جريدة الزمان

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

دعوة‭ ‬إلى‭ ‬عدل‭ ‬عمر‭ .. ‬وما‭ ‬سواه‭ !!!!! ‬

-

الحلقة العاشرة 

 

ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أناس‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬ترهم‭ .... ‬ما‭ ‬أروع‭ ‬أنك‭ ‬تسبر‭ ‬أغوار‭ ‬نفوس‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬تقابلهم‭ ... ‬ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬تتعانق‭ ‬روحك‭ ‬مع‭ ‬أرواح‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬تصادفهم‭ .... ‬

 

ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬القريبين‭ ‬منك‭ .. ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أبعد‭ ‬البعيدين‭ ‬عنهم‭ ... ‬ويا‭ ‬للروعة‭ ... ‬حيث‭ ‬تراهم‭ ‬وتسبر‭ ‬أغوارهم‭ ‬وتعانق‭ ‬أرواحهم‭ .. ‬الآن‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ... ‬على‭ ‬مر‭ ‬الليالي‭ ‬والأيام‭ ... ‬

 

تسمع‭ ‬أصواتهم‭ .. ‬تتلمس‭ ‬أقدامهم‭ ... ‬تستشعر‭ ‬أنفاسهم‭ ... ‬فتتحدث‭ ‬عنهم‭ ... ‬وكأنك‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬تعيدهم‭ .. ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬معك‭ ‬وحدك‭ ‬فقط‭ ... ‬وإنما‭ ‬تعيدهم‭ ‬ليتعايش‭ ‬معهم‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬حولك‭ ‬في‭ ‬زمانك‭ ... ‬

 

ويا‭ ‬للروعة‭ .. ‬حين‭ ‬يكونوا‭ ‬رجال‭ .. ‬صدقوا‭ ‬ما‭ ‬عاهدوا‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ .. ‬حيث‭ ‬تساعدهم‭ ‬ذكراهم‭ ‬في‭ ‬ذكرهم‭ ... ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تتأسى‭ ‬علي‭ ‬رجال‭ ‬في‭ ‬زمانك‭ .‬‭. ‬أهدروا‭ ‬معان‭ ‬واغتالوا‭ ‬ثوابت‭ ... ‬ومزقوا‭ ‬قيم‭ .. ‬وزرعوا‭ ‬فتن‭ .. ‬فكانوا‭ ‬للأوطان‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭ .. ‬نقاط‭ ‬سوداء‭ ... ‬تلزمنا‭ ‬باستدعاء‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي‭ .. ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الشرف‭ !!! ... ‬وأي‭ ‬شرف؟؟؟‭!! .. ‬شرف‭ ‬الأحرار‭ ... ‬شرف‭ ‬الحكام‭ .. ‬النبلاء‭ .. ‬الفرسان‭ .. ‬شرف‭ ‬القائد‭ ‬المغوار‭ ... ‬

 

وبعد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلي‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮»‬‭ ... ‬ترك‭ ‬لنا‭ ‬قائدا‭ .. ‬حاكما‭ .. ‬شريفا‭ .. ‬نبيلا‭ .. ‬فارسا‭ .. ‬تفوح‭ ‬رائحته‭ ‬دوما‭ ‬بين‭ ‬الليالي‭ ‬والأيام‭ ... ‬لتعبق‭ ‬الزمان‭ ‬حين‭ ‬يئن‭ ‬لحظة‭ ‬تحول‭ ‬حكام‭ ‬أو‭ ‬قادة‭ ‬إلى‭ ‬أقزام‭ ... ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬هكذا‭ ‬وقد‭ ‬خدعونا‭ ‬باحكام‭ ... ‬

 

تكون‭ ‬الاستعانة‭ ... ‬بابن‭ ‬الخطاب‭ .. ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ... ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬علينا‭ ... ‬ليطهرنا‭ ‬من‭ ‬عارهم‭ ... ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يعز‭ ‬علينا‭ ‬فيه‭ ... ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬يتصدي‭ ‬لهم‭ ... ‬

 

لنعلي‭ ‬نحن‭ ‬ذكراه‭ ... ‬بإعلاء‭ ‬ذكره‭ ... ‬ليتنا‭ ‬نعيد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬زمن‭ ‬الرجولة‭ ... ‬زمن‭ ‬الشهامة‭ ... ‬زمن‭ ‬الشرف‭ ... ‬زمن‭ ‬الإنسانية‭ .. ‬زمن‭ ‬القوة‭ ‬وإنما‭ ‬العادلة‭ ... ‬زمن‭ ‬الكلمة‭ ‬وإنما‭ ‬الراجحة‭ .. ‬زمن‭ ‬القرار‭ ‬وإنما‭ ‬الحكيم‭ .. ‬

 

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الخيانة‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الغدر‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬النفاق‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرياء‭ ... ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الديكتاتورية‭ .. ‬

 

أسطر‭ ‬كلماتي‭ ‬وتقطر‭ ‬أسي‭ ‬وألم‭ ‬وحزن‭ ... ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬تركيا‭ ‬الحبيبة‭ .. ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬دماء‭ ... ‬مسلمين‭ ‬غاليين‭ ... ‬هم‭ ‬بقايا‭ ‬لدولة‭ ‬رفعت‭ ‬لواء‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬طويلا‭ ... ‬فزادوا‭ ‬من‭ ‬همومي‭ ‬أيهم‭ ‬أنعي‭ .. ‬على‭ ‬من‭ ‬أبكي‭ ‬عليهم‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ... ‬أم‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ... ‬زم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬العراق‭ ... ‬أم‭ ‬غيرهم‭ ‬وهم‭ ‬كُثر‭ .... ‬

 

تركياالتي‭  ‬ينال‭ ‬منها‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام‭ ‬اليوم‭.. ‬انتقاما‭ ‬من‭ ‬شرفها‭ ‬في‭ ‬نضالها‭ ‬الذي‭ ‬أذلهم‭ ‬طويلا‭ ‬لقرون‭ ‬مضت‭  ... ‬واليوم‭ ‬تلقى‭ ‬هتفها‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها‭ ‬الذي‭ ‬تلفظه‭ ‬أرضها‭ .. ‬ويتنكر‭ ‬منه‭ ‬شعبها‭ .... ‬ويستَعِر‭ ‬منه‭ ‬شرفها‭ ... ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كشف‭ ‬سترها‭ ‬بامتهان‭ ‬كرامة‭ ‬جيشها‭ ... ‬تشفيا‭ ‬فيه‭ ‬ليكون‭ ‬خير‭ ‬هدية‭ ‬لأعدائها‭ ... ‬بأحط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬سبل‭ ‬الانتقام‭ ‬منها‭ ....‬

