رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

بيزنس الدجل في مصر

بيزنس الدجل فى مصر.. «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»

مطالبات بمحاكمة الساحر والموكل أمام الجنايات.. ومصادرة أموالهما

المصريون ينفقون المليارات على أعمال السحر 

أعمال الخرافة تجتاح الفضائيات و«خديجة المغربية» على رأس القائمة

 ومجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعى لتعليم السحر

رجال الدين: الأمية الدينية وراء انتشار تلك الظاهرة والعودة إلى الصلاة وقراءة القرآن خير حصن للمسلم

 خبير أمنى: ضرورة إقرار تشريع يجرم السحر وأعمال الدجل ويعاقب المتورطين

«اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم... رغم تسليط الأضواء مرارا وتكرارا على فخاخ الدجالين وشرور المشعوذين إلا أن ضحاياهم لا يزالون يغمون أعينهم عن الحق ويعطلون عقولهم ليستمروا في ضلالهم أمام أشخاص معروف عنهم سبل تسخير الجن الذي يتحكمون فيهم بعد الكفر بآيات الله وارتكاب مخالفات دينية كبرى.. الأمر الذي يتطلب ثورة مجتمعية وأمنية في هذا الملف الذي أفسد حياة الكثير من المصريين وفرق بين الأزواج ونغص معيشتهم وسلب أموالهم.. أفلا يستحق «الموكلون» العقاب رأسا برأس مع من يلجؤون إليهم من الدجالين والمشعوذين.

وسط هذا العبث الكبير، خرج فقهاء قانونيون وخبراء أمنيون، مطالبين بضرورة  محاكمة هؤلاء المخرفين والسفهاء أمام محكمة الجنايات بدلا من اعتبارها جنحة تحمل عقوبة "لا تغني ولا تسمن من جوع"، مشددين على ضرورة تغليظ العقوبات عليهم جميعا لتكون رادعة لشرورهم.

وأشاروا إلى أن وضع تلك العقوبة التي تشتمل على مصادرة الأموال من الطرفين «الساحر- الموكل» للحد من تلك الأعمال السفلية التي نغصت حياة المواطنين، بعد أن انتهى الأمر بأصحاب النفوس الضعيفة وقليلو الإيمان إلى اللجوء إلى من يستسيغ الكفر بدين الله مقابل مطامع دنياوية.

وفى السطور التالية نلقى الضوء على هذا العالم الخفى وأسراره والمتحكمين به، وكيف انتقلوا من الخيام التى سكنوها لسنوات إلى الفضائيات ليعلنوا عن أنفسهم بكل بجاحة كالشيخة خديجة المغربية وغيرها من مشعوذين على نفس الشاكلة؟

ويمتهن الآلاف من العاطلين بمصر الدجل والسحر والشعوذة للنصب على ضحاياهم وإيهامهم بالقدرة على الشفاء من الأمراض المستعصية وجلب الحبيب والتفريق بين الرجل وزوجته، وغيرها من الأعمال السفلية، ونتيجة لانتشار ما يعرفه العلماء باسم «الأمية الدينية» كان من الطبيعى أن ينتشر فى المقابل أعمال الدجل والشعوذة، وتتحول إلى عصابات من مختلف الجنسيات وجدت فى مصر وشعبها ضالتهم التى بحثوا عنها منذ سنوات.

وأثبتت الأبحاث والتقارير الرسمية الصادرة من مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن المصريين ينفقون سنويًا على تلك الأعمال قرابة 3 مليارات جنيه، وهو رقم ضخم مقارنة بتدنى مستويات المعيشة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد منذ سنوات قليلة، كما ذكرت التقارير أن نحو 40% من النساء يلجأن لتلك الأعمال السفلية لقضاء حواجئهن مع الأضرار بالأخرين.

