رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

وا إسلاماه

مفتى الجمهورية : جماعات التطرف والإرهاب تعاملت مع التراث كأنه مقدس


أكد فضيلة الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية- أن قضية تجديد الفكر والخطاب الدعوي قضية شديدة الأهمية وعظيمة الخطر، وهي دور المؤسسات الدينية، على رأسها الأزهر الشريف تلك المؤسسةُ العريقةُ الكبيرةُ، التي نفخرُ بالتخرجِ فيها، ونعتز غاية الاعتزاز بالانتماء إليها، فالأزهرُ الشريفُ منارةُ العلم، وحصنُ الإسلام، ومنبعُ الوطنيةِ والفداء، وقاعدةُ الاعتدالِ والوسطية، وحامل لواء التجديد والإصلاح، وحامي الأمةِ من التطرفِ والإرهاب، وناشرُ العلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربها.

وأوضح فضيلته في كلمته التي ألقاها بالمؤتمر العالمي للأزهر حول "تجديد الفكر والعلوم الإسلامية" أن أهم ما نحتاجُ إليه في تحريرِ معنى التجديد والاتفاقِ عليه في هذا الإطار، منهجيةُ التجديدِ التي تنتهجها المؤسساتُ الدينية لتجديد الخطاب الفكري والدعوي، وموقفُنا من قضايا التراث، وكيفيةُ الموازنةِ الدقيقة بين الثابت والمتغير.

وقال فضيلته: "نحن نحتاج إلى استعادة المنهج العلمي الصحيح، الذي حاد عنه طرفا النقيض: دعاة التطرف والجمود من ناحية، ودعاة الانفلات والتغريب من ناحية أخرى، أما جماعات التطرف والإرهاب، فقد تعاملت مع التراث تعاملًا حَرفيًّا جامدًا كأنه مقدس، واستدعت خطابًا وأحكامًا اجتهادية قد استُنبطت لواقع يغاير واقعنا، فاختلقوا صدامًا لا معنى له بين التراث والمعاصرة، وما كان لهذا الصدام أن يقع لولا القراءة الخاطئة الجامدة للتراث، ولولا الخلطُ المنهجي الذي دأبت عليه هذه الجماعات قديمًا وحديثًا".

وأضاف فضيلة المفتي: إذا جئنا للطرف الآخر نجدهم يستقون أفكارهم من نماذج معرفية غريبة عن الإسلام، لا تمت إلى النموذج المعرفي الإسلامي الوسطي الأصيل بِصِلة، والتجديدُ عندهم لا يتجاوز معنى التجريد؛ أي تجريد الإسلام من ثوابته التي تُعرف عندنا بالمعلوم من الدين بالضرورة، تلك الثوابت التي تحفظُ الدينَ ولا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، وهي تمثل الصورة الصحيحة للدين التي تنتقل عبر الأجيال بالتواتر العملي والنقلي، بحيث إذا قلنا إنها تمثل عصبَ الدين ولحمتَهُ وسَدَاهُ فلن نكون مبالغين بأي حال من الأحوال، فلسنا في متسع لأن نسمح لهذا العبث الحداثي أن يمارس تهوره باسم الاجتهاد والتجديد.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أنَّ المنهجية العلمية الرصينة التي سار عليها التعليم في الأزهر الشريف، والتي تعتمد على مبدأ التوثيق والتدقيق والتكامل بين العلوم والمعارف، ونسبة ما في التراث للتراث، والتعاطي مع الواقع بفكر جديد وبأدوات مختلفة في ضوء إدراك المقاصد الشرعية المرعية - لَتُؤسِسُ بشكلٍ مؤكدٍ معالمَ خطابٍ فكري وديني متوازنٍ، يحفظُ الثوابتَ ويُراعي المتغيرات.

كما استعرض فضيلته لمحة من تجربة دار الإفتاء المصرية في مجال تجديد الخطاب الديني بشكل عام، وفي مجال الإفتاء بشكل خاص، حيث أقامت الدار من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عدة مؤتمرات لتحرير صناعة الإفتاء من خطاب الجمود والتعصب، كانَ منها مؤتمرٌ بعُنوانِ: (الفتوى… إشكالياتُ الواقعِ وآفاقُ المستقبَلِ)، ومؤتمرٌ ثانٍ تحتَ عنوانِ: (دَوْرُ الفتوى في استقرارِ المجتمعاتِ)، وثالثٌ تحتَ عنوانِ: (مؤتمرُ التجديدِ في الفتوى بينَ النظريةِ والتطبيقِ) وجاءَ الأخيرُ في أكتوبرَ الماضي تحتَ عنوانِ: (الإدارةُ الحضاريةُ للخلافِ الفقهيِّ).

وأضاف فضيلة المفتي: " وقدْ قُمنا بحمدِ اللهِ تَعالى بإطلاقِ حُزْمَةٍ مِنَ المبادراتِ والمشروعاتِ العلميةِ الَّتي استهدفتْ تجديدَ الخطابِ الدينيِّ وتفكيكَ الأفكارِ المتطرفةِ وتفنيدَها، ولا زِلنا نعملُ عَلى عددٍ مِنَ المشروعاتِ الجديدةِ في هذا الإطارِ، وأنجزْنَا العديدَ مِنْ برامجِ التأهيلِ والتدريبِ للسادةِ المفتينَ والعلماءِ عَلى مُستوَى العالمِ؛ لتمكينِهم مِنَ استيعابِ شُبهاتِ الإرهابيينَ وأفكارِهم والردِّ عَليها بطريقةٍ عِلميَّةٍ وأساليبَ إقناعيَّةٍ متنوعةٍ. وعَلى مُستوى الخطابِ العامِّ أطْلَقنا العديدَ مِن مِنَصَّاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ المتنوعةِ، وأنتجْنا العديدَ مِنَ الأفلامِ القصيرةِ المناسبةِ لِغَيْرِ المتخصصينَ، تَتضمَّنُ بأسلوبٍ سَهْلٍ مَيسورٍ توصيلَ الفكرِ الصحيحِ وتفنيدَ الأفكارِ الشاذةِ والمتطرفةِ".

وأكد مفتي الجمهورية على أننا جميعًا بأمسِّ الحاجةِ أن نَضْطَلِعَ بمهامِّ الإصلاحِ والتجديدِ والاجتهادِ بكلِّ وضوحِ وجُرْأَةٍ، وبأقصى درجاتِ الصراحةِ والمكاشفةِ، فقدِ انجَلَتِ الأمورُ لكلِّ ذِي عينينِ، وباتتْ قَضايا الأمَّةِ العادلةُ واضحةً لِمَنْ كانَ له قلبٌ أَوْ أَلْقَى السمعَ وهو شهيدٌ.