 

مما‭ ‬يدفعني‭ ‬إلى‭ ‬علو‭ ‬صوتي‭ ‬بنحيب‭ ‬مؤلم‭ .. ‬بنداء‭ ‬يدوي‭   .... ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!! ..‬

ادرك‭ ‬شرف‭ ‬المسلمين‭ ‬يا‭ ‬عمر‭!!!!!..... ‬يمتهن‭ !!!! .... ‬رجل‭ ‬يرفع‭ ‬شعارك‭ ‬وشعار‭ ‬نبيك‭ ‬المصطفي‭ ‬بلا‭ ‬حياء‭ ... ‬

 

يا‭ ‬عمر‭ .... ‬فيكون‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬سبة‭ ‬وعار‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بها‭ ‬مسلم‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬كافر‭ ... ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مزدجر‭ ‬؟؟؟‭!!!!!... ‬

 

تعالى‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .. ‬أعد‭ ‬شرف‭ ‬الحكام‭ .. ‬إعلى‭ ‬راية‭ ‬القادة‭ ‬العظام‭ ... ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬بعيدا‭ ‬جسدا‭ ... ‬لست‭ ‬بعيدا‭ ‬روحا‭ .. ‬

 

أخاطبك‭ ‬وكأنك‭ ‬موجود‭ ‬بيننا‭ !!! ... ‬كأني‭ ‬اراك‭ ... ‬هل‭ ‬يتمثل‭ ‬بك‭ ‬قائد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ .. ‬هل‭ ‬يقود‭ ‬حلم‭ ‬الخلاص‭ ‬أمل‭ ‬النجاة‭ .. ‬من‭ ‬ديكتاتور‭ ‬تركيا‭ !!!!!! ... ‬ومُغَيب‭ ‬سوريا‭ !!! .. ‬وغائب‭ ‬العراق‭!!! ..... ‬

 

وآخرين‭ ‬باعوا‭ ‬قضاياهم‭ ‬فترنحت‭ .... ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬أُسيلت‭ ‬دماؤها‭ ‬فوق‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬الحبيبة‭ ... ‬وفوق‭ ‬أرض‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيقة‭ .. ‬وعلى‭ ‬أرض‭ ‬اليمن‭ ‬العزيزة‭ ... ‬وغيرهم‭ ... ‬

 

ولا‭ ‬أدري‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬مصر‭ ... ‬لذلك‭ ‬الدور‭ ... ‬والذي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لن‭ ‬تسعى‭ ‬خلفه‭ ‬لمجرد‭ ‬الريادة‭ ... ‬فهي‭ ‬رائدة‭ .... ‬وإنما‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬حثيثا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ .. ‬لصالح‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬؟؟؟؟‭!!!!! ...‬

 

حلم‭ ... ‬أمل‭ ... ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬شعار‭ ‬دولة‭ ‬عمر‭ .. ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والريادة‭ ... ‬

 

لن‭ ‬ينتهي‭ ‬حلمي‭ .. ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬قلمي‭ ... ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬روحي‭ ‬تهفو‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الغاية‭ ...‬

إنها‭ ‬كلمات‭ ‬يا‭ ‬ليتها‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬ورق‭ .. ‬ولكنها‭ ‬رسائل‭ ‬تصل‭ ‬الأفق‭ ..... ‬

 

‭             ‬ها‭ ‬هي‭ ‬خطبة‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ... ‬ها‭ ‬هي‭ ‬كلمات‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬ها‭ ‬هي‭ ‬ألفاظ‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ...  ‬لإحتواء‭ ‬كل‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ... ‬

 

‭             ‬كانت‭ ‬كلمات‭ ‬‮«‬الفاروق‭ ‬العادل‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تمس‭ ‬القلوب‭ ... ‬تُشجن‭ ‬الضمائر‭ ... ‬تُطرب‭ ‬النفوس‭ ... ‬تُحيي‭ ‬الوجدان‭ ‬وتُعلي‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬العقول‭ ... ‬

 

‭             ‬فكانت‭ ‬‮«‬خطبة‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬سماء‭ ‬المدينة‭ ‬أفراحا‭ ... ‬و‭ ‬أذهبت‭ ‬عن‭ ‬أرضها‭ ‬أحزانا‭ .. ‬وشاع‭ ‬وذاع‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ألحانا‭... ‬‭ ‬

 

‭             ‬فكانت‭ ‬‮«‬ألفاظ‭ ‬عمر‭ ‬أوتارا‮»‬‭ .. ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬عازفا‭ ‬مهارا‭ ... ‬الذي‭ ‬اخُتير‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬سبع‭ ‬سماوات‭ ‬كأنه‭ ‬خليفة‭ ‬مختارا‭  ... ‬

 

‭              ‬لكنها‭ ‬أبدا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬خطبة‭ .. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬كلمات‭ ... ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أبدا‭ ‬ألفاظ‭ .. ‬كانت‭ ‬تليينا‭ ‬لقلوب‭ ‬غلاظ‭ ... ‬حيث‭ ‬رسم‭ ‬للزمان‭ ‬أعظم‭ ‬العبر‭ .. ‬وأخلص‭ ‬الْوِعاظ‭ ..  ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬عمل‭ ‬وشقاء‭ ... ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬المحنة‭ ... ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬المسئولية‭ .. ‬

 

إنــــــها‭ ‬كانــــــت‭ ‬بـــــــداية‭ ‬لأعظم‭ ‬خــــــــلافة‭ !!!!! ‬خلافة‭ ‬عمر‭ !!!!! ... ‬

 

‭            ‬حرص‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬الفظ‭ ‬الغليظ‭ ‬القلب‭...  ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينفض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ... ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ناصحاً‭ ‬مريداً‭ ‬للخير‭ ‬لهم‭.... ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينفعهم‭... ‬كأن‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬أذنيه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ :‬‮«‬فَبِمَا‭ ‬رَحْمَةٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬لِنْتَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَلَوْ‭ ‬كُنْتَ‭ ‬فَظًّا‭ ‬غَلِيظَ‭ ‬الْقَلْبِ‭ ‬لاَنْفَضُّوا‭ ‬مِنْ‭ ‬حَوْلِكَ‭ ‬فَاعْفُ‭ ‬عَنْهُمْ‭ ‬وَاسْتَغْفِرْ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَشَاوِرْهُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الأمْر‮»‬ِ‭ ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭... ‬

 

