ليعانى ويعانى من حوله، بينما يستطيع أن يسعد فى مكان آخر؟ وفى الحياة كثيرون ومهن كثيرة ناجحة ماديا وأدبيا ولا علاقة لها بالثانوية العامة.

أذكر أن شخصا حضر إلىّ بتوصية من صديق من أجل التدخل لابن الرجل الطيب حامل التوصية لدى إحدى الشركات الهامة والشهيرة فى دولة ما ليعمل فيها الابن حديث التخرج، وقد وفقنا الله إلى توصية إحدى الشخصيات داخل الشركة ليتيح للابن فرصة التقدم إلى إحدى الوظائف الشاغرة التى سبق للشركة الإعلان عنها وتم المراد، ولكن الرجل حامل التوصية عاد إلىّ فى الأسبوع التالى ليشكو إلىّ من رفض الشركة لابنه، لأعاود الاتصال بالصديق المحترم الذى احتار أدبا ليبلغنى بأن الشركة امتحنت الابن فى أساسيات دراسته العلمية وفى اللغة الإنجليزية ووجدت أن الشاب لا يكاد يعرف شيئا عما درس ولا يكاد يعرف شيئا عن الإنجليزية ورفضته بالطبع، وهذا مثال على أن المزاحمة والزحام المفتعل على الثانوية العامة لا يمكن أن يصل بالناس إلى ما يتمنون إذا لم يكونوا أهلا له.

إن الثانوية العامة ليست هامة، وليست الحياة تمثيلية تؤدى بنا إلى نيل المراد ونحن نهرج ونتظاهر بأننا هذا وذاك بما ليس فينا، وإنما الثانوية العامة مرحلة دراسية متوسطة ولا تزيد على ذلك، فمن استطاع أن يخطو بعدها فليخطو إلى الأمام موفقا، ومن لم يستطع أو لم يحب أن يخطو إلى ما بعد الثانوية العامة فليست هناك مشكلة ولن تقع السماء على الأرض ولن يضار أحد فى العالمين أبدا.

ومن رفض الثانوية وسكتها فله ما أراد ووفقه الله وأسعده لأنه إنسان صادق وواعٍ ولا يهوى التظاهر بما ليس فيه، حفظ الله مصر دولة مدنية يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.