جريدة الزمان

مقالات الرأي

شوفى يا مصر البلدية ماتت والحى فى الإنعاش والزمالك تغرق

ماهر المهدي -

المحال تفترش الأرصفة وتحتل مساحة المشاة بلا حياء، والمتسولون يتناثرون هنا وهناك على امتداد الطريق وعلى سلالم الكبارى وعلى مسارات المشاة فوق الكبارى كبقع عفنة فى ثوب أبيض، وأتوبيسات النقل العام بأحجامها المختلفة تسير كالسكارى فى شوارع الحى، فتميل إلى اليمين وإلى اليسار وتتوقف فى أى موقع فى نصف الشارع أو على الجانب الأيمن أو على الجانب الأيسر لتلقط راكبًا أو تنزل راكبًا بينما السائق يطلق بوق الأتوبيس مرات كثيرة متتابعة على سبيل المرح والتسلية، وبعض الركاب يتشبثون بباب الأتوبيس المجنون وهم على سلمه بلا حافظ ولا واقٍ من السقوط، والمينى باص والميكروباص يطلقان سيلًا من  بوقيهما ويرصدان منادين على بابيهما لاجتذاب الزبائن، بينما السائقان شريدا المنظر بلحيتيهما الطويلتين الرثتين يشربان الشاى بيد ويقودان السيارتين بيد.

بائع السمك ينشر مقلاة السمك أمام محله فى الحى الراقى بلا خوف محتلًا طريق المشاة، ويستقبل الزبائن على طاولات تعوق المارة أمامه، وراحة السمك تملأ المكان كما لو كنت فى سوق للسمك، وإلى جواره محل السجاد الذى يفترش الرصيف ليعالج السجاد فى تؤدة، وموزع العيش البلدى ينطلق بدراجته المتسخة الخطرة الكالحة التى تستحق الدفن وبملابسه الرثة فى الشارع حاملًا كمية من العيش على مسطح من الخوص المجدول فوق رأسه، وينطلق مرسال العيش البلدى عكس اتجاه المرور ليصل سريعًا إلى مقصده وهو يتراقص فى حور.

فلاحون وفلاحات أحالوا مداخل الشوارع الجانبية وأسوار بعض البيوت والمدارس إلى منافذ لبيع الخضراوات، بينما الأقفاص تتناثر حولهم أكثر وأكثر كل يوم، وتنضم إليهم بائعات السمك الجائلات أحيانًا، لا بأس فكل ركن فى الحى الراقى هو سوق مفتوح، وإلى جوار الخضراوات تجد بائعى الكتب والمجلات على جدارن المدارس ونواصى إشارات المرور، ومن واتته جرأة كافية أقام كشكًا لبيع السجائر والمشروبات بأنواعها، مع توسعه شيئًا فشيئًا إلى اليمين وإلى اليسار وإلى الأمام، وفى الخلفية، رجال وأطفال يتسكعون هنا وهناك ويتعرضون للمارة: باشا .. أى خدمة يا باشا؟! كل سنة وأنت طيب يا باشا.. فى جميع أوقات السنة: كل سنة وأنت طيب يا باشا.

عمال النظافة يتسولون فى زى الخدمة ويعترضون المارة والسيارات سؤالًا عن مساعدة لله، وساسة السيارات ساروا معلمين ومالكين للشارع بلا رقيب، بل هم يوغلون فى خططهم ويقطعون من الطريق مرافئ لنشاطات تجارية فى طريق المارة.

أصحاب بعض المحال يسدون شوارعًا جانبية ليركنوا سياراتهم بجوار محلاتهم، والبقاء لله فى النظام والمرور والمفروض والصح إلى آخره.

سيارات المدارس القابعة على قلب الزمالك المتألم تخرج ألسنتها للجميع وهى تزأر وتجأر بأحجامها الضخمة وتدخل شوارع الزمالك عنوة، كرجل بدين يصر على ارتداء ملابس الصغر القديمة، وهو لا يبالى بما يصيبها من تمزق وبلاء.  

هذه صورة حى من أرقى أحياء مصر، فهل هذا تطور أم تدهور؟! ولماذا يبدو الأمر كما كان البعض يحاول جاهدًا أن يشوه كل موقع حسن فى مصر؟! حفظ الله مصر ووفق رئيسها وقادتها.