جريدة الزمان

مقالات الرأي

الجوازة دي مش لازم تتم

-

«الجوازى دى مش لازم تتم»، هو عنوان لواحد من أهم أفلام النجم المحبوب حمدى حافظ – حفظه الله وأتم عليه صحته - التى أنتجها وحققت نجاحا كبيرا فى حينه، فتدور أحداث الفيلم حول زيجة تعقد على يد مأذون فى حالة سكر ورطته فيها امرأة شريرة لتتزوج من شاب ثرى، طمعا فى مال الشاب الثرى. ولست هنا بصدد إلقاء الضوء على فيلم قديم، ولكن ما خصنى هنا هو عنوان الفيلم وفكرته التى تتناول مشكلة كبيرة ما زلنا نعانى منها ودون حل حتى الآن.

الفيلم يسلط الضوء على مشكلة من مشاكل الزواج فى مصر وركن من أركانها، وهو المأذون صاحب الدور العظيم فى توثيق واقعة الزواج التى قد تصير موقعة حربية وحربا شعواء تحت لواء الأسرة وبعيدا عن المحبة وعن الاستقرار والسعادة وأحلام الطامحين إلى حياة هانئة أو موفقة وخلاص، لا سوبر لوكس ولا حتى كاملة التشطيب، فشر البلية ما يضحك فى هذه الدنيا، وخاصة فيما يتعلق بمصيبة الزواج التى ابتلى بها البشر، لتكون فرحا ويمانا أو حزنا وامتهانا حتى تنفك عقدة الزواج ويروح كل إلى حال سبيله وبعيدا عن الزواج وطريقه الذى قد لا تحب أن تسلكه مرة أخرى بعد الخلاص من الحرب الزوجية الحارقة وآثارها عليك وعلى حياتك.

الحقيقة المكررة أن الزواج نعمة طبعا ولا شك – رغم ما يكتنفه من صعوبات الحياة الطبيعية التى تتعلق بالتعايش والتفاهم والتغلب على العقبات التى تواجه الزوجين – ولكنه أصبح مسرحا فى يومنا هذا  لكثير من الروايات الفاشلة ولكثير من المشاوير المبتورة والحلول الغائبة وما إلى ذلك - بحيث لا يمكن لأحد أن يغفل ذلك أو يتغافل عنه، فلا توجد حلول فى قصة الزواج حتى الآن، فهى قصة تقبل المزيد من التعقيد فى بلدنا – وربما فى بلاد العالم كله - ولا تقبل الحلول، أو هكذا تبدو، وعدم قبول مشاكل الزواج والمتزوجين للحل – لكونها مشكلة ذات طبيعة مركبة ومعقدة، ولتدخل الكثيرين بالتأثير فيها لصالح الرجل مرة ولصالح المرأة مرة، على طريقة «كل واحد وعزوته بقى واللى يقدر عليه فيما يبدو»، فكل القواعد يضعها بشر أو يطبقها بشر، وللبشر آراء وميول، وفى قلوبهم حب وكره وإيثار وبغض، وقد لا يحل فى قلوب البشر عدل وميزان لا يخطئ أبدا، ولذا تميل الأمور – على هذا المنوال – تارة إلى هذا الجانب وتارة إلى هذا الجانب، ولكن السؤال الذى يلح علينا دائما هو: ألا توجد حلول أبدا؟ ألا توجد ما قد يسهم فى سير الحياة الزوجية بشكل أفضل، ويحد - ولو قليلا - من مشاكلها من أى جانب؟

إن تنظيم المجتمعات الكبيرة اليوم والارتقاء بها فى سلم الحضارة والتحضر عمل عظيم الجهد وعظيم المشقة، ولكنه لا يتم فى أيام قليلة ولا يستجيب فى ساعات للتطور والرقى، فكل تطور وكل ارتقاء قد يحتاج إلى دراسة وإلى تقييم وإلى مراعاة كثير من العوامل الداخلية الوطنية وغير الوطنية أو الخارجية أحيانا، وإلى إعمال الأولوية فى قائمة الأهداف المطلوب تحقيقها، وإلى تحرى الظروف المناسبة للنظر فى ما قد يدخل على ما هو جارٍ ومطبق بالتعديل أو التغيير أو بالإضافة أو بالحذف أو بالإلغاء وما إلى ذلك من أساليب التغيير، ناهيك عن مراعاة الهدف الدائم من حماية الاستقرار فى المجتمع، وقد عبر كثيرون ربما عن أملهم فى إلغاء نظام المأذونية المتبع إلى الآن، لما قد يشوبه من عيوب تؤثر على حياة الناس لاتصالها بالزواج والطلاق وما قد يتصل بهما من مسائل، وقد سبق لى أن اقترحت - ربما فى أكثر من مقال لى - أن يتم عقد الزواج أمام المحكمة المختصة، وأن يتم كل ما يتعلق بالزيجة أمام تلك المحكمة دون أن يترك شيئا منها للاتفاق العرفى بين الناس، فيتم الاتفاق أمام المحكمة على كل شيء والتراضى أمامها على كل شيء وعلى كل بند من بنود العقد، فلا كمبيالات ولا شيكات على بياض ولا قائمة منقولات صورية وملفقة ولا ابتزاز، وبذلك قد تنحصر كثير من مشاكل الزواج وخلافاته انحصارا كبيرا.

وبذلك قد يرتدع كثير من اللاعبين بأمور الزواج، وقد يخاف كثير من المتلاعبين بحقوق الناس، وتخف مؤامرات الزواج للاستيلاء على أموال الناس بالباطل وبسيف الحياء، وتخف الضغوط على المحاكم بالقضايا الكيدية قبل القضايا الحقيقية التى تحتاج إلى معالجة القضاء لها، وتحتاج إلى وقت القضاء وإلى اهتمامه القيم.   

إن كل عمل إصلاحى لا يتم فى يوم وقد لا يتم سريعا، ولكن الأمل أن يتم النظر فى الإصلاح فى أقرب وقت ممكن، إنقاذا لحياة الناس ولحقوقهم، ودعما لقيمة اجتماعية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها فى هذه الدنيا المضحكة من هول المصائب وكثرتها، وهى الزواج، حفظ الله مصر، ووفق رئيسها إلى الخير.