علماء الدين لـ«الزمان»: تعليم السحر حرام شرعًا والأمية الدينية وراء انتشاره

وتواصلت «الزمان» مع عدد من علماء الدين، الذين استنكروا تلك الأفعال والتى حرمها الله فى كتابه العزيز، إذ يرى جمهور العلماء أن انتشار الأمية الدينية والابتعاد عن القرآن والصلاة سبب رئيسى وراء هروب الناس إلى الدجالين والمشعوذين.

الشيخ محمد مبروك إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، قال لـ«الزمان»: اتفق جمهور العلماء على أن فك السحر لا يتم إلا بالقرآن والرقى والأوراد الشرعية أما عن فك السحر بسحر آخر فهو محرم شرعا، بإجماع جمهور العلماء لأنه لا يختلف عن السحر فى الأساس، وعلى هذا النحو تحدث ابن القيم حين قال عن قضية فك السحر بالسحر، بأنها من أعمال الشيطان وقال إنها من أعمال التقرب من الشياطين وهم فى الدرك الأسفل من النار .

ولفت "مبروك" إلى أن جمهور العلماء والأئمة يؤكدون أن السحر بكافة أشكاله سواء التعلم أو التعليم أو الممارسة أو حتى لفك السحر فهو حرام شرعا، وأحد الكبائر لأنه يفتح باب شرور النفس ويوقع العداوات، كما أن هناك العديد من الأئمة والشيوخ الأجلاء، ذهبوا إلى أن تعليم السحر وتسخير الجن يجلب على الإنسان الشرور لأنه بذلك يستطيع تسخير جنس أقوى منه لخدمته.

ويتفق معه الشيخ إبراهيم رسلان إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، قائلا: غياب الأمية الدينية هو السبب وراء انتشار وازدهار تلك المهنة الشيطانية، وهناك دور على رجال الدين لا بد وأن يقوموا به من خلال الخطبة وتوعية الناس، كذلك هناك دور على رجال الإعلام وتسليط الضوء على تلك الخرافات وفضحها، كذلك هناك دور على أجهزة الدولة التنفيذية والبرلمان وسن تشريعات تجرم هذه الأفعال مثلما فعلت دولة المغرب.

مطالبات قانونية بتغليظ العقوبة من جنحة إلى جناية

ولأن أعمال السحر والشعوذة تنتهى دائمًا بجريمة قد تكون واحدة من الثلاثة «اغتصاب – قتل – عاهة مستدمية» ناهينا عن النصب الذى هو أساس المهنة، وللأسف غاب عن البرلمان مناقشة تعديل القوانين لتشديد العقوبة على منتحلى صفة المعالج الروحانى والتى انتشرت بقوة مؤخرًا.

المستشار أسامة الرخ المحامى بالنقض والفقيه القانونى، أوضح لـ«الزمان»: «جريمة الدجل والشعوذة تدخل قانونًا فى إطار جرائم النصب والاحتيال، وتصنف جُنحة، إذ ينتحل المتهم صفة وليس باعتباره دجالًا أو مشعوذًا، ويتحصل من الضحية على أموال مقابل هذه الصفة، ومعظم القضايا تنتهى ببراءة المتهم، لصعوبة إثبات حصوله على أموال من الضحية، أو الاعتداء عليها فى حينها.

وتابع الرخ: أما إذا ارتكب الدجال جريمة ومنها قتل الضحية أثناء إخراج الجن منها فهى جريمة يعاقب عليها القانون وتصل إلى المؤبد وفى حالات أخرى الإعدام وعلينا أن ندرك خطورة استمرار ارتكاب جرائم النصب باسم السحر والعلاج الروحانى فهى ضمانة للمتهم بممارسة تلك الأعمال حتى بعد خروجه من السجن.

ويؤيد هذا الرأى، الدكتور محمد يحيى أستاذ القانون العام، قائلا: تغليظ العقوبة وجعلها رادعة هو خير وسيلة لحماية المواطنين من شرور السحرة والمشعوذين ونطالب مجلس النواب فى دورة الانعقاد الرابع بضرورة النظر فى قانون العقوبات مرة أخرى أو على الأقل سن تشريع جديد لمعاقبة المتورطين فى تلك الأعمال التى ترتقى عن منزلة النصب وتصل إلى ارتكاب الجرائم، فكم من روح زهقت بسبب تلك الأعمال، خاصة أن المشعوذ يخبرك بأن من فعل بك هذا العمل الشرير هو أحد أقاربك من الدرجة الأولى وفى الغالب تكون زوجة عمك وهنا تظهر نوايا الانتقام لدى الضحية الذى يخطط ويعد العدة للانتقام بكل الصور الممكنة.

وأضاف أستاذ القانون أن هناك دورا بالغ الأهمية على أجهزة الدولة التشريعية ولا بد أن يتم النظر لخطورة هذا الأمر، فهل يعقل أن ينفق المصريين خلال السنوات القليلة الماضية أكثر من 20 مليار جنيه على أعمال السحر والشعوذة، وهو ما شجع حاملى الجنسيات الأجنبية للاستقرار فى مصر وممارسة أعمالهم السحرية لجمع الأموال من جيوب المصريين.

تغليظ العقوبة على الطرفين

أكد الخبير الأمنى اللواء مصطفى المنشاوى، أن دور الأجهزة التنفيذية فى مكافحة أعمال السحر والشعوذة كبير خاصة الفترة الأخيرة، ونجاح رجال الشرطة فى إلقاء القبض على عدد كبير من الدجالين والنصابين وبعضهم تمت إحالتهم إلى الجنايات لشروعه فى قتل الحالات خلال إخراج الجن من الجسد، ولكن للأسف لا يزال القانون المصرى يعرف ممارسة أعمال السحر والشعوذة فى نطاق عمليات النصب، ولا بد أن تخرج من هذا النطاق إلى حيز آخر وهو تغليظ العقوبة وتحويلها إلى جناية وعدم التعامل معها وكأنها جنحة.

ولفت المنشاوى إلى أن بعض البلدان العربية يتم التعامل مع أعمال السحر والشعوذة على أنها جناية يعاقب عليها وفقًا لقانون العقوبات بإجراءات مشددة، وعليه لا بد من وجود تشريع منفصل يستطيع رجال القضاء الاهتداء به لمعاقبة المتورطين فى تلك الممارسات الشيطانية.

بدوره، أوضح الدكتور أحمد وهبة الفقيه القانونى، أن السحر عقد ورقى شيطانى يتوصل به الساحر بعد الكفر بالله وعبادة الشيطان إلى التأثير فى بدن المسحور أو عقله أو قلبه، وهو من أعمال الكهانة التى نهى الإسلام عنها، وهناك ازدراء للأديان فى مثل هذه الأعمال.

وأضاف وهبة أن القانون لم يتطرق إلى السحر وتأثيره على التصرفات والمعاملات عند البحث فى انعدام الأهلية أو عند البحث فى صحة الرضا، وبالعودة إلى الفقه الإسلامى نجد أنه ذهب إلى عدم وقوع طلاق المسحور إذا كان فاقدا للوعى، بحيث لا يدرى ما يقول أو يفعل، ويجد نفسه مجبرا على التلفظ بلفظ الطلاق، فالمسحور عند الرأى الراجح فى الفقه هو كالمجنون والمعتوه وينطبق عليه ما ينطبق عليهما من أحكام الطلاق وسائر المعاملات، أما إذا كان يعى ما يقول أو يفعل فطلاقه واقع شأنه شأن العقلاء الأصحاء.

وشدد "وهبة" على ضرورة إقرار تشريع قائم بذاته لمواجهة تلك التصرفات الشيطانية ومواجهتها برلمانيًا، حرصًا على المواطن من نشر تلك التقاليع الشيطانية.

بيزنس السحر والشعوذة داخل مصر

وفي ضوء الأرقام الرسمية التى حصلت عليها «الزمان» من مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، وكشفت أن نحو ثلاثمائة ألف شخص فى مصر يدعون القدرة على علاج المرضى بتحضير الأرواح، وإخراج الجن من جسد الإنسان، إضافة إلى عدد مماثل يزعمون قدرتهم على علاج المرضى بآيات من القرآن والإنجيل، وهو ما يعنى دجال واحد لكل 270 مواطنا.

كما أكدت دراسة سابقة للمركز أن كثيرا من المصريين ما زالوا يؤمنون بالخرافات والدجل، أنفقوا قرابة 10 مليارات جنيه مصرى على الدجالين والمشعوذين الذين يلجئون إليهم بهدف حل مشاكلهم، التى أهمها العنوسة أو إخراج الجان وفك السحر والأعمال السفلية، وأشارت الدراسة إلى وجود مافيا للسحر والشعوذة فى مصر تصل أرباحها إلى 3 مليارات جنيه سنويا.

كما تشير الدراسات، إلى أن حوالى 40% من نساء مصر يؤمنّ بالدجل وقدرة المشعوذين على حل المشكلات، كذلك يؤمن بالدجل كثير من المصريين من الرجال الباحثين عن التفوق الجنسى أو الشفاء من العجز أو ما يعرف بالربط الجنسى.

وقال الدكتور عصام محمد أستاذ الطب النفسى: « إن مثل تلك الدراسة وغيرها من الدراسات التى شاركت فى وضعها، تجعلنا فى حيرة من أمرنا فكيف لأمة لديها من الآيات والأحاديث والسنن النبوية ما يحصنها ضد تلك الأعمال السفلية والسحر والشعوذة وفى النهاية نلجأ إلى الدجالين، وهنا كان عنوان لدراسة قمت بها من قبل عن انتشار بيزنس أعمال السحر فى مصر وأسبابه، وفى ضوء عينة عشوائية قمت بإجراء الدراسة عليها تبين أن تلك الأعمال منتشرة بقوة بين سكان الصعيد والأرياف ويقل فى القاهرة وضواحيها نظرًا للتركيبة السكانية، ومثل تلك الأعمال تنتشر بقوة داخل البيئة الفقيرة والتى على الرغم من فقرها إلا أنها تزدهر بقوة فلا مانع لدى رب الأسرة أن يبيع أحد المواشى التى يربيها وينفقها على علاج زوجته من إحدى الأعمال السحرية التى تدفعها للخروج ليلا من المنزل، رغم أنه مرض معروف وهناك علاج له إلا أنه يختصر الطريق ويذهب مباشرة للسحرة».

وتابع أستاذ الطب النفسى، لـ«الزمان»: «للأسف غياب دور رجال الدين فى القرى الفقيرة وراء انتشار تلك الظواهر والنتيجة الطبيعية انتشار الجريمة، وهناك عشرات النماذج على ذلك».

ويتفق معه فى المعلومات، الدكتور محمود مجدى أستاذ علم الاجتماع السياسى، قائلًا: تتحكم فى عقول المصريين نحو 275 خرافة على رأسها مشكلات تأخر سن الزواج وعدم الإنجاب والمشكلات الجنسية المعقدة، إضافة إلى الأمراض المستعصية، ورغم أن الأقاليم كان معرف عنها انتشار المشعوذين إلا أنه وبفضل إعلانات الفضائيات انتقل عدد كبير منهم إلى القاهرة وأصبح لديهم زبائن من الأعيان والأكابر ووصل عدد المشعوذين داخل القاهرة وحدها حوالى 100 ألف.

وتابع أستاذ علم الاجتماع السياسى: دراسات سابقة اطلعت عليها لعدد من الباحثين فى هذا الشأن تشير إلى انتشار الدجالين داخل القاهرة فى مناطق شعبية مثل الشرابية وحى شبرا الخيمة بنسبة 32.5% والسيدة زينب بنحو 11%، فيما تنخفض النسبة فى الأحياء الراقية إلى أقل درجاتها، إذ لا تتجاوز النسبة فى مصر الجديدة 4.43% بينما تتقدم هذه النسبة فى جاردن سيتى والزمالك، وهى دراسات اعتمدت على استبيان رأى وجمع معلومات دقيقة.

وعن صور أعمال الدجل التى يمارسها هؤلاء الأشخاص، أوضح أستاذ علم الاجتماع السياسى أن هناك صورا متعددة للدجل ومنها قراءة الفنجان أو إعداد الأحجبة أو طرد الأرواح الشريرة، وفتح المندل.

تعليم السحر داخل مصر

ومن الظواهر الغريبة التى رصدتها «الزمان» أثناء جمع المعلومات حول انتشار بيزنس السحر والشعوذة داخل مصر هو انتشار كتب تعليم السحر على أرصفة القاهرة بالعتبة والموسكى وسور الأزبكية، إلى جانب انتشار مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك لتعليم رواد الموقع فنون السحر وبعض التعويذات.

محمد فتحى بائع كتب بالأزبكية، يوضح لـ«الزمان»، انتشار تلك المجلدات، قائلا: بالفترة الأخيرة ازدهرت طباعة كتب السحر والشعوذة نظرًا للإقبال الكبير من جانب المواطنين على تلك النوعية من المجلدات التى وفرت لبعض البائعين زبائن مضمونين فى وقت يعانى فيه السوق من حالة ركود، وأكثر الكتب مبيعًا بالأسواق حاليا «النور السالك فى تسخير الممالك، وشمس المعارف، والأسرار النورانية فى العلوم الروحانية، والسحر العظيم»، وجميعها مجلدات تتحدث عن السحر والشعوذة.

وتابع فتحى: الرقابة على المصنفات تقوم بحملات بين الحين والآخر على منافذ بيع الكتب، ولا تستطيع تصنيف تلك المجلدات بأنها تمثل خطورة على الأمن العام والأمن القومى، وللأسف المئات يلجئون إليها للنصب على المواطنين وتحضير الجن.

ولم تكن الأرصفة وحدها من ترفع شعار «تعليم السحر بالمجان» ولكن رصدنا بعض الحالات التى لجأت لمواقع التواصل الاجتماعى لتعليم السحر، ويؤكد بولا رفيق الشاب العشرينى لـ«الزمان»، أن فيسبوك أصبح الوجهة الأولى لأى شاب شغوف بمعرفة ما هو الجديد فى أى مجال ولجأ إليه المئات بل الآلاف لتعليم السحر وهذا ما تم معى.

بولا، والذى اضطر لتعلم بعض الطقوس والطلاسم، يروى تجربته لـ«الزمان»، مع هذه الصفحات، قائلا: حضر لى أحد الأصدقاء ذات يوم وبرفقته بعض الأوراق بنية اللون وأخبرنى بأنها دولارات ولكن تحولت للون البنى بفعل تعويذة ألقاها أحد مشايخ الجن السفلى، وهناك ملايين الدولارات التى تحولت إلى اللون البنى بفعل هذه التعويذة وفى ظل الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار والبطالة، لم أجد سبيلا إلا التردد على هذه الصفحات بعد أن وجدت بعضها تعلمك فن فك التعاويذ واللعنات، وبدأت أتعلم منها بعض الطقوس وحاولت تنفيذها إلا أن الخوف من النتيجة دفعتنى للتراجع، لأن استحضار الجن وعدم التحكم به قد يؤذيك.

وتابع بولا: لست أول ولا آخر شاب يتردد على تلك الصفحات، وهناك المئات يتابعونها يوميًا وجروبات مغلقة لنفس الغرض، وبعض الصفحات إلى جانب تعليم السحر والشعوذة تقوم ببيع أدوات الكهنة والتى تباع فقط داخل مصر، وتستخدم فى طقوس استحضار الجن الفرعونى الذى يحرص المقابر الفرعونية، وفى حال تم تطويعه يقوم بإرشاد الساحر إلى مكان المقبرة.

