جريدة الزمان

مقالات الرأي

مصر والهجرة إلى جنوب السودان.. ومنها إلى أفريقيا

محمد عبد المنصف
بقلم: محمد عبد المنصف -

على مدى عقود طويلة، تواجد المصريون بكثافة في الخليج العربي، ودول الاتحاد الأوروبي، فيما ندُر تواجدهم داخل دول حوض النيل، ربما لانعدام الاهتمام الإعلامي بنقل الصورة الحقيقية عن تلك البلاد، وتركيزه على نقل الصورة السلبية دون النظر للجانب المضيء.

 ونظرًا لتولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي مطلع العام المقبل، فإننا أمام فرصة تاريخية ينبغي استثمارها للعودة إلى الجذور، فقد خلق الله مصر أفريقية جغرافيًا، وجعلها جزءًا من حوض النيل، ولكن تواجدنا فيها انقطع دون سبب منطقي، سواء لجهلنا بطبيعتها أو لعدم تأهيل شبابنا على الأسلوب الأمثل للتعامل مع تلك الشعوب.

والواقع أن دولة جنوب السودان التي أعلنت انضمامها للأمم المتحدة في يوليو 2011 عانت من ويلات الحرب الأهلية، على مدى خمس سنوات بين عامي 2013 و2018، قبل أن توقع اتفاق سلام خلال شهر سبتمبر الماضي بين الحكومة وحركة التمرد المناوئة، ليفتح الباب أمام مشروعات التنمية التي انتظرها أهلنا في جنوب السودان.

 ونظرًا لأن جنوب السودان دولة نفطية حيث تنتج نحو 350 ألف برميل يوميا، فمن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مشروعات تنموية في الدولة الوليدة، في قطاع البنية الأساسية وخاصة مشروعات إنشاء طرق «برية – نهرية – جوية»، والكباري، ومشروعات توليد الطاقة الكهربائية بأنواعها الثلاثة الكهرومائية والحرارية والشمسية، ومشروعات النقل للبضائع والركاب.

كما ستحتاج لإقامة بنية أساسية في التعليم والصحة، وستنشئ شبكة قومية لتوصيل مياه الشرب النقية التي لا تصل إلا لنحو 10% فقط من السكان، بالتوازي مع أهم عنصر في معادلة التنمية وهو القطاع الزراعي، حيث تقدر الأراضي الصالحة للزراعة بنحو 85.7 مليون فدان لا يستفاد منها سوى بنحو 5% فقط.

 يضاف إليها الصناعات التي يمكن أن تقوم على الزراعة، وفي مقدمتها صناعة وإنتاج السكر، والعصائر، وتعليب الفاكهة والخضروات، والصمغ، وصناعة الصابون، وصناعة النسيج والملابس، وتصنيع الورق، وصناعة الزيوت، ودباغة الجلود، والصمغ العربي، والنفط.

ومن المؤكد أن كثيرًا من دول العالم سوف تسعى للتواجد في الدولة الحديثة للاستثمار على أرضها وتحقيق مصالح متبادلة معها، فأين مصر من تلك المعادلة؟.

وعندما أعلنت الدولة استقلالها أسرعت الصين بإنشاء معسكر لأبنهائها حققت من خلاله طفرة في التبادل التجاري، بينما غابت مصر عن المشهد التجاري، وفي هذه المرة يجب ألا تغيب مصر عن المشهد، غير أن ذلك يتطلب وجود مظلة حكومية للمستثمرين المصريين هناك على غرار شركة النصر التي أنشئت في حقبة الخمسينيات، لأن تركهم بمفردهم يواجهون التحديات التي تعترض أي مشروعات يقومون بها ستنتهي حتما إلى الفشل.

والأهم هو تأهيل الشباب المصري قبل السفر للعمل، فلكل شعب عاداته وتقاليده التي لا يمكن تجاوزها بل لا بد من تفهمها للتعامل معها، مثلما تشترط الصين على أبنائها الحصول على دورة مدتها ثلاثة أشهر يتم خلالها دراسة جغرافية البلد وعادات شعبه، ونقاط التلاقي والاختلاف مع المواطنين يضاف إلى ذلك نبذة عن اللغة كي يجيد التعايش مع أهل البلد.

المواطن المصري حقق نجاحًا في الخليج لاشتراكه معهم في اللغة، ونجح في أوروبا لأنها موطن الحضارة التي تتفق مع طبيعة دراسته طوال المراحل التعليمية، أما جنوب مصر فلم تحظ بنفس الأهمية في الدراسة ولا في وسائل الإعلام، ولا بد من تأهيل فكري لأبنائنا قبل سفرهم إلى هناك كي يكون «مُرحَّبًا بهم من قبل أهل البلد الذي سيعيشون  فيه.