جريدة الزمان

مقالات الرأي

ماهر المهدي يكتب-السر الأخير فى قصة الزواج

بقلم: ماهر المهدي -

ربما أصبح موضوع الزواج موضوعا غريبا ومتأرجحا بين الضحك والبكاء، فمن الحقائق أن شر البلية ما يضحك، فهناك متتناقضات كثيرة فى قصة الزواج العجيبة، وهناك صعوبات كثيرة ومشاكل بلا حصر وبلا عدد قبل وبعد الزواج، وبعد الطلاق وأثناء الحياة، وحول موضوع الزواج وسيرته فى مصر، بحيث قد يصبح من اللا معقول أن يكون المرء عاقلا ثم يفكر فى الزواج، إذ من العقل أن يبتعد العقلاء عن الزواج ومصائبه الكثيرة التوالد ودائمة الانفجار، فرغم كل التحذيرات ورغم كل القصص التى سمعها الناس وما زالوا يسمعونها فى قصة الزواج ومجايبه الغريبة، إلا أن الناس ما زالوا يحلمون بزيجة سعيدة مليئة بالتبات والنبات والبلح الأمهات وبعيد عن كل المشكلات والمنغصات، وربما منى بعض الناس أنفسهم بالسعادة اعتقادا فى أنهم أذكى وأنصح من سابقيهم، وحبا فى الإيمان بقدرتهم على تجاوز العقبات أحيانا، وثقة فى قدرتهم على استيعاب الغرباء وبذل السماح لمن تاب والعفو عمن يخطئ ويعود إلى جادة الصواب أحيانا أخرى، والبعض لا يفكر فى شيء ولا يسمع لأحد قط، ويفضل أن يسير فى طريقه إلى الحفرة المنتظرة بفاهٍ مفتوح ليقع فيها وهو يقهقه من الضحك على خيبته فى الحياة وفى تفادى تلك الحفرة البائسة التى ابتلعته لتوه ولخبطت حياته، مثلما يلخبط الخلاط البيض فى دورات سريعة ويكسر رأسه ويغير ملامحه.

البعض أيضا يساق إلى حفرة الزواج مرغما - بشكل أو بآخر– سواء بسلطة التقاليد أو بتسلط الأهل أو لفريضة العمل، أو لحاجة السفر، أو لحاجة الوظيفة، أو لحاجة فى نفسه لا يعلمها إلا الله، ولكنه يدرك كم أخطأ عندما يفيق وهو فى قاع حفرة الزواج، أو وهو يصرخ مستغيثا بمن يخرجه منها.

إن الزواج فى مصر حقيقة مزعجة وتزداد ازعاجا كل يوم، مرة على أيدى الأهل، ومرة على أيدى الظروف، ومرة على أيدى العيشة وأحوالها المتقلبة، ومرة على أيدى المنادين بحقوق المرأة، ومرة على أيدى المولولين على حظ المرأة، ومرة على أيدى المستفيدين من إفساد كل شيء، ومرة على أيدى جماعات المصالح المرتزقة فى كل اتجاه، ومرة على أيدى المرأة التى لا تعرف من هى ولا ماذا تريد ولا إلى أين هى ذاهبة، ولا ماذا يريد منها المجتمع، ولا ماذا تستطيع هى أن تتحمل، ولا تعرف الأفضل لها، ولا تعرف أية طريق تأخذ، فرغم أن المرأة نصف الحياة ونصف المجتمع، إلا أنها فى الواقع تظهر فى مظهر من لا يعرف شيئا عن الحياة تارة، وتظهر فى مظهر الطماع طمع الغيلان والحيتان والإنس والجان، وتارة تظهر فى مظهر المتمرد على كل شيء اللا مبالى بشيء ولو مهما حدث ولو مهما كانت النتيجة ولو صار ما صار وقلبت الدنيا رأسا على قلب وهدمت الدار.

 وتارة تظهر المرأة فى مظهر المستضعف المنهوب الحق المسلوب الإرادة بما لا يعكس الحقيقة ولا يقاربها إلا فى حالات بسيطة، ولكنها لا تمل فى لعب لعبة المستضعف الأذلية والتى مازالت للأسف تخدع البعض أحيانا وتجره إلى الافتئات على حقوق الغير ومساندة طرف جائر ولا ضمير له أصلا، فالأمور الآن قد تبدو أكثر اختلاطا من ذى قبل، بحيث أصبح بعض الناس يخلطون بين الشطارة وبين النصب ويتجاوزون الحق إلى الاعتداء بالإثم ويباهون بذلك ويراوغون ويطئون مناطق لا يطأها إلا مجرم أحيانا، بينما هم يرسمون ابتسامات الزيف ويرتدون الألقاب المختلفة التى يحصدونها بالكذب وبالواسطة وبالرشوة، ويضعون أقنعة زائفة تخفى وجوه الشياطين وتلمع كالذهب المغشوش.

إن الزواج فى مصر مشكلة كبيرة لا يعكسها إلا ما صرح به المجلس القومى للمرأة منذ أسابيع من وقوع حالة طلاق كل دقيقتين، ولا يعكسها إلا محاولة المناصرين لحقوق المرأة التى لا نهاية لها - حتى تصبح المرأة رجلا - الاستقواء بسلطات للإغارة على حقوق الرجل، ولو كانت مشروعة ولو كانت حقوقا لا يمكن المساس بها أصلا من أية جهة كانت، لأنه لا سلطة لمخلوق فيما سنه الخالق وارتضاه.

إن السر الأخير فى قصة الزواج الحزينة فى مصر قد يتلخص فى كلمات قليلة، إذا أراد المرء النجاة وتفادى حفرة الكوميديا السوداء، وتفادى المآتم والمحاكم.

 فإن أردت النجاة مع الناجين، فلا تتزوج مصرية ولا تتزوج عربية فى الوقت الراهن، لأننا قد نكون فى مرحلة تحول وتشكل جديدة ولم تتضح معالمها تماما بعد، فان فعلت فأنت تعرف مصيرك مقدما، وحظا سعيدا فى حفرة الهناء والسعادة، حفظ الله مصر دولة مدنية تساوى فيها الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.