رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

ما بين ”البطالة” و”تعليق السفر”.. «المستقبل الضبابى» يحاصر العمالة المصرية العائدة من الخارج

المصير المجهول يطارد المتوقفين عن العمل بالدول المختلفة

المتضررون: فضلنا الخروج النهائى عن تحمل الظلم والمهانة.. وشبح البطالة يحاوطنا

عضو شعبة إلحاق العمالة: متوقفون عن العمل.. وفرص السفر محدودة ولن تعود لما قبل "كورونا"

رئيس نقابة القطاع الخاص يطالب بتشكيل لجنة لحصر ومتابعة العمالة العائدة

 

عاد الآلاف من المصريين العاملين بالخارج إلى وطنهم الأم، بسبب تداعيات انتشار وباء فيروس كورونا فى البلاد التى هاجروا إليها حالمين بلقمة عيش هنية تبدد آلام غربتهم وهجرتهم لبلادهم وأسرهم، فلم يفرق الوباء بين عامل البناء وبين المهندس، ولم يفرق بين مستشار مالى وبين موظف بالشركة، فجميعهم فقدوا وظائفهم بشكل نهائى، أو على أقل تقدير فقدوا جزءا كبيرا من راتبهم ولا يعلمون مصير العودة لعملهم مرة أخرى، تواصلت "الزمان" مع بعض العمال العائدين وأسرهم، لتتعرف على مصيرهم وحقوقهم المالية.

فى البداية، تقول السيدة الستينية والدة الشاب "عمر" الذى كان يعمل بإحدى شركات المقاولات بالسعودية، لقد ارتحت وسكنت على ولدى أخيرًا بعودته، ولا أحبذ سفره وغربته مرة أخرى، وحاليًا يبحث عن وظيفة جديدة لأنه مقبل على الزواج، مشيرة إلى أن ابنها يبلغ من العمر 27 عاما سافر إلى السعودية مُنذ سنتين تقريبًا ولكن قضى أيام صعبة فى الغربة وتحمل مهانة وظلم كثير.

"كان راتبه يتأخر بالشهور حتى قبل أزمة انتشار فيروس كورونا، ويرفض الكفيل إعطاءهم جوازات السفر للعودة، ولكن بحمد الله عاد إلى أحضانى، ولكن تراجعت صحته وحالته النفسية.. حتى أننا زرنا الطبيب النفسى أكثر من مرة لكى يتحسن ويعود إلى حالته الطبيعية مرة أخرى" قصت الأم حالة "عمر" مع التحفظ على التفاصيل، حامدة الله على عودته مرة أخرى، حتى لو عاد ولم يجد عملا فى مصر ولكن يكفى أنه وسط أهله وأمام عينها.

"محمود. ع" كان يعمل مهندس ميكانيكا بإحدى الشركات السعودية، قرر العودة بشكل نهائى، بعد قرار الشركة بتخفيض الرواتب بنسبة 40%، قائلًا: "كده اللى جاى هيبقى قد اللى رايح بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتى رفعت الأسعار 15%.. ولكن لا يتوقف عقلى عن التفكير فى تدبير مصروفات البيت خاصة أنى رزقت بـ"آدم" قبل شهور من انتشار فيروس كورونا، ولدى طفلة 4 سنوات وزوجة ولا أعلم هل سأجد وظيفة فى بلدى؟ مستقبلى أنا وأولادى ضبابى ولكن الله المدبر".

أما "مجدى. ح" مستشار مالى له سيرة ذاتية زاخرة من العمل بكبرى الشركات السعودية، ولكنه الآن يعانى من "جلطة" وحيدًا فى السعودية، بعدما رفض قرار رئيس الشركة بتخفيض رواتب العاملين 50% بسبب انتشار فيروس كورونا لأن الشركة لم تخسر ريالا واحدا برغم الأزمة، قائلًا: "إنسانيًا سأحاسب على حقوق كل هؤلاء ولا أستطيع الوقوف أمام الله ليحاسبنى على ذلك.. رئيس الشركة رفض إعطائى تأشيرة السفر، وقال لى هخليك تصرف كل اللى معك ومش هتسافر".

ويتابع "مجدى"، "أصبت بجلطة والجلوس هنا وحيدًا بدون عمل يتسبب فى خسائر مالية كبيرة لى، ومكتب العمل متعنت ضدى، ولكن المستشار العمالى هنا والسفارة المصرية تساندنى"، مشيرًا إلى أنه سيستكمل الإجراءات ويعود إلى مصر قريبًا، ولكنه ينصح الشباب المصرى بعدم السفر والاغتراب، والأفضل العمل فى مصر فلا شىء يساوى العمل وسط الأهل، ولا أموال حاليًا يجنيها من الاغتراب بسبب الأحوال الاقتصادية فى دول الخليج.