‭         ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬دعاءه‭ ‬لما‭ ‬تولى‭ ‬الخلافة‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬شديدٌ‭ ‬فليني‭....‬‮»‬‭ ... ‬وقد‭ ‬استجاب‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬الدعاء‭... ‬وامتلأت‭ ‬نفس‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬بالعطف‭ ..‬والرحمة‭ ..‬واللين‭ ...‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬بعد‭ ‬توليه‭ ‬الخلافة‭... ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬الناس‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬عهدي‭ ‬الرسول‭ ‬وأبي‭ ‬بكر‭ ‬شديداً‭ ‬حازماً‭..‬‭. ‬وصوره‭ ‬لنا‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الشخص‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬مثل‭ -‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬الإسلام‭ ‬حتى‭ ‬توليه‭ ‬الخلافة‭- ‬دور‭ ‬الشدة‭ ‬والقوة‭ .. ‬بجانب‭ ‬الرسول‭ ‬وبجانب‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭.. ‬حتى‭ ‬آلَ‭ ‬إليه‭ ‬الأمر‭ ‬انقلبت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬رخاء‭ ‬ويسر‭ ‬ورحمة‭ ... ‬

‭  ‬

‭         ‬سبحان‭ ‬الله‭ ... ‬سبحان‭ ‬الواحد‭ ‬الأحد‭ .. ‬سبحان‭ ‬الفرد‭ ‬الصمد‭ ... ‬سبحاااااانك‭ ‬يا‭ ‬الله‭ ... ‬هل‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬يتمنى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وهبته‭ ‬القوة‭ .. ‬انعمت‭ ‬عليه‭ ‬بالشدة‭ ... ‬نعتّه‭ ‬ووصفته‭ ‬بالفخر‭ ‬والعزة‭ ... ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لينا‭ ‬رحيما‭ ‬رؤوفا‭ ‬؟؟؟؟؟‭ .... ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ !!!!! .... ‬إنه‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬إنه‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭... ‬

‭  ‬

‭         ‬بدأت‭ ‬خلافته‭ ... ‬وبدأت‭ ‬أعماله‭.. ‬وكما‭ ‬قلنا‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬المسئولية‭ ‬والشقاء‭ ... ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬قرار‭ ‬اتخذه‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ‬‭... ‬‮«‬رد‭ ‬سبايا‭ ‬أهل‭ ‬الردة‭ ‬إلى‭ ‬عشائرهم‭ ‬‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬كرهت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬السَبي‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬العرب‮»‬‭...  ‬

 

‭        ‬وهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الجريئة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬العرب‭ ‬جميعاً‭ ‬أنهم‭ ‬أمام‭ ‬شريعة‭ ‬الله‭ ‬سواء‭.... ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬لقبيلة‭ ‬على‭ ‬قبيلة‭ ‬ولا‭ ‬فضل‭ ‬لجماعة‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬ولا‭ ‬فضل‭ ‬لبشر‭ ‬على‭ ‬آخر‭ .. ‬إلا‭ ‬بحُسن‭ ‬العطاء‭ ‬وما‭ ‬يقدمه‭ ‬من‭  ‬أعمال‭ ‬وتحمل‭ ‬الأعباء‭ ‬لخدمة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ... ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ..‬‭ ‬

 

‭         ‬وتلت‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬أخرى‭... ‬‮«‬هي‭ ‬السماح‭ ‬لمن‭ ‬ظهرت‭ ‬توبتهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الردة‭ ‬بالاشتراك‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬ضد‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام‮»‬‭ ..... ‬وقد‭ ‬أثبتوا‭ ‬شجاعة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وصبراً‭ ‬عند‭ ‬اللقاء‭.... ‬ووفاءً‭ ‬للدولة‭ ‬لا‭ ‬يعْدِله‭ ‬وفاء‭....‬

‭          ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ .... ‬من‭ ‬يعطي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ... ‬من‭ ‬لديه‭ ‬حسن‭ ‬الظن‭ ... ‬لا‭ ‬تمِلوا‭ ‬مني‭... ‬ولا‭ ‬تغضبوا‭ ‬عندما‭ ‬أكرر‭ ‬وأقول‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬‮»‬‭ ... ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬الشك‭ ... ‬هي‭ ‬حجج‭ ‬كالبرهان‭ ‬الساطع‭ ‬والدليل‭ ‬القاطع‭ ... ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الملهم‭ ‬بالقران‭ ... ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ ‬

 

‭            ‬كذلك‭ ‬تعهد‭ ‬الخليفة‭ ‬بأداء‭ ‬الحقوق‭ ‬المالية‭ ‬للرعية‭ ‬كاملة‭ ... ‬من‭ ‬خراج‭ ‬وفيء‭.... ‬فلا‭ ‬يحتاج‭ ‬منه‭ ‬شيئاً‭ ‬ولا‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله‭...‬‭. ‬بل‭ ‬سيزيد‭ ‬عطاياهم‭ ...‬وأرزاقهم‭ ‬باستمرار‭ ‬الجهاد‭ ‬والغزو‭ ‬والحض‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ...‬وضبط‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬للدولة‭... ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بتطوير‭ ‬المؤسسة‭ ‬المالية‭.... ‬وضبط‭ ‬مصادر‭ ‬بيت‭ ‬المال‭ ‬وأوجه‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

 

‭          ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬يطالب‭ ‬الرعية‭ ‬بأداء‭ ‬واجبها‭ ‬من‭ ‬النصح‭ ‬لخليفتها‭ ‬والسمع‭ ‬والطاعة‭ ‬له‭ ‬والأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ .... ‬مما‭ ‬يشيع‭ ‬الرقابة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.... ‬ونبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بتقوى‭ ‬الله‭ ‬ومحاسبة‭ ‬النفس‭ ‬واستشعار‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭....‬‭  ‬

 

‭         ‬فعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬النصح‭ ... ‬لم‭ ‬يرجوهم‭ ‬إلا‭ ‬بالأمر‭ ‬بالمعروف‭ ... ‬لم‭ ‬يأمرهم‭ ‬إلا‭ ‬بالرقابة‭ ‬قي‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭ ... ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الواجبات‭ .... ‬وحقوقهم‭ ‬محفوظة‭ ... ‬واجبة‭ ‬النفاذ‭ ‬لأنها‭ ‬عند‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخاف‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬لومة‭ ‬لائم‭ ... ‬لأنها‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ !!!! ... ‬

 

‭        ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬تلميذا‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ... ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬خريجا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬النبوة‭ .. ‬تعلم‭ ‬الدرس‭ .. ‬وفهم‭ ‬واستوعب‭ ‬المحاضرة‭ ... ‬فكان‭ ‬الدرس‭ ‬وكانت‭ ‬المحاضرة‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬المشاورة‮»‬‭ .... ‬

 

