رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

لمراوغة الأمن.. استغلال الأطفال في ترويج المخدرات

«أبوالغيط» على رأس القائمة.. وتجنيد المتسولين لتجنب لفت أنظار.. ومراكز حماية الطفل خارج نطاق الخدمة

كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساءً حينما استوقف أحد الأطفال والذى لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره سائق التوك توك، الذى جاء إلى منطقة أبوالغيط طالبًا قطعة من جوهر الحشيش، ليتبادل الطرفان حديثا سريعا انتهى بتسليمه المطلوب والحصول على المقابل المادى، وهو المشهد الذى اعتاد أهل المنطقة رؤيته بشكل شبه يومى.

وفى مناطق متفرقة من القرية التى تداهمها قوات أمن القليوبية بين الحين والآخر إلى جانب مثلث الرعب فى كوم الثمن والجعافرة بذات المحافظة، ليبدو المشهد مختلفًا هذه المرة، إذ بات تجار المخدرات يعتمدون على الأطفال فى ترويج بضاعتهم، وهو المشهد الذى تكرر فى منطقة ميت عقبة ومناطق أخرى، حتى أصبح الأمر بمثابة قنبلة موقوتة تستلزم تدخل الأجهزة الأمنية ومنظمات الدفاع عن حقوق الطفل لحمايتهم من براثن تلك العصابات.

«مشهد اعتدنا رؤيته يوميًا».. بهذه الكلمات بدأ أحد سكان منطقة أبوالغيط حديثه، وقد تحفظ على ذكر اسمه، خوفًا من بطش بعض تجار الكيف، قائلا إنه قبل عامين تقريبًا كان الأطفال يقفون على الشارع الرئيسى الرابط بين مدينة القناطر الخيرية وبين الطريق الدائرى، وفى يد كل منهم شنطة بها تشكيلة من المواد المخدرة وكانت السيارات تصطف خلف بعضها بعضا، حيث تقف كل واحدة ليتهافت عليها الأطفال ويقدم كل واحد منهم عرضا أفضل من الآخر.

وأضاف أنه مع انتشار الحملات الأمنية توقفت تلك الممارسات على الطريق العام وانتقلت إلى الشوارع الجانبية، وهناك زبائن يطلبون خروج البضاعة التى يشترونها إلى الطريق الرئيسى خوفًا من مداهمة العناصر الأمنية أثناء عملية الشراء، وبالطبع لا يوجد أفضل من الأطفال للقيام بالمهمة، وللأسف يتم الاعتماد عليهم بكثرة، ولكى يضمنوا الانتشار بين المواطنين دون لفت الانتباه تجدهم طوال النهار يتجولون بين الشوارع لجمع علب الكانز الفارغة وبعضهم يمتهنون التسول.

فيما التقط «ا.ص» طرف الحديث، وهو من أبناء القليوبية، قائلاً إن تجار المخدرات يعتمدون على الأطفال فى توزيع البضاعة على الزبائن، وسبق أن رأيت أثناء استقلال القطار من رمسيس إلى القناطر الخيرية أطفالا لم تتجاوز أعمارهم الخمس عشر عامًا يقولون كلاما غير مفهوم للشباب على سبيل «حد عايز بن، حد عايز أبيض» وبمجرد أن يسمع الشخص الذى يتعاطى للمخدرات نداء هذا الطفل ينادى عليه ويتفقد البضاعة التى بحوزته.

وتابع: «عرفت فيما بعد أن كلمة بن يعنى حشيش، وكلمة أبيض تعنى ترامادول، وفى مرة من المرات اضطر ـحد هؤلاء الأطفال إلى القفز من القطار أثناء مرور فرد أمن بين العربات لتفقد الركاب، ورغم أنه لم يكن يستهدف الطفل، إلا أنه شعر بالرعب وقفز أثناء دخول القطار للمحطة وكان أن يفقد حياته».

من جانبه، وصف اللواء مصطفى المنشاوى الخبير، سلوك الاعتماد على الأطفال فى ترويج المخدرات، بالمشين الذى يحتاج إلى تضافر جميع الجهود الرسمية والخاصة للقضاء عليها ومساعدة هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا للاستغلال من جانب عصابات ترويج المخدرات فباتوا قنابل موقوتة تنفجر فى وجه المجتمع بأى وقت، مشيرًا إلى أنها وسيلة مربحة للتاجر الذى يعطى الطفل أجرا نظير ترويج المخدرات، وبالقطع سيبدأ هذا الطفل فى تجريب المخدرات ليتحول إلى متعاطٍ وتاجر، وحينما يلقى القبض عليه يتم إيداعه بمصلحة الأحداث لأنه لم يبلغ السن القانونية.

وأضاف المنشاوى أن أطفال الشوارع هى ظاهرة عالمية ذات جذور تاريخية ولها صلة بتطوير المجتمع البشرى وتناقضاته، وتضخمت وأصبح فى حكم المستحيل السيطرة عليها، فهى فى تنامٍ مستمر، أما البيانات الصادرة مؤخرا عن الأمن العام فقد أشارت إلى التزايد المطرد فى حجم الظاهرة، وبدأت هذه الزيادة منذ عام 1992.

ولفت إلى أنه لا يوجد حصر دقيق لأطفال الشوارع خاصة ممن يستغلون فى أعمال ترويج المخدرات، ولكن على أقل تقدير 4% منهم يخالطون أصحاب السوابق، وبالتالى من المحتمل استغلالهم فى ترويج المخدرات، ليأتى دور المنظمات العاملة فى حماية حقوق الطفل.

فيما كشف الناشط فى مجال حقوق الطفل محمد أكرم، أن منظمات المجتمع المدنى خارج نطاق الخدمة بسبب ضعف التمويل وعدم وجود ميزانية تناسب حجم المشكلات التى تعمل على حلها، مشددا على ضرورة تضافر جهود تلك المنظمات بما لديها من كوادر بشرية مدربة مع وزارة التضامن الاجتماعى للوقوف فى وجه ظاهرة استغلال الأطفال تحت بند «ترويج المخدرات والتسول» وكافة الأعمال الأخرى التى تسبب لهم مصدرا من مصادر التهديد.