أما عن دولة الكويت، فقد ورد إلى وزارة الهجرة وشئون المصريين فى الخارج الكثير من الاستفسارات الخاصة بعودة العمالة العائدة إلى أعمالها وأشغالها هناك، وأوضحت السفيرة نبيلة مكرم عبدالشهيد وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، أنه بعد توقف منذ شهور بسبب جائحة كورونا، ‏وفى إطار المتابعة المستمرة مع الجهات المعنية، فإن الإدارة العامة للطيران المدنى بدولة الكويت، حددت المعامل المعتمدة لإجراء اختبار pcr للراغبين فى العودة لأعمالهم بدولة الكويت، بناء على التعليمات الصادرة عن السلطات الصحية هناك، على أن يتم تقديم تحليل pcr باللغة الإنجليزية، وألا تزيد الصلاحية عن 96 ساعة من تاريخ أخذ العينة التى تؤكد خلو الراكب من فيروس "كورونا" (كوفيد-19)، وصادرة عن أحد المعامل المعتمدة من السلطات المختصة بالكويت.

وأكدت وزارة الهجرة على احترام القواعد المنظمة لعودة العاملين إلى الدول المختلفة، وفق ما تراه السلطات الصحية، حرصا على منع انتشار وباء كورونا المستجد، وأهابت بمن ‏يتعامل من المصريين مع شركات تجديد الإقامة، التعامل بصورة رسمية وعدم اللجوء لشركات غير موثوق بها أو لديها مشاكل داخل الكويت ‏ومتورطة فى بيع الإقامات، وكذلك على العاملين مراجعة عقود العمل مع وزارة القوى العاملة المصرية.

ولكن تفاجئ عدد كبير من العمالة التى كانت تستعد للعودة، بقرار الطيران المدنى الكويتى، أنه بناء على تعليمات السلطات الصحية ونظرا للوضع والتداعيات المترتبة على انتشار فيروس كورونا المستجد بشأن الدول عالية الخطورة، "لذا فقد تقرر حظر الطيران التجارى القادم من الدول التالية: (الهند- إيران- الصين- البرازيل- كولومبيا- أرمينيا- بنجلاديش- الفلبين- سوريا- إسبانيا- سنغافورة- البوسنة والهرسك- سيرلانكا- نيبال- العراق- المكسيك- إندونيسيا- تشيلى- باكستان- مصر- لبنان- هونج كونج- إيطاليا- مقدونيا الشمالية- مولدوفا- بنما- بيرو- صربيا- مونتنيجرو- جمهورية الدومنيكان- كوسوفو) حتى إشعار آخر".

كما تم إبلاغ الطيران الذى يسير رحلات من مصر للكويت بعدم دخول أى طائرة قادمة من الأراضى المصرية إلى الكويت، ووصل الأمر لإعادة طائرات محلقة فى الجو، وفى المقابل أعلنت شركة مصر للطيران وقف الرحلات إلى الكويت حتى إشعار آخر، ليبقى مصير العمالة العائدة معلقًا.

ومن ناحتيه، قال رضا عكاشة، عضو شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج بغرفة الجيزة التجارية، إن حاليًا كل شركات إلحاق العمالة مغلقة ومتوقف عملها، حتى الشركات التى تعمل فى موسم الحج وعددهم 23 شركة مغلقة، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، مؤكدًا أن الشركات الأكثر تأثرًا هى شركات إلحاق العمالة وهى تعمل على السفر إلى الخارج وهى الآن مغلقة.

وأضاف لـ"الزمان"، أن العملاء والشركات التى كانت قد طلبت عمالة مصرية للعمل بها، أوقفت خطط التوظيف الخاصة بها سواء كانت للسعودية أو البحرين أو غيرها، قائلًا: "حديثنا مع العملاء يؤكد أن الوضع غير معروف، وكل شركة تحاول أن تكمل عملها بالموظفين الموجودين بها، وبرغم أن عملاء لدينا فى السعودية عادوا للعمل إلا أنهم حتى الآن لا يطلبون توظيفا".

وأشار عكاشة، إلى أن جميع الشركات فى الخارج تحاول توفيق أوضاعها، بالتالى لن تكون فرصة السفر للعمل فى الخارج مثل قبل كورونا، متابعًا: "الشركات لن توظف عمالا جدد إلا إذا كانت تحتاجهم بشكل مُلح، وحاليًا يتم الاستعانة بالعمالة الموجودة فى الخارج بالفعل دون توظيفهم، ولكن التعامل يكون عن طريق العمل على المشروع فقط.. العمل بالقطعة على سبيل المثال".