فلقد‭ ‬اعتاد‭ ‬الرسول‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬المشورة‭ ‬والرأي‭ .. ‬وأن‭ ‬يستمع‭ ‬لجميع‭ ‬الناس‭ .. ‬ويأخذ‭ ‬بالاصلح‭ .. ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬وَشَاوِرْهُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الأمْرِ‮»‬‭ ... ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الشورى‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ .. ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬

قادة‭ ‬الدولة‭ ‬وحكامها‭ ‬حتمية‭ ‬تشاور‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬والنزول‭ ‬على‭ ‬رضاهم‭ ‬ورأيهم،‭ ‬وإمضاء‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬بالشورى

وقال‭ ‬تعالى‭:‬‮«‬وَالَّذِينَ‭ ‬اسْتَجَابُوا‭ ‬لِرَبِّهِمْ‭ ‬وَأَقَامُوا‭ ‬الصَّلاَةَ‭ ‬وَأَمْرُهُمْ‭ ‬شُورَى‭ ‬بَيْنَهُمْ‭ ‬وَمِمَّا‭ ‬رَزَقْنَاهُمْ‭ ‬يُنْفِقُونَ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الشورى‭ ‬

 

‭             ‬لقد‭ ‬ساوت‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬الشورى‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وبين‭ ‬إقامة‭ ‬الصلاة‭.... ‬فدل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬الشورى‭ ‬كحكم‭ ‬الصلاة‭... ‬وحكم‭ ‬الصلاة‭ ‬واجبة‭ ‬شرعاً‭.....‬فكذلك‭ ‬الشورى‭ ‬واجبة‭ ‬شرعاً‭.... ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ .. ‬وأنه‭ ‬يتعادل‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬فروض‭ ‬الإسلام‭ ‬بعد‭ ‬الشهادتين‭ .. ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كذلك‭ ‬أمر‭ ‬واجب‭ .. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يكون‭ ‬شرط‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الحكم‭ ... ‬

‭     ‬

‭              ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬مبدأ‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬دولته‭.... ‬فكان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يستأثر‭ ‬بالأمر‭ ‬دون‭ ‬المسلمين‭ ....‬ولا‭ ‬يستبد‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭.... ‬فإذا‭ ‬نزل‭ ‬به‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يبرمه‭ ‬حتى‭ ‬يجمع‭ ‬المسلمين‭ ‬ويناقش‭ ‬الرأي‭ ‬معهم‭ ‬فيه‭ ‬ويستشيرهم‭.‬

 

‭       ‬ومن‭ ‬مأثور‭ ‬قوله«رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭: ‬

‭              ‬‮«‬لا‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬أبرم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شورى‮»‬‭... ‬

‭              ‬‮«‬‭ ‬الرأي‭ ‬الفرد‭ ‬كالخيط‭ ‬السحيل‭ ‬والرأيان‭ ‬كالخيطين‭ ‬المبرمين،‭ ‬والثلاثة‭ ‬مرار‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬ينتقض‮»‬‭ : ‬أي‭ ‬ينقطع‭ ... ‬

‭              ‬‮«‬شاور‭ ‬في‭ ‬أمرك‭ ‬من‭ ‬يخاف‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‮»‬‭... ‬

‭              ‬‮«‬الرجال‭ ‬ثلاثة‭: ‬رجل‭ ‬ترد‭ ‬عليه‭ ‬الأمور‭ ‬فيسددها‭ ‬برأيه‭... ‬ورجل‭ ‬يشاور‭ ‬فيما‭ ‬أُشكل‭ ‬عليه‭ ‬وينزل‭ ‬حيث‭ ‬يأمره‭ ‬أهل‭ ‬الرأي‭.... ‬ورجل‭ ‬حائر‭ ‬بائر‭ ‬لا‭ ‬يأتمر‭ ‬رشداً‭ ‬ولا‭ ‬يقطع‭ ‬مرشداً‮»‬‭... ‬

‭     ‬

‭             ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يأخذ‭ ‬بمبدأ‭ ‬‮«‬التدرج‭ ‬في‭ ‬الشورى‮»‬‭ ... ‬و‭ ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬الحكام‭ ‬والقادة‭ ‬يتعلموا‭ ‬منك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ !!!! ... ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر‭ ‬يعرفوا‭ ‬ماذا‭ ‬كنت‭ ‬تفعل‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬؟؟؟؟‭!!!!  ... ‬

 

‭            ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يستشير‭ ‬العامة‭ ‬أول‭ ‬أمره‭ ‬فيسمع‭ ‬منهم‭... ‬ثم‭ ‬يجمع‭ ‬مشايخ‭ ‬أصحاب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ...‬وأصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬منهم‭ ‬ثم‭ ‬يفضي‭ ‬إليهم‭ ‬بالأمر‭ ...‬ويسألهم‭ ‬أن‭ ‬يخلصوا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬محمود‭.... ‬فما‭ ‬استقر‭ ‬عليه‭ ‬رأيهم‭ ‬أمضاه‭...  ‬

 

‭            ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ .. ‬إنهم‭ ‬يسهرون‭ ‬الأيام‭ .. ‬وتتعدد‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬للشورى‭ .. ‬ها‭ ‬هو‭ ‬النظام‭ ‬الحق‭ ... ‬ها‭ ‬هو‭ ‬الدستور‭ ‬العادل‭ ... ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭...  ‬لا‭ ‬واسطة‭ .. ‬ولا‭ ‬محسوبية‭ ... ‬ويا‭ ‬ليتنا‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ .. ‬يكون‭ ‬شكلا‭ ‬وموضوعا‭ .. ‬نلتزم‭ ‬به‭ ‬مظهرا‭ ‬وجوهرا‭ ... ‬

 

‭            ‬والفرق‭ ‬بين‭ ‬عمل‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬وعمل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ... ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬اجتهاداً‭ ‬منه‭ ....‬أنه‭ ‬هكذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أو‭ ‬نتجاهل‭ ‬أنه‭ ‬وضع‭ ‬اللبنة‭ ‬والأساس‭ ‬للنظام‭ ‬الشورى‭ ... ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬الصحيحة‭ ‬السليمة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬نراه‭ .. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الشورى‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬عصب‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ... ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬حينئذ‭ ‬بعد‭ ‬نظام‭ ‬متبع‭ ‬أو‭ ‬قوانين‭ ‬مسنونة‭... ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬والتشريع‭ ... ‬

 

