رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

الغرفة وسيلة مستوردة من الخارج.. وتسبب للطفل أزمات نفسية والضحايا بالمئات.. والمسئولون لا يعلمون عنها شيئا

«غرف العزل» لعنة تدريبية لأطفال المدارس الخاصة

أولياء أمور: مدارس خاصة وإنترناشيونال تعتمد على غرف العزل بدلا من الضرب.. والنتيجة «تبول لا إرادى للتلاميذ» وأمراض نفسية

استشارى نفسى: تم إلغاء ذلك الإجراء بمدارس الغرب.. بعد انتشار حالات الانتحار بين الطلبة.. واعتماد وسيلة أخرى ولا بد من إلغائها فى مصر

اعتدنا داخل مدارس مصر منذ قديم الأزل أن الضرب وسيلة المعلمين لتأديب الطلاب وهو الإجراء الذى تراجع بعض الشيء مع مرور الوقت وإلزام الوزارة المعلمين التعامل بأقصى درجات ضبط النفس مع التلاميذ والطلبة، وفى المقابل غردت المدارس الخاصة والإنترناشيونال بعيدا عن السرب ولم تعتمد على الضرب كوسيلة فعالة لتأديب المذنبين بعدما استوردت فكرة أجنبية خالصة 100% وهى غرف العزل، التى شهدها العالم لأول مرة فى الولايات المتحدة خمسينيات القرن الماضى، فكان الطالب المذنب يتم وضعه داخل غرفة أشبه بالمظلمة وحيدا، وهو أمر أشبه بغرفة الفئران التى كانوا يهددون بها التلاميذ فى الابتدائى قديما، قبل أن تتحول إلى حقيقة فى أيامنا هذه ولكن ليس فى مدارس الحكومة بل فى المدارس التى وصل سعر المصروفات الخاصة بها إلى 100 ألف جنيه للعام الواحد وربما يزيد عن هذا الرقم وبالدولار.

ورصدت «الزمان» بالوقائع ضحايا غرف العزل بالمدارس الخاصة وانتشارها بقوة فى الوقت الذى تجاهل فيه المسئولون الإلمام بأدنى معلومة عن تلك الغرف سوى أنها وسيلة علمية لتأديب التلميذ وحثه على المذاكرة وكتابة واجباته، فيما رأى استشارى نفسى أن تلك الوسيلة تم منعها نهائيا بالخارج لأنها تخلق فى وجدان الطفل حالة أشبه بالمرض النفسى تصيب الشخص المحكوم عليه بالإعدام وتدفعه للاكتئاب، وعلى ضوء ذلك تواصلنا مع كافة الأطراف المعنية بأمر تلك الغرف والتى تحولت إلى مفرخة لإنتاج أطفال مرضى نفسيين.

«تعرضت لصدمة عصبية وحررت ضد المدرسة بلاغا إداريا بعدما عرفت من ابنى بأمر غرفة العزل وما رآه داخلها».. بتلك العبارة بدأت هبة ربيع ولى أمر الطالب معتز بالصف الثانى الابتدائى بواحدة من المدارس الخاصة بالجيزة، وذلك بعدما تعرض نجلها لأزمة نفسية جعلته يدخل فى نوبات فزع أثناء نومة وخوفه من الذهاب إلى المدرسة، قائلة: «لأيام متتالية أستيقظ ليلا على صراخ نجلى وهو يردد كلمة.. (بلاش غرفة الفئران).. ويتبول على نفسه من شدة الفزع، وهو ما دفعنى للاستفسار عن الأمر منه، ومن أولياء أمور آخرين لأتأكد من حقيقة الأمر لأنه من المستحيل أن تكون مدرسة خاصة وبمصروفات مرتفعة هكذا، وتقوم بهذا الإجراء الشنيع».

وتابعت: «تأكدت من وجود غرفة تسمى بـ(العزل) وهذه يتم وضع فيها التلميذ المشاغب والذى لم يكتب واجباته أو تشاجر مع زميله، وذلك للسيطرة عليهم دون اللجوء للضرب رغم أن حرمانهم من ممارسة الأنشطة هو إجراء مماثل ولا يخلق الرعب فى نفوس التلاميذ، وعليه حررت ضد المدرسة بلاغا لدى إدارة التربية والتعليم والمديرية بالجيزة ولن أتراجع قبل أن آخذ حق نجلى وتعويضا عن الضرر الذى لحق به، فمنذ تلك الواقعة ولم أترك طبيبا إلا وذهبت إليه ليخبرنى بأن نجلى تعرض لصدمة نفسية شديدة تحتاج إلى فترة حتى تزول آثارها.

وعن تفاصيل تلك الغرفة، يروى أحد الموظفين بمدرسة خاصة – رفض ذكر اسمه – أنها غرفة أشبه بالمظلمة ولكنها ليست كذلك، لها باب وليس بها شباك وأحيانا تستعمل كمخزن لإلقاء بعد المقاعد القديمة وهو ما يزيد من رعبها على نفوس التلاميذ، والفترة التى يقضيها التلميذ داخل تلك الغرفة لا تزيد عن ربع ساعة وغير مسموح بجلوس طفلين فى الغرفة فى نفس الوقت فهو تأديب انفرادى.

وتابع: «المسئولون بالتربية والتعليم لا يعرفون عن أمر تلك الغرف شيئا ولو عرفوا فهم لا يعرفون تداعياتها على الأطفال فى بعض المرات كنت أسمع أطفالا يصرخون مجرد غلق الباب عليهم داخل غرفة العزل ولأنى موظف أخشى على خسارة وظيفتى كنت أتألم من صرخاتهم وأذهب بعيدا عن الباب داعيا الله أن تتوقف تلك الممارسات التى تتباهى بها إدارة المدرسة وتقول إنها مستوردة من الخارج بدلا من الضرب، وكثيرا ما رأيت أطفالا يتبولون على أنفسهم بعد خروجهم من الغرفة من شدة الفزع».

رواية أخرى رصدتها «الزمان» لإحدى أولياء الأمور وتدعى سلوى البنا والدة الطفلة بسنت محمود بالصف الثالث الابتدائى، وتقول: «ابنتى متفوقة دراسيا إلا أنها مشاغبة أحيانا بحكم السن وهو ما يجعل المعلمة لديها فى الفصل دائما ما تدون لى ملاحظات بأن حديث ابنتى فى الفصل يشوش على زملائها وحاولت السيطرة على ابنتى قدر المستطاع بالنقاش والفهم وقضينا على الأزمة أو هكذا فهمت، وبعد فترة وجدت ابنتى وهى فى هذه السن الكبير تتبول على نفسها أثناء النوم، ولأن الأمر لا يمكن السكوت عنه ذهبت بها إلى طبيب لمعرفة الأمر، وأخبرنى بأنها قد تكون تعرضت لصدمة نفسية».

وتابعت: «تحدثت معها عن ما تعرضت له، وأخبرتنى بأن المعلمة أخضعتها لثلاث جلسات عقاب فى أسبوع واحد بغرفة العزل، فذهبت فى اليوم التالى إلى المدرسة وهى فى منطقة الهرم، وطلبت من المدير رؤية غرفة العزل وكانت أشبه بمنزل الرعب، فهى ليست كما يظن بعض أولياء الأمور ويهللون لها لأنها أفضل من الضرب، فجدران الغرفة مرتفعة والرطوبة بها مرتفعة للغاية بشكل يجعلها مقبرة فى الصيف وثلاجة فى الشتاء وبها أدوات ومقاعد متهالكة وعلى الفور أبلغت زوجى الذى اختصم مدير المدرسة وهدده برفع دعوى قضائية فى حال استمرت تلك الغرفة، وعرفت فيما بعد بأنها أغلقت بالفعل».

واستنكر الأستاذ الدكتور إبراهيم حسنى، استشارى الطب النفسى، ذلك الإجراء واصفا إياه بالمريض، قائلا: «غرف العزل ظهرت للمرة الأولى فى الولايات المتحدة وبالتزامن مع ظهورها فى فرنسا وكانت تستخدم فى الأخيرة لعقاب الفتيات المسلمات بسبب الملابس المحتشمة التى كانوا يرتدونها وهم فى طريقهم للمدرسة وكانت آخر واقعة تمت العام قبل الماضى، ورغم ذلك تم القضاء على فكرة غرف العزل كوسيلة للعقاب لما لها من آثار نفسية سلبية وضارة جدا على الإنسان، فهى تجعله المذنب أشبه بالمحكوم عليه بالإعدام».

ولفت حسنى إلى أن المدارس الخاصة والإنترناشيونال تعتمد على وسائل مبتكرة فى تأديب التلاميذ ولكن شرط أن لا تسبب لهم ضررا جسديا ولا نفسيا، والأخير أشد ضررا لأنك تخلق داخل الطفل شخصا فاقد الثقة وغير مؤهل للانخراط داخل المجتمع وفى المستقبل مجرم محتمل، لأنك تقتل داخله أى وسيلة للابتكار والإبداع، فالطفل فى مرحلة الابتدائى معروف عنه فرط الحركة وهذا أمر يعالج بممارسة أنشطة مثل الرسم والموسيقى ولكن لا يعالج بالعزل والترهيب والتخويف، فهى أمور لا نقبلها على أبنائنا.

ويتفق معه الخبير التربوى محمد عادل قائلا: لا يمكن أن تكون تلك وسيلة لعقاب الأطفال فإما الضرب والإيذاء الجسدى أو العزل والإيذاء النفسى، وفى النهاية يدفع ولى الأمر ومن قبله التلميذ ثمن صمت وزارة التربية والتعليم وتراخى المسئولين عن القيام بدورهم تجاه تلك الكيانات الخاصة والدولية، والتى ينبغى إخضاعهم للرقابة المشددة.