وأكد عضو شعبة إلحاق العمالة، أن نشاط شركات إلحاق العمالة لن يعود مثلما كان، لذا أغلب أصحاب الشركات وأنا منهم نبحث عن العمل فى مجال آخر، فالشركات التى كنا نسفر لها عمالة تأثرت بالجائحة، قائلًا: "معظم الشركات فى الخارج ليس لديها رؤية اقتصادية عن آلية العمل وعودتها اقتصاديًا، ولا تستطيع توقع العمل خلال 3 شهور قادمة أو 6 شهور على أقل تقدير.. أنا مصدوم مما حدث مؤخرًا، لقد فقد الكثيرون أعمالهم، بعضهم لم أكن أتوقع أن يتركوه فهم كانوا المدراء الحقيقيين".

وعن رؤيته حول وضع العمالة المصرية حاليًا فى السعودية والكويت، قال إن هناك شركات نتعامل معها فى الكويت لا تزال متمسكة بالعمالة التى تم توظيفها قبل "كورونا"، إلا أنه بوجه عام العامل المصرى فى الكويت حاليًا يتعرض للمضايقات وللتنمر والكثير منهم يفضل العودة إلى بلده، مع العلم أن التخصصات الفنية والدقيقة التى يعملون بها ليس لها بدائل، فضلًا عن أن مشكلات الإقامة وسماسرة الوظائف والمشكلات الأخيرة التى وقعت أثرت على الطلب على العمالة، بعكس السعودية، فهناك طلب على العمالة إلا أنه بسبب تأثيرات "كورونا" سيكون محدودا.

وفى سياق آخر، طالب شعبان خليفة، رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، الحكومة بتشكيل لجنة لإدارة ومتابعة أزمة العمالة المصرية المتضررة من فيروس كورونا داخليًا وخارجيًا، خاصة بعد أن أصدّرت منظمة العمل الدولية بيانًا أشارت فيه إلى أن نحو 30 مليون عامل سيفقدون وظائفهم بسبب أزمة انتشار (كوفيد -19)، مؤكّدة أن البطالة ستنتشر حول العالم.

وأشار "خليفة"، إلى أن اللجنة يجب أن يُمثل فيها الوزارات المختصة وممثلو العمال وأصحاب الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى، منوهًا إلى أن تشكيل اللجنة بات أمرًا ضروريًا بعد أن وصل عدد شكاوى العمال بالداخل عبر البوابة الإلكترونية للحكومة إلى 8 آلاف شكوى من العاملين بالقطاع الخاص، والتى تنوعت ما بين تخفيض أجور وفصل تعسفى، وتسريح، خلال فترة تطبيق الإجراءات الاحترازية بسبب انتشار الفيروس، فضلًا عن شكاوى آلاف العمالة المصرية العالقة بالخارج.

وأوضح "خليفة"، أنَّه لا يوجد حتى الآن إحصائية للعمالة العائدة من الخارج التى انتهت عقودهم، أو المهن التى يعملون بها، وسنوات الخبرة والمحافظة أو منطقة السكن، والسن لتوفير وظائف بديلة لهم، سواء فرصة عمل بالخارج أو الداخل أو من خلال تسهيلات لإنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة, مؤكّدًا ضرورة إعداد حصر شامل لجميع العاملين العائدين من الخارج والذين فقدوا وظائفهم نتيجة انتشار وباء كورونا تمهيدًا لوضع آلية مناسبة وسريعة لدمجهم فى منظومة العمل بالداخل.

وأضاف أن العمالة العائدة من الخارج خاصة دول الخليج هى عمالة ماهرة وقوة بشرية هائلة، يجب تعظيم الاستفادة منها وإشراكها فى عملية التنمية التى تجرى على أرض الوطن، فضلًا عن أنَّهم يمثلون عددًا من المحافظات المختلفة، وهو ما يمكن استثماره عبر الاستفادة من طاقاتهم ومهاراتهم فى مجموعة من البرامج التى تساعد الدولة على التنمية الشاملة، من خلال تقديم برامج التدريب التحويلى لهم وتوفير فرص العمل التى تتوافق مع إمكاناتهم وتتواءم مع المزايا النسبية لكل محافظة.

وأشاد رئيس نقابة القطاع الخاص، بجهود وزارتى الهجرة وشئون المصريين فى الخارج والتخطيط والتنمية الاقتصادية لتشكيل قاعدة بيانات للعائدين تمهيدًا لدمجهم فى جهود التنمية والتى تتمّ على أرض مصر من خلال استمارة "نورت بلدك" للتعرف على بيانات العائدين من الخارج، مطالبًا بسرعة الانتهاء من قاعدة البيانات لمساعدة العائدين على إيجاد فرص عمل ملائمة.