رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

”عقود الغفرة” سلاح يغتال شركات استصلاح الأراضى

كان "محمد رضا" ومجموعة من زملائه خريجى كلية الزراعة يبحثون عن فرصة للعمل مقاولين من الباطن مع واحدة من كبرى الشركات المتعاقدة مع الدولة لتنفيذ مقاولات زراعية على الطرق الجديدة والتى افتتحها الرئيس مؤخرًا وكانت بمثابة نافذه أمل لمجموعة الشباب البالغ عددهم 6 شباب أسسوا معًا شركة مقاولات زراعية، وما أن تبسمت الدنيا فى وجههم بحسب كلام "محمد" حتى فوجئوا بسرقات متكررة يوميًا من موقع العمل حيث استلموه وبصدد تشجيره ليتم تسليمه قبل نهاية العام الجارى، ومن خلال البحث والتحرى عن الفاعل كانوا مجموعة من "الغفر" خليط من العربان والصعايدة جاءوا منذ سنوات لمواقع العمل الجديدة التى افتتحتها الدولة وتعاقدت مع شركات خاصة لتشجيرها وانهالوا عليها سرقات لإجبار أصحاب تلك الشركات على توقيع "عقود غفرة" مقابل 30 ألف جنيه شهريًا.

معاناة شركات استصلاح الأراضى الزراعية والمقاولات الزراعية كبيرة، وذلك بحسب شهادات جمعناها لأصحاب تلك الشركات، فهم بين مطرقة تكاليف المشروع الباهظة والتى قد لا تفلح بالنهاية وبين سندان "عقود الغفرة".

وفى هذا السياق، يكشف المهندس محمد رضا "صاحب شركة مقاولات زراعية": حظيت أنا وأصدقائى بفرصة لا تعوض من خلال تشجير مساحة حوالى 10 كيلو متر بإحدى الجزر الفاصلة بين طريقين على طريق سريع بواحدة من المناطق الحيوية بالمدن الجديدة، وقبل إبرام العقود ونظرًا لأنى عانيت من قبل من "العربان" سألت وعلمت بأن المنطقة ليس بها عقود غفرة وبالتالى لن يضايقنى أحد فى "لقمة العيش" وما أن بدأ العمل ومر الشهر الأول فى سلام وفى الشهر الثانى بدأت السرقات تتوالى يومًا بعد الآخر وإجمالى المسروقات حوالى 100 ألف جنيه، وهو رقم كبير خاصة أن بعضها "عهد" استملناها ونسلمها بنهاية المشروع وبدأت رحلة البحث عن المعدات المفقودة وتوصلنا إلى شخص يقال عنه "كبير المنطقة" واتفق معنا على استعادة جزء من المسروقات والتى لم يتم التصرف فيها حتى لحظة اللقاء مقابل توقيع عقد غفرة بـ50 ألف جنيه شهريًا وتم التفاوض على السعر لـ30 ألف جنيه شهريًا لحين الانتهاء من فترة التأسيس وبعد التشغيل ينزل المبلغ لـ20 ألف جنيه.

وأضاف، توقفت السرقات بعدها، لكن الذى لم يتوقف عمليات الابتزاز التى يمارسها علينا "الغفر" بشكل شبه يومى وإجبارك على شراء مواد غذائية وشاى وسكر لهم بشكل يومى.

يلتقط "سامى بهنسى" طرف الحديث، وهو شريك بنفس الشركة التى تعرضت للسرقة، قائلاً: اشتغلنا لسنوات فى الصحراء وكنا نعانى من "العربان" وعمليات البلطجة التى يمارسها علينا البعض لإجبارنا على شراء قطعة الأرض مرتين، الأولى من صاحب الأرض والثانية من "العرباوى" الذى ورث الأرض عن أجداده، وحينما انتقلنا للعمل فى المدن الجديدة حيث الانتشار الشرطى ودوريات الأمن ليل نهار تسير على الطريق الذى نعمل عليه فوجئنا بنفس الأمر لكن بطريقة أخرى، فهو يقوم بسرقتك ليل نهار ويكبدك خسائر بمئات الآلاف من الجنيهات وبالنهاية تذهب أنت طواعية لشيخ الغفر بالمنطقة وتطلب منه توقيع عقد للغفرة مقابل مبلغ شهرى لا يقل على عن 20 ألف جنيه.

وأضاف، لسنا الشركة الوحيدة وهناك عشرات الشركات تعانى نفس المعاناة ولا يستطيع أحد الكلام لأنه لن يفيد وللأسف بعض أفراد الأمن الذين توجهنا إليهم لم يستطيعوا تحديد السارق وآخرون نصحونا بعمل عقود للغفر العاملين بالمنطقة.

حماية بقوة السلاح

وحول الطريقة التى يبرم بها "الغفر" عقودهم مع أصحاب شركات استصلاح الأراضى الزراعية والمقاولات، يقول "كريم أبوالمجد" صاحب شركة، إن السلاح هى الآلية الوحيدة التى يحدد معها الغفير أجره، والغفير المسلح سعره أعلى من الغفير غير المسلح، لدرجة أن بعض حالات القتل التى سمعت عنها منذ دخولى هذا المجال لا