‭           ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬يجتهد‭ ‬في‭ ‬الشيء‭... ‬ويُبدي‭ ‬رأيه‭ ‬فيه‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬أضعف‭ ‬الناس‭... ‬فيبين‭ ‬له‭ ‬وجه‭ ‬الصواب‭ ‬وقوة‭ ‬الدليل‭ ‬فيقبله‭ ‬فورا‭ . ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خطأ‭ ‬ولكنه‭ ‬أكثر‭ ‬حجة‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ...  ‬فيرجع‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬التصحيح‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬صواب‭ ‬ما‭ ‬استبان‭ ‬له‭ ..... ‬

 

‭           ‬وقد‭ ‬توسع‭ ‬نطاق‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ...‬لكثرة‭ ‬المستجدات‭ ..‬والأحداث‭ ..‬وامتداد‭ ‬رقعة‭ ‬الإسلام‭.. ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬ذات‭ ‬حضارات‭ ..‬وتقاليد‭ ..‬ونظم‭ ‬متباينة‭.... ‬

 

‭           ‬فولدت‭ ‬مشكلات‭ ‬جديدة‭ ‬احتاجت‭ ‬إلى‭ ‬الاجتهاد‭ ‬الواسع‭.... ‬مثل‭ ‬معاملة‭ ‬الأرض‭ ‬المفتوحة‭ ‬وتنظيم‭ ‬العطاء‭... ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬لتدفع‭ ‬أموال‭ ‬الفتوح‭ ‬على‭ ‬الدولة‭....‬

 

‭           ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬يجمع‭ ‬للشورى‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬الكبار‭... ‬وكان‭ ‬لأشياخ‭ ‬بدر‭ ‬لهم‭ ‬مكانتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الشورى‭ ‬لفضلهم‭ ‬وعلمهم‭ ‬وسابقتهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬أخذ‭ ‬يشوبهم‭ ‬بشباب‭.... ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يخلط‭ ‬الشباب‭ ‬مع‭ ‬الشيوخ‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لإثراء‭ ‬الشباب‭ ‬بخبرتهم‭ .. ‬

 

‭           ‬وكأنه‭ ‬يرسم‭ ‬للشباب‭ ‬مستقبلا‭ ‬غنيا‭ ‬بالخبرات‭ .. ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يعايشوها‭ ‬بأنفسهم‭ ‬بعد‭ .. ‬ولكنها‭ ‬خبرات‭ ‬متراكمة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الخبرة‭ ... ‬عليهم‭ ‬يحصلوا‭ ‬عليها‭ ‬كأرضية‭ ‬تعينهم‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬هذا‭  ..... ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬تجديد‭ ‬رجالاتها‭ ..... ‬حيث‭ ‬فطن‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭.... ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬الأمة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬منهم‭ ‬علماً‭ ‬وورعاً‭ ‬وتقى‭.... ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عليه‭ ‬ألا‭ ‬يغفل‭ ‬شيوخ‭ ‬وعمالقة‭ ‬الخبرة‭ ‬الذين‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعفو‭ ‬عليها‭ ‬الزمان‭.... ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬ورصيد‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الاهمية‭ ‬والخطورة‭ ‬حين‭ ‬تأسيس‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الاجيال‭ ‬الجديدة‭ ..‬‭.. ‬لانه‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬بلا‭ ‬ماضي‭ ‬أو‭ ‬حاضر‭ ... ‬

 

‭        ‬فكان‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬من‭ ‬أولهم‭.... ‬وما‭ ‬زال‭ ‬عمر‭ ‬يجتهد‭ ‬متخيراً‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬الأمة‭ ‬مستشارين‭ ‬له‭ ‬متخذاً‭ ‬القرآن‭ ‬فيصلاً‭ ‬في‭ ‬التخير‭...‬‭. ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عباس‭: ‬‮«‬وكان‭ ‬القراء‭ ‬أصحاب‭ ‬مجلس‭ ‬عمر‭ ‬ومشاورته‭ ‬كهولاً‭ ‬كانوا‭ ‬أو‭ ‬شباناً‮»‬‭ ....  ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الزهري‭ ‬لغلمان‭ ‬أحداث‭: ‬لا‭ ‬تحتقروا‭ ‬أنفسكم‭ ‬لحداثة‭ ‬أسنانكم‭ ‬فإن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬نزل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬المعضل‭ ‬دعا‭ ‬الفتيان‭ ‬فاستشارهم‭ ‬يبتغي‭ ‬حدة‭ ‬عقولهم‮»‬‭ ‬

 

‭         ‬أين‭ ‬ولاة‭ ‬الأمور‭ ‬؟؟‭!!!! .... ‬أين‭ ‬الحكام‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬أين‭ ‬القادة‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬أين‭ ‬الرؤوساء‭ ‬؟؟؟‭!!!! ... ‬يتعلموا‭ ‬من‭ ‬منهجك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ... ‬يتتلمذوا‭ ‬على‭ ‬يدك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬وأنت‭ ‬تسمع‭ ‬للشباب‭ ... ‬وأنت‭ ‬تنتبه‭ ‬لقادة‭ ‬المستقبل‭ .. ‬وأنت‭ ‬تأخذ‭ ‬برأي‭ ‬حداثة‭ ‬السن‭ ... ‬وأنت‭ ‬تستشير‭ ‬الفتيان‭ ‬الصغار‭ ... ‬ااااااااه‭ ‬وألف‭ ‬ااااااااااه‭ !!!! .. ‬من‭ ‬مثلك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ !!!!! ... ‬

 

‭        ‬ولقد‭ ‬استشار‭ ‬مرة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬حفصة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها»بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬كان‭  ‬لعمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬علية‭ ‬الصحابة‭ ‬وذوي‭ ‬الرأي‭..‬‭.. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رأي‭ ‬حفصة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬كان‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ .... ‬

 

هذا‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستمع‭ ‬لآراء‭ ‬النساء‭ ..... ‬لم‭ ‬يسفه‭ ‬من‭ ‬آرائهن‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬حكام‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ .... ‬نرى‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المرأة‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬موضع‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬السياسة‭ !!!! ... ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ‬طبعا‭ .... !!!!!‬

 

هذه‭ ‬هي‭ ‬مكانة‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬رأي‭ ‬العامة‭ ‬فقط‭ .. ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬الشيوخ‭ ‬فقط‭ .. ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬أصحابه‭ ‬فقط‭ ... ‬ولم‭ ‬يهمل‭ ‬رأي‭ ‬الشباب‭ ... ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬النساء‭ ... ‬بل‭ ‬أخذ‭ ‬برأي‭ ‬الجميع‭ .. ‬نعم‭ ‬الجميع‭ !!!! ..... ‬

 

هذا‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الازدهار‭ ‬والرخاء‭ ‬والنجاح‭ ... ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخليفة‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬الفلاح‭ ... ‬

