جريدة الزمان

مقالات الرأي

محمد خلف يكتب.. «أضرار الجار» العلة والعلاج

-

لم يعرف المشرع حق الملكية بل اكتفت بالإشارة إلى السلطات التي يخولها هذا الحق لصاحبه، وهي حق الاستعمال وحق الاستغلال وحق التصرف على نحو ما ورد بالمادة 2 8 مدني، والتي نتص على -لمالك الشيء وحده.. في حدود القانون.. له حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه- كما أن المادة المذكورة تشير إلى إحدى خصائص هذا الحق، وهي كونه حقًا مقصورًا على صاحبه لا يزاحمه أحد فيه.

و يعتبر حق الملكية من أهم الحقوق المالية على الإطلاق، واهتمت المجتمعات منذ القدم على إفراد التشريعات لحق الملكية والاهتمام به، وقد تطور حق الملكية من اعتباره حقًا فرديًا مطلقًا؛ ليكون حقا له وظيفة اجتماعية، ويمكن فرض بعض القيود على هذا الحق سواء للمصلحة العامة أو لمصلحة خاصة أولى بالرعاية من مصلحة المالك .

وأهم صور تلك القيود هي المسئولية عن مضار الجوار غير المألوفة، و هي مسئولية نص عليها المشرع لأول مرة في القانون المدني الحالي في المادة 807، لما كان من المقرر أن حق الملكية ليس حقًا مطلقًا، بل هو مقيد ومحكوم بالقوانين واللوائح، فيبغي على المالك مراعاة القوانين واللوائح أثناء استعماله لحق الملكية.

فإذا أخل بالإلتزامات القانونية التي فرضت عليه، فإنه يكون قد ارتكب خطأ يستوجب عنه المسئولية التقصيرية ويلتزم بتعويض جاره المضرور .

و يستوي في ذلك أن يكون يكون الضرر مادية أصاب الجار في مصلحة مالية، أو معنوية بأن يؤذيه في شعوره، و وجدانه ومثل ذلك أن يدير المال محلًا مقلقًا أو مضرًا بالصحة العامة دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة ودون مراعاة الاشتراطات والاحتياطات التي تقررها القوانين واللوائح، فإذا ترتب على ذلك إضرار للجار فإنه يكون قد ارتكب خطأ وفقًا للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية، وتتوافر تلك الحالة من المسئولية في الشخص الذي يدير آله بخارية دون الحصول على رخصة إدارية و صدر عنها أدخنة كثيفة أو ضوضاء عالية، فإنه يكون قد ارتكب خطأ تسبب في الإضرار بالجار مما يستوجب قيام المسئولية.

 ومثال آخر للمالك الذي يقيم مباني دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة فتتسبب في إضرار للعقار المجار كالشروخ والتصدع ففي تلك الحالة تقوم أيضًا مسئولية المالك لعدم حصوله على ترخيص ومراعاة اشترطات المباني، وتتسع صور المسئولية التقصيرية على المالك لتشمل صورة أخرى، إذ قد لا يرتكب المالك مخالفة للقوانين و اللوائح أنه يخرج على مقتضيات القواعد العامة و بأن ينحرف في استعمال حق الملكية عن سلوك الشخص المعتاد.

 فإذا تسبب هذا الانحراف في الإضرار بالجار، فإنه يكون مسئولًا مسئولية تقصيرية في حدود القواعد العامة، ومثال تلك الحالة إشعال النيران في بعض المخلفات فتتطاير النار إلى ملك الجار وتحرق بعض الممتلكات، و كذلك إحداث ضحيج و ضوضاء شديدة بالليل تتسبب في قلق الجار وعدم حصوله على قسط من الراحة.

ومثال ذلك أيضًا أن يستعمل المال عقاره المخصص في السكن في حي هادئ، في إقامة الحفلات الصاحبة والرقص فينحرف بذلك المالك على سلوك الشخص المعتاد ويتسبب هي إضرار للجيران المجاورين له، وبالتالى تنشأ المسئولية التقصيرية وذلك لخروج الشخص على الاستعمال المعقول لملكه، وينحرف على السلوك الطبيعي مما يتسبب في إضرار  للجيران مهما قل هذا الضرر .

و من ثم.. لا يجوز أن تتخذ الحقوق وسيلة للضرار بالناس، وإنما يجب أن يكون استعمالها مقيدًا بعدم الإضرار بالجماعة أو الفرد.

كما يوجد في الفقه الإسلامي من القواعد الكلية ما يدعوا إلى منع الإضرار ودرء المفاسد كقاعدة "لا ضرر و لا ضرار" و ما يتفرع عنها من قواعد، وقاعدة "درؤالمفاسد أولى من جلب المنافع".

ومن ثم فإذا قام الجار بالإضرار بملك جاره بأي شكل من الأشكال فإنه يكون ملزم بإزالة أسباب الضرر أيًا كانت مثل هدم حائط يمنع عن الجار النور والهواء أو يحجب عنه رؤية البحر أو حيقة مجاورة بل أن قد يلتزم بدفع تعويض إذا تسبب ما قام به الجبار بإضرار مادية للجار .

ويفرق القضاء بين المضار التي يمكن أن يتحملها الجار وهي الإضرار العادية أو المألوفة وبين الأضرار غير المألوفة أو الأضرار الفاحشة، فلا تنشأ المسئولية في حالة أضرار  الجوار المألوفة؛ لأن تمثل قدرًا من الأضرار التي يلتزم الجار بتحملها بسبب ظروف الجوار، ولكن تنشأ المسئولية في حالة الأضرار غير الطبيعية وغير المألوفة.

ويراعى القضاء عوامل أخرى تسبب في تحديد نوع الضرر وهي موقع العقار وطبيعة الموقع الجغرافي وفالأضرار الحالة في حي صناعي أو شارع تجاري تعتبر مألوفة في هذا النطاق بينما تكون ضرر غير مألوفة في حي هادئ أو شارع سكني على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار .

وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف، على أن يراعى في ذلك العرف، وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر، والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق .

و تنص مادة 807

"على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف، على أن يراعى في ذلك العرف، وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر، والغرض الذي خصصت له  ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق.