رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

كارثة.. المصريون يتغذون على دماء «السلخانات»

عصابات بير السلم تحول دم الذبائح إلى كبدة.. وتداولها بعربات المأكولات السريعة فى الشوارع

إضافة مواد كيماوية على الدم ليتحمل درجات الحرارة ولا يذوب

الأمراض الخبيثة نصيب من يتناولها على المدى البعيد

خبراء: المواطن يواجه حربا شرسة من مافيا الغش التجارى.. وأدوات الرقابة غير مفعلة على عربات المأكولات السريعة

كبدة الدم تصيب المستهلك بأورام.. ومواجهة الظاهرة يبدأ من السلخانة والتخلص من الدماء بطريقة آمنة

تطل علينا بعض عربات الكبدة التى تنتشر فى الميادين بين الحين والآخر، بأسعار رمزية لسندوتش الكبدة، مؤكدين تحديهم للأسعار ووقوفهم إلى جوار المواطن فى مواجهة غلاء الأسعار، ليصل سعر السندوتش إلى 2 جنيه، وهو رقم صعب فى ظل ارتفاع سعر كيلو الكبدة البلدى والمستوردة على حد سواء، ومن خلال البحث عن تلك الظاهرة للإجابة عن سؤال، هل استيقظ ضمير الباعة لتحقيق هامش ربح بسيط؟ أم أنه يوجد ما لا يعلمه أحد، وهناك ثمة لغز حول ماهية تلك الكبدة، والتى انتشرت بقوة فى الفترة القليلة الماضية.

أحد أصحاب المحال التجارية المعتمدة لدى جهاز حماية المستهلك ويقوم صاحبة باستيراد اللحوم المستوردة والكبدة، والذى أكد لـ«الزمان»، فى مستهل حديثه، أن المذابح على مستوى الجمهورية تقف وراء سر انخفاض سعر الكبدة وذلك لتوريدها كميات كبيرة من الدماء المجلطة لبعض المصانع التى تقوم بخلطها بمواد كيماوية معروفة وتجميدها داخل ثلاجات لمدة زمنية محددة ومن ثم طرحها للباعة على شكل كبدة مستوردة من السودان مقابل 30 جنيها للكيلوجرام، وهو رقم هزيل للغاية مقارنة بالسعر المعروف فى المحال التجارية.

«حسبى الله ونعم الوكيل، بيخلوا الناس تاكل دم على أنه كبدة».. بتلك العبارة يروى محمد إسماعيل صاحب توكيل استيراد لحوم برازيلية وعضو بالغرف التجارية لمحافظة الغربية، قائلا: شهدت الفترة الماضية كسادًا وتراجعا فى مبيعات الكبدة التى كنا نعتمد عليها بشكل أساسى لإنعاش السوق وتحريك رأس المال وتشغيله، لكن بشكل مفاجئ وجدنا نفورا من جانب أصحاب عربات الكبدة من المنتجات التى نطرحها بالسوق بحجة ارتفاع سعرها، ولجوئهم إلى مصانع بير السلم التى تقوم بتصنيع الكبدة.

وتابع إسماعيل: فوجئت وقتها بأن هناك كبدة مصنعة، فهى عضو خلقه الله فى الحيوانات ويتغذى عليه الإنسان، ومن خلال البحث وراء الأمر عرفت من صديق يعمل طبيبا بيطريا فى واحدة من السلخانات أن هناك مجموعات تأتى بين الحين والآخر للحصول على كميات كبيرة من الدماء، والتى تخزن داخل براميل بلاستيكية حتى يتم التخلص الآمن منها أو بيعها لمزارع الفراخ لخلطها مع الأعلاف لزيادة الإنتاجية، وتقوم العصابات بجمع الدماء وخلطها بمركبات كيميائية وإضافة مادة الجيلاتين المستخلصة من الحيوانات النافقة وداخل مصنع بير سلم يتم خلط كل هذه المكونات ووضعها داخل قالب وتجميدها لأيام، ومن ثم تحصل فى النهاية على شكل أشبه بالكبدة، ولديه نفس المذاق، إذ يتم فرم كبدة مستوردة بكميات محدودة على كميات الدم».

ويلتقط عبدالله صبرى، جزار، طرف الحديث مؤكدًا لـ«الزمان» أنه يعمل فى سلخانة بالسيدة زينب منذ سنوات، وجرت العادة أن يتم التخلص من الدماء الناتجة عن عمليات الذبح بمعرفة الطب البيطرى وبشكل آمن لا يضر صحة المواطنين لتجنب الروائح الكريهة، ومنذ عامين تقريبًا رصدت تردد أشخاص على المذبح للحصول على الدم وبسؤال أحد العمال المسئولين عن شحن الدم من المذبح إلى السيارات عن خط السير، وبعد أن اطمأن لى أخبرنى بأن هناك مصنعا لإنتاج اللحوم وهو معتمد لدى الحكومة، يقوم بتحويل هذه الدماء إلى كبدة وتغليفها داخل عبوات ووضع الاسم التجارى والعلامة التجارية وتوزيعها على المحال التجارية التى تقوم بتوزيعها على عربات الكبدة مرة أخرى.

وتابع صبرى: لا أحد يعلم خط سير الدماء بعد خروجها من المذبح سواء كان المسئولون العاملون داخل المذبح أو غيره، خاصة أنه لم يخطر ببال أحد أنه يتم استخدامه فى صناعة الكبدة، وهو ما يجعل التحرك بهذه الكميات من الدماء من مكان إلى آخر دون مشكلة، فلا أحد سيفكر فى هذه الحيلة الشيطانية التى تباع للمصريين وتسمم أجسادهم، وفور علمى بهذه الحيلة قمت بإبلاغ المسئولين داخل المذبح وتجاهلوا الأمر وأخبرونى بأن تلك الدماء يتم توريدها لمزارع الفراخ لتسمينها.

وعن الطريقة المثالية التى تتبعها عربات الكبدة المتنقلة لعدم فضح أمرها، أوضح عمر الوكيل صاحب سلسلة محلات مشهورة لبيع المأكولات السريعة، أن كبدة البانية هى الطريقة المثالية لإخفاء معالم الجريمة، بعد أن يتم إضافة بعض المكونات لجعل الكبدة تشبه الإسكلوب بانيه، ومن ثم لا أحد يعلم عنها شيئا.

وأضاف أن هناك عشرات النماذج للغش التجارى وأغلبها فيما يخص الأكل والشرب، وغياب الضمير سبب انتشار تلك المصانع التى تقوم بعمل الكبدة من الدم بعد إضافة مكونات أخرى عليها، وتمنى أن يتم تفعيل الرقابة على تلك المنافذ وإبلاغ الجهات الرسمية بالدولة بتلك الحيلة الجديدة.

فيما كشف الدكتور باسم محمد استشارى الجهاز الهضمى والكبد، أنه سمع منذ فترة عن الكبدة الصينى وربما تكون هى أساس تلك المشكلة فهى كبدة مصنعة من مكونات غير طبيعية إلى جانب الدم، ويتم إكسابها نفس الطعم والرائحة وعن طريق البهارات والتوابل، فيتم إخفاء معالم الجريمة، التى تنتهى بالمستهلك فى نهاية المطاف بالفشل الكلوى وفشل وظائف الكبد والأورام.

وتابع: بشكل عام تتسبب الأكلات السريعة من العربات الموجودة فى الشارع لأكثر من 15 مرضا متنوعا تبدأ بالتسمم المعوى، وتصل إلى الأورام فى حال تكرر الأمر على المدى البعيد، وهو ما يجعلنى أحذر فى كل المناسبات بأن مثل تلك الأكلات هى قنابل موقوتة تهبط فى أمعاء المصريين وتقتلهم بالبطيء، ومع انضمام الكبدة المصنعة إلى القائمة فإن الخطر زاد خاصة أن إضافة مركبات كيميائية على الدم وتعريضه للحرار أشبه بسم يتم تناوله مباشرة فى فم الإنسان.

ويتفق معه الدكتور أحمد نور استشارى السموم بالقصر العينى، قائلا: حتى نواجه عصابات الغش التجارى لا بد أولا من تفعيل أدوات الرقابة على المذابح وتوعية العاملين داخلها بخط سير الدماء التى تباع بواسطة معدومى الضمير لتلك العصابات التى تستغلها فى تصنيع الكبدة، وأن يتم توفير ضمانات للتخلص الآمن منها.

وأضاف استشارى السموم: الدولة تواجه حربا شرسة من عصابات دولية تستغل المواطن لتحقيق ثروات على حساب صحته.