 

لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬عمر‭ ‬بأخذ‭ ‬الشورى‭ ‬فحسب‭.... ‬بل‭ ‬أنه‭ ‬راعى‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬طيلة‭ ‬حكمه‭ ... ‬

 

وحيث‭ ‬كانت‭ ‬الشوري‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ .. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬فحوها‭ ‬هكذا‭ ‬تعني‭ ‬قيمة‭ ‬العدل‭ .. ‬وترسخه‭ ... ‬لأنه‭ ‬حين‭ ‬يأخذ‭ ‬آراء‭ ‬الجميع‭ ... ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ .. ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭  .. ‬فلا‭ ‬ترجيح‭ ‬لكافة‭ ‬على‭ ‬أخرى

‭    ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬عَلِم‭ ‬بل‭ ‬وأيقن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامي‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬مسلم‭ ‬حقيقي‭ .. ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ينتشر‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭ ... ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬عربي‭ ‬وأعجمي‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى‭ .. ‬فكان‭ ‬اساسه‭ ‬الإقتناع‭ ‬بالرأي‭ ‬الأخر‭ .. ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عصب‭ ‬ذلك‭ ‬العدل‭ .... ‬

 

‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬عدالة‭ ‬ومساواة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬خطابه‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬يوم‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬الخلافة‭ ....... ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬العدل‭ ‬هكذا‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬أجلى‭ ‬صوره‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الفاروق‭ .. ‬وقد‭ ‬استقاه‭ ‬من‭ ‬عدل‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬حين‭ ‬اعتنقه‭ ‬أخذه‭ ‬قولا‭ ‬وعملا‭ .. ‬نصا‭ ‬وفعلا‭ ... ‬إيمانا‭ ‬روحيا‭ ‬وطاعة‭ ‬فعلية‭ ‬ليكون‭ ‬بذلك‭ ‬العدل‭ ‬أو‭ ‬ليقر‭ ‬ويسن‭ ‬ويؤسس‭ ‬الركن‭ ‬الركين‭ ‬والحصن‭ ‬الحصين‭ ‬ليكون‭ ‬العصب‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬والحكم‭ ‬الإسلامي‭ .‬‭...  ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يسوده‭ ‬الظلم‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬العدل‭... ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ !!!! .. ‬حيث‭ ‬لخصه‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ .. ‬تحوي‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬تحتها‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ... ‬

 

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬أفراداً‭  ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬أو‭ ‬دولاً‭ ... ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الاختيارية‭ ‬التي‭ ‬تترك‭ ‬لهوى‭ ‬أمير‭ ‬أو‭ ‬لرأي‭ ‬متفرد‭ ‬لحاكم‭ ...  ‬بل‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أقدس‭ ‬الواجبات‭ ‬وأنبل‭ ‬المهام‭ ‬وأعظمها‭ ... ‬

 

فلا‭ ‬شك‭ ‬ولا‭ ‬غرو‭ ‬أن‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬و‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬ورفع‭ ‬الظلم‭ ‬ومحاربته‭ ‬بكافة‭ ‬أشكاله‭ ‬وأنواعه‭....‬

 

‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الفاروق‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ... ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورة‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ .. ‬وأجل‭ ‬صورة‭ ‬سجلتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬بأسرها‭ ...  ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يعدل‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬ويحكم‭ ‬بالحق‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الأقرباء‭.. ‬أو‭ ‬الأعداء‭.. ‬أو‭ ‬الأغنياء‭.. ‬أو‭ ‬الفقراء‭ ....  ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬‭ ‬يَاأَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬كُونُوا‭ ‬قَوَّامِينَ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬شُهَدَاءَ‭ ‬بِالْقِسْطِ‭ ‬وَلاَ‭ ‬يَجْرِمَنَّكُمْ‭ ‬شَنَآنُ‭ ‬قَوْمٍ‭ ‬عَلَى‭ ‬أَلاَ‭ ‬تَعْدِلُوا‭ ‬اعْدِلُوا‭ ‬هُوَ‭ ‬أَقْرَبُ‭ ‬لِلتَّقْوَى‭ ‬وَاتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬خَبِيرٌ‭ ‬بِمَا‭ ‬تَعْمَلُونَ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬المائدة

 

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ .. ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ..‬‭ ‬العدو‭ ‬قبل‭ ‬الصديق‭ .... ‬يشهد‭ ‬بما‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحققه‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬أبهر‭ ‬صورها‭ ‬حيرت‭ ‬معها‭ ‬العقول‭ ‬واضطربت‭ ‬لها‭ ‬النفوس‭ ......  ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينكرها‭ ‬إلا‭ ‬جاحد‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬جاهل‭ : ‬

 

أولا‭ : ‬مدة‭ ‬الخلافة‭ : ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أحدى‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬خلافته‭ ‬كانت‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬مدة‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بحيث‭ ‬تجاوزت‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اقتصرت‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬على‭ ‬سنتين‭ ‬وعدة‭ ‬شهور‭ ‬فقط‭.... ‬

 

ثانيا‭ : ‬شدة‭ ‬تمسكه‭ ‬بالحق‭ : ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬التمسك‭ ‬بالحق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وأهله‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أشد‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الناس‭... ‬

 

ثالثا‭ : ‬قربه‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ .. ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬؟؟؟‭!!!!... ‬وهو‭ ‬الملهم‭ ‬بالوحي‭ .. ‬وهو‭ ‬الحالم‭ ‬بالقران‭ ... ‬وهو‭ ‬المتقين‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬بفضل‭ ‬المولى‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ .. ‬

 

وهل‭ ‬هناك‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬نذكره‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أجل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬نضربه؟؟؟‭!!!! .... ‬وهل‭ ‬هناك‭  ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬نقصها‭ ‬عليكم‭ ‬في‭ ‬إقامته‭ ‬للعدل‭ ‬والقسط‭ ‬بين‭ ‬الناس؟؟؟‭!!!! ... ‬

 

‭        ‬فقد‭ ‬حكم‭ ‬بالحق‭ ‬لرجل‭ ‬يهودي‭ ‬على‭ ‬مسلم‭..... ‬ولم‭ ‬يحمله‭ ‬كفر‭ ‬اليهودي‭ ‬على‭ ‬ظلمه‭ ‬والحيف‭ ‬عليه‭.... ‬وهذا‭ ‬ما‭  ‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬مالك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬المسيب‭....  ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬اختصم‭ ‬إليه‭ ‬مسلم‭ ‬ويهودي‭ ..... ‬

 

