جريدة الزمان

مقالات الرأي

العابثون بالقيم

أحمد إبراهيم الفقيه -

قرأت‭ ‬لبعض‭ ‬الزملاء‭ ‬الكتاب‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬مقالات‭ ‬وتعليقات‭ ‬يعبرون‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬استيائهم‭ ‬لوجود‭ ‬جهات‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬تخويلًا‭ ‬ولا‭ ‬تفويضًا‭ ‬ولا‭ ‬تأهيلًا‭ ‬يعطيها‭ ‬حق‭ ‬القيام‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬وهو‭ ‬التصدى‭ ‬لمنح‭ ‬شهادات‭ ‬التكريم‭ ‬والتفوق‭ ‬والجدارة‭ ‬لأناس‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬فنية‭ ‬وأدبية‭ ‬ورياضية،‭ ‬وربما‭ ‬أخرى‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالمهن‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬التقنية‭ ‬الحرفية،‭ ‬ويعتبرون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬مؤسسات‭ ‬تتبع‭ ‬الدولة‭ ‬وتحتكم‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬فى‭ ‬التحكيم‭ ‬والتقويم‭ ‬معترف‭ ‬بها،‭ ‬ولجان‭ ‬ذات‭ ‬تأهيل‭ ‬وتخصص‭ ‬وشخصيات‭ ‬ذات‭ ‬مرجعية‭ ‬وسجل‭ ‬حافل‭ ‬بالإنجاز،‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المجالات،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الفرز‭ ‬والاختيار‭ ‬وإصدار‭ ‬الأحكام‭ ‬النزيهة،‭ ‬وليس‭ ‬عملًا‭ ‬عشوائيًا‭ ‬مثل‭ ‬الذى‭ ‬تمارسه‭ ‬هذه‭ ‬الجهات،‭ ‬والذى‭ ‬يشكل‭ ‬بالتالى‭ ‬عبثًا‭ ‬بالتقاليد‭ ‬والقيم‭ ‬وإفسادًا‭ ‬للحياة‭ ‬العامة‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬التكريم‭ ‬ومنح‭ ‬الألقاب‭ ‬والشهادات‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مساطر‭ ‬واعتبارات‭ ‬علمية‭ ‬منهجية،‭ ‬فيختلط‭ ‬بالتالى‭ ‬الجيد‭ ‬بالرديء‭ ‬والحق‭ ‬بالباطل‭ ‬وأهل‭ ‬الجدارة‭ ‬بأهل‭ ‬البطالة‭ ‬والعطالة‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬بشكل‭ ‬محدود‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬فإنه‭ ‬فى‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬ليبيا‭ ‬تغيب‭ ‬فيها‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬غيابًا‭ ‬مؤسفًا،‭ ‬وتتضاءل‭ ‬فيها‭ ‬سلطة‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬حدها‭ ‬الأدنى،‭ ‬ويختلط‭ ‬فيها‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل‭ ‬اختلاطًا‭ ‬تضييع‭ ‬خلاله‭ ‬الألوان‭ ‬والأوراق‭ ‬وتختفى‭ ‬الأسس‭ ‬السليمة‭ ‬للفرز‭ ‬والتقويم،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار‭ ‬والأحكام‭ ‬والممارسات،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كارثية،‭ ‬لأن‭ ‬التقييم‭ ‬العشوائى‭ ‬الذى‭ ‬يحدث‭ ‬أحيانًا‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬يقابله‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تقييم‭ ‬له‭ ‬قواعد‭ ‬وأسس‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬مؤسسات‭ ‬عريقة‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬وأكاديمية،‭ ‬تملك‭ ‬تراكم‭ ‬الخبرة‭ ‬وتمارس‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬كثيرة‭ ‬مضت،‭ ‬واستفادت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفاء‭ ‬والتكريم‭ ‬الذى‭ ‬يقدم‭ ‬إلى‭ ‬نجوم‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬والفكر‭ ‬والرياضة،‭ ‬وأهل‭ ‬النبوغ‭ ‬فى‭ ‬الحرف‭ ‬والمهن‭ ‬المختلفة،‭ ‬أجيال‭ ‬بعد‭ ‬أجيال،‭ ‬أما‭ ‬فى‭ ‬ليبيا‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬العشوائى‭ ‬صار‭ ‬وحده‭ ‬الموجود‭ ‬فى‭ ‬الميدان،‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬يتسيد‭ ‬على‭ ‬المشهد،‭ ‬لا‭ ‬ينافسه‭ ‬عمل‭ ‬مؤسساتى‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الجدارة‭ ‬والاستحقاق،‭ ‬وإنما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬المتحكم‭ ‬فيها‭ ‬فردًا‭ ‬أو‭ ‬شلة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المزاج‭ ‬والمحاباة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬والنزوات‭ ‬الخاصة‭.‬

ولابد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬توخت‭ ‬بعملها‭ ‬هذا‭ ‬خدمة‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬والمهنية،‭ ‬وانطلقت‭ ‬من‭ ‬نوايا‭ ‬طيبة،‭ ‬تريد‭ ‬بها‭ ‬تنشيط‭ ‬وتفعيل‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬وإنصاف‭ ‬العاملين‭ ‬فيها،‭ ‬ولكنها‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬أضرت‭ ‬بالعاملين‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬بدل‭ ‬إفادتهم،‭ ‬وأدخلت‭ ‬الخلل‭ ‬بها‭ ‬بدل‭ ‬عملها‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬والنهوض‭ ‬بها،‭ ‬لأن‭ ‬النهوض‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬بخلط‭ ‬الأوراق‭ ‬والعبث‭ ‬بالقيم‭ ‬والتقاليد‭ ‬وإنما‭ ‬بإرساء‭ ‬هذه‭ ‬التقاليد‭ ‬وحراستها‭ ‬وتثبيتها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخها‭ ‬فلا‭ ‬ينال‭ ‬التكريم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يستحقه،‭ ‬ولا‭ ‬يصل‭ ‬نوط‭ ‬الشرف‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أهل‭ ‬له،‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المكانة‭ ‬الرفيعة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬المعرفة،‭ ‬وفى‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬من‭ ‬مهن‭ ‬الطبابة‭ ‬أو‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬المجالات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والعلمية‭ ‬المختلفة‭.  ‬نعم‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بالمفكرين‭ ‬والمبدعين‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬والعلوم،‭ ‬وأهلًا‭ ‬بمجتمع‭ ‬يكرم‭ ‬المتفوقين‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬ويصنع‭ ‬القدوة‭ ‬والمثل‭ ‬الذى‭ ‬تحتديه‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬فهذا‭ ‬الاحتفاء‭ ‬وهذا‭ ‬التكريم‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬حيوية‭ ‬المجتمع،‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬سعيه‭ ‬لتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬اهل‭ ‬التفوق‭ ‬والإبداع،‭ ‬ولكنه‭ ‬احتفاء‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬سليمة‭ ‬لكى‭ ‬لا‭ ‬ينقلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬السحر،‭ ‬ونأتى‭ ‬بالضرر‭ ‬ونحن‭ ‬نتوخى‭ ‬الخير‭ ‬ونسعى‭ ‬إليه‭. ‬