جولة بين أوكار الإنترنت

رواية بولا لم تكن سوى بداية، لعشرات الصفحات التى رصدناها على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك حيث الخدمة بالمجان، والمكاسب المادية تعود على أأصحاب الصفحات من خلال بيع بعض المجلدات والأحجار التى تستخدم فى عمليات السحر، وقد بدا ذلك واضحًا فى صفحات «تعليم السحر والعلاج الروحانى» والتى عرض زوارها مواهبهم من خلال استعراض بعض الطلاسم التى كتبوها بأيديهم على بقايا عظام حيوانات ولوحات نحاسيه اللون، كما اهتم البعض الآخر بعرض مشاكلهم أملا فى العثور على شخص مناسب بين زوار الصفحات لكى يساعده على حلها، وكانت أبرز المشاكل التى رصدناها «عودة المطلقة، وفك الأعمال، وجلب الحبيب»، لتجد سريعًا عشرات المشايخ ينهالون بتعليقات توضح مدى قدرتهم على حل تلك المشاكل.

«الزمان» تواصلت مع أدمن واحدة من تلك الصفحات ودار بيننا وبينه حديث مطول، طالبناها خلاله بتعليمنا بعض الطقوس التى يمارسونها ويعلموها لزوار تلك الصفحات، إلا أن الأدمن والذى يطلق على نفسه اسم «الساحر هارون الشامى»، شدد على أن السحر الأسود وسحر القبور التى تعلمه بعض الصفحات لروادها غير متاح على صفحته ولا يقبل أن يتعلمه الناس.

هارون أوضح أنه وهب نفسه لإرشاد الناس إلى بعض الآيات القرآنية التى تستخدم لفك السحر وجلب الحبيب وعودة المطلقة وفك الأعمال، علاوة على أن هناك 23 طريقة لتعليم السحر الأبيض والذى لا يؤذى صاحبة على الإطلاق، وهو لا يعتبر سحرا بقدر ما هو استرشاد ببعض الآيات.

وبسؤاله عن أماكن تعليم السحر داخل مصر، أوضح أنه لا يوجد ما يعرف بأماكن تعليم السحر، وقبل سنوات كانت هناك جماعة تسمى بـ«الويكان» موجودة بمدينة طابا وانضم إليها مجموعة من الشباب لتعلم بعض الطقوس.

ومن خلال صفحات «تعليم السحر» داخل مصر، تواصلنا مع بعض الموجودين ممن نشروا فنونهم التى تعلموها داخل تلك الصفحات، إذ أوضح رضا حبيب أنه لم يتعلم السحر بغرض إيذاء الأشخاص ولكن كنوع من الفضول لتعلم شيء جديد، وتعتبر هذه الصفحات بمثابة فاترينة لعرض أدوات السحرة والتى تباع للمحترفين ممن سخروا جن فيما مضى، ويبلغ عدد الصفحات 100 على أقل تقدير أغلبها تابعة لثلاثة أو أربعة أشخاص امتهنوا هذا المجال منذ زمن بعيد، ويبدو هذا واضحًا فى المنشورات المتشابهة داخل أكثر من صفحة.

على الجانب الآخر، شدد الدكتور خالد مصطفى أستاذ علم الاجتماع، على أن الظروف الاقتصادية والمعيشية وغياب الثقافة هو ما يقود الشباب وراء تلك الصفحات التى تمارس أعمال النصب والدجل، ولعل حالة الفراغ التى يعيشها أغلب الشباب هى ما دفعتهم للانشغال بتلك الصفحات، ولا أرى أن وجودها ملحوظ فيمكن وصفها بالحالات الفردية والتى لم ترتق لمستوى الظاهرة، حتى نعيرها اهتماما.

موضوعات متعلقة