‭         ‬فرأى‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬لليهودي‭ ‬فقضى‭ ‬له‭.....  ‬فقال‭ ‬له‭ ‬اليهودي‭: ‬والله‭ ‬لقد‭ ‬قضيت‭ ‬بالحق‭....  ‬وكان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭  ‬يأمر‭ ‬عماله‭ ‬أن‭ ‬يوافوه‭ ‬بالمواسم‭ .....  ‬فإذا‭ ‬اجتمعوا‭ ‬قال‭: ‬أيها‭ ‬الناس‭ ‬إني‭ ‬لم‭ ‬أبعث‭ ‬عمالي‭ ‬عليكم‭ ‬ليصيبوا‭ ‬من‭ ‬أبشاركم‭.....  ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أموالكم‭...  ‬إنما‭ ‬بعثتهم‭ ‬ليحجزوا‭ ‬بينكم‭.... ‬وليقسموا‭ ‬فيئكم‭ ‬بينكم‭.... ‬فمن‭ ‬فعل‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فليقم‭....  ‬فما‭ ‬قام‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭ ‬قام‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إن‭ ‬عاملك‭ ‬ضربني‭ ‬مائة‭ ‬سوط‭ ..... ‬قال‭: ‬فيم‭ ‬ضربته؟‭ ‬قم‭ ‬فاقتص‭ ‬منه‭ .... ‬

 

‭       ‬فقام‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إنك‭ ‬إن‭ ‬فعلت‭ ‬هذا‭ ‬يكثر‭ ‬عليك‭ ‬ويكون‭ ‬سنة‭ ‬يأخذ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬بعدك‭.....  ‬فقال‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقيد‭...‬‭..  ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬يقيد‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬قال‭: ‬فدعنا‭ ‬فلنرضه،‭.... ‬قال‭: ‬دونكم‭ ‬فارضوه‭ .... ‬فاقتدى‭ ‬منه‭ ‬بمائتي‭ ‬دينار‭ ‬كل‭ ‬سوط‭ ‬بدينارين‭....  ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يرضوه‭ ‬لأقاده«رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭...‬

 

وكأن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬بماهية‭ ‬اليهود‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬أهلا‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬معاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ .. ‬ولم‭ ‬يعارض‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬استجاب‭ ‬فورا‭ ‬ولم‭ ‬يتجاهل‭ ‬رأي‭ ‬مستشاره‭ .. ‬احتراما‭ ‬لمنهج‭ ‬المشورى‭ ‬عنده‭ ... ‬والتي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬الوالي‭ ‬أو‭ ‬الحاكم‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬موضوعية‭ ‬بحسابات‭ ‬البشر‭ ‬ملموسة‭ .. ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬أهل‭ ‬الشورى‭ ‬هكذا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬الحاكم‭ ‬نفسه‭ ... ‬

 

والحكيم‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ .. ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬خطاها‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يضع‭ ‬لنا‭ ‬منهجا‭ .. ‬وبالضرورة‭ ‬علينا‭ ‬الإلتزام‭ ‬به‭ ... ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أننا‭ ‬مسلمين‭ ‬من‭ ‬اتباع‭ ‬الرسول‭ ‬وصحابته‭ .. ‬

 

‭         ‬هكذا‭  ‬قامت‭ ‬دولة‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬العدل‭...  ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬ينصر‭ ‬الدولة‭ ‬العادلة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كافرة‭ ‬ولا‭ ‬ينصر‭ ‬الدولة‭ ‬الظالمة‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬مسلمة‭ ... ‬بالعدل‭ ‬تستصلح‭ ‬الرجال‭ ‬وتستغزر‭ ‬الأموال‮»‬‭ .... ‬

 

‭           ‬وأما‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬الفاروق‭ ‬في‭ ‬دولته،‭ ‬فيعد‭ ‬أحد‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬الإسلام‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭:( ‬يَاأَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنثَى‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَكْرَمَكُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَتْقَاكُمْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلِيمٌ‭ ‬خَبِيرٌ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الحجرات

 

‭           ‬إن‭ ‬الناس‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الإسلام‭ ‬سواسية‭.... ‬الحاكم‭ ‬والمحكوم‭.... ‬الرجال‭ ‬والنساء‭.... ‬العرب‭ ‬والعجم‭.... ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ....‬‭ ‬لقد‭ ‬ألغى‭ ‬الإسلام‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬واللون‭ ‬أو‭ ‬النسب‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭.....  ‬والحكام‭ ‬والمحكومون‭ ‬كلهم‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الشرع‭ ‬سواء‭ .... ‬

 

‭          ‬وخير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ممارسات‭ ‬الفاروق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬تأويل‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬الزيف‭ ‬أو‭ ‬التحريف‭ ... ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬مواقف‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬مواقفه‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ .. ‬فعدله‭ ‬فاق‭ ‬الجبال‭ ‬والحق‭ ‬عنده‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ .....‬

 

‭         ‬فحين‭ ‬أصاب‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬سنة‭ (‬جدب‭) ‬بالمدينة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭.... ‬فكانت‭ ‬تسقي‭ ‬إذا‭ ‬ريحت‭ ‬تراباً‭ ‬كالرماد‭ ....  ‬فسمي‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬‮«‬عام‭ ‬الرمادة‮»‬‭ .... ‬فآلى‭ ‬أي‭ : (‬حلف‭) ‬عمر‭ ‬ألا‭ ‬يذوق‭ ‬سمناً‭ ‬ولا‭ ‬لبناً‭ ‬ولا‭ ‬لحماً‭ ‬حتى‭ ‬يحي‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬الحياء‭ .....  ‬فقدمت‭ ‬السوق‭ ‬عُكَّة‭ ‬من‭ ‬سمن‭ .. ‬ووطب‭ ‬من‭ ‬لبن‭... ‬

 

فاشتراهما‭ ‬غلام‭ ‬لعمر‭ ‬بأربعين‭ ..... ‬ثم‭ ‬أتى‭ ‬عمر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭... ‬قد‭ ‬أبر‭ ‬الله‭ ‬يمينك‭... ‬وعظم‭ ‬أجرك‭...‬قدم‭ ‬السوق‭ ‬وطب‭ ‬من‭ ‬لبن‭ ..‬‭.. ‬وعكة‭ ‬من‭ ‬سمن‭ ...  ‬فاتبعناهما‭ ‬بأربعين‭ .... ‬

 

‭          ‬فقال‭ ‬عمر‭: ‬‮«‬أغليت‭ ‬بهما‭.... ‬فتصدق‭ ‬بهما‭....‬فإني‭ ‬أكره‭ ‬أن‭ ‬آكل‭ ‬إسرافاً‭ ... ‬وقال‭ ‬عمر‭: ‬كيف‭ ‬يعنيني‭ ‬شأن‭ ‬الرعية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يمسني‭ ‬ما‭ ‬مسهم‭ ‬؟؟؟‭!!!! ...  ‬

‭   ‬

‭           ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتيسر‭ ‬لجميع‭ ‬المسلمين‭.... ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يصوم‭ ‬الدهر‭..... ‬فكان‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬الرمادة‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬أمسى‭ ‬أتى‭ ‬بخبز‭ ‬قد‭ ‬ثُرد‭ ‬بالزيت‭.... ‬

 

كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يستحق‭ ‬لعمر‭ ‬وساما‭ ‬على‭ ‬صدره‭ .. ‬شرفا‭ ‬على‭ ‬جبينه‭ ‬حيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬ميتا‭ .. ‬حين‭ ‬كان‭ ‬ينفذ‭ ‬طاعات‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ .. ‬فيكون‭ ‬حقا‭ ‬القدوة‭ ‬وأي‭ ‬قدوة‭  ... ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قولا‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭  .. ‬وإن‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬به‭ ‬كنز‭ ‬عظيم‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ .. ‬كنز‭ ‬حقيقي‭ ‬بلا‭ ‬زيف‭ ‬أو‭ ‬رياء‭ ... ‬وإلا‭ ‬لما‭ ‬صبر‭ ‬وصابر‭ ‬على‭ ‬التليغ‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬وإلا‭ ‬لما‭ ‬تحمل‭ ‬العناء‭ ‬والمشقة‭ ‬حتي‭ ‬يؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليها‭ ‬بأسس‭ ‬لا‭ ‬تهزها‭ ‬رياح‭ ‬مهما‭ ‬اشتدت‭ .. ‬ولا‭ ‬قلوب‭ ‬غلاظ‭ ‬مهما‭ ‬احتدت‭ .. ‬ولا‭ ‬صدور‭ ‬نفاق‭ ‬مهما‭ ‬امتدت‭ ... ‬

 

اعتقد‭ ‬واستغفر‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬العظيم‭ ‬والله‭ ‬أعلم‭ .. ‬أنه‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬أطول‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬عمرا‭ ‬حتى‭ ‬يؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تأسيسا‭ ‬سليما‭ ...‬‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يأخذ‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬ذلك‭ ‬التأسيس‭ ... ‬

 

‭        ‬ومن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬يسجلها‭ ‬التاريخ‭ ... ‬ولن‭ ‬أزيد‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬كلماتي‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تستمتعوا‭ ‬به‭ .. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أبكاني‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ... ‬الذي‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬عمر‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬كمال‭ ‬العدل‭ ‬البشري‭.... ‬وصول‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬منتهي‭ ‬المساواة‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية‭ ... ‬إلى‭ ‬منتهى‭ ‬وأسمي‭ ‬آيات‭ ‬الحق‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ .. ‬

 

‭          ‬حث‭ ‬يروي‭ ‬ابن‭ ‬الجوزي‭ ‬أن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭..... ‬أقام‭ ‬حد‭ ‬الخمر‭ ‬على‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ .....  ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬عامله‭ ‬على‭ ‬مصر‭.‬‭.... ‬

 

‭          ‬ومن‭ ‬المألوف‭ ‬أن‭ ‬يقام‭ ‬الحد‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العامة‭ ‬للمدينة‭.... ‬لتتحقق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العبرة‭ ‬للجمهور‭..... ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬أقام‭ ‬الحد‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬الخليفة‭ ‬في‭ ‬البيت‭.....  ‬فلما‭ ‬بلغ‭ ‬الخبر‭ ‬عمر‭.... ‬

 

‭          ‬كتب‭ ‬إلى‭ ‬عمرو‭ ‬ابن‭ ‬العاص‭: ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الله‭...  ‬عمر‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إلى‭ ‬العاصي‭ ‬بن‭ ‬العاص‭: ‬عجبت‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬العاص‭ ‬ولجرأتك‭ ‬عليّ‭.... ‬وخلاف‭ ‬عهدي‭.‬

 

‭          ‬أما‭ ‬إني‭ ‬قد‭ ‬خالفت‭ ‬فيك‭ ‬أصحاب‭ ‬بدر‭ ‬ممن‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬منك‭..... ‬واخترتك‭ ‬لجدالك‭ ‬عني‭.... ‬وإنفاذ‭ ‬عهدي‭.....  ‬فأراك‭ ‬تلوثت‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬تلوثت‭..‬‭... ‬فما‭ ‬أراني‭ ‬إلا‭ ‬عازلك‭ ‬فمسيء‭ ‬عزلك‭..... ‬تضرب‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬في‭ ‬بيتك‭..... ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يخالفني؟؟؟؟‭!.... ‬

 

‭         ‬إنما‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬رعيتك‭..... ‬تصنع‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬تصنع‭ ‬بغيره‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭..... ‬ولكن‭ ‬قلت‭: ‬هو‭ ‬ولد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬يجب‭ ‬لله‭ ‬عليه‭.......  ‬فإذا‭ ‬جاءك‭ ‬كتابي‭ ‬هذا‭ ‬فابعث‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عباءة‭ ‬على‭ ‬قتب‭ ‬حتى‭ ‬يعرف‭ ‬سوء‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ..... ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إحضاره‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬وضربه‭ ‬الحد‭ ‬جهراً‭ .....‬

 

لا‭ ‬يطاوعني‭ ‬قلمي‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬جلد‭ ‬ابن‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬وللأمانة‭ ‬لا‭ ‬يطاوعني‭ ‬قلبي‭ ‬أن‭ ‬اكتب‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬من‭ ‬ابنه‭ ... ‬‮«‬عبد‭ ‬الرحمن‮»‬‭ .... ‬لأنه‭ ‬فوق‭ ‬الوصف‭ ‬،‭... ‬فوق‭ ‬الطاقة‭ ..‬فوق‭ ‬الخيال‭ ..  ‬

 

كل‭ ‬ذلك‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!!!!!!............. .... ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬منك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!!! ...      ‬

‭ ‬

أتعبتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .............. !!!!!! .... ‬أخجلتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ........!!!!!!! .. ‬أضعفتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .........!!!!!!! ‬

 

أنا‭ ‬صريحة‭ ..... ‬نعم‭ ‬شعرت‭ ‬بضعفي‭ ‬وغيري‭ ‬أمامك‭ ... ‬أنا‭ ‬أمينة‭ ‬من‭ ‬منا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ... ‬أن‭ ‬يجلد‭ ‬ابنك‭ ‬مرتين‭ ... ‬وأمام‭ ‬الخلق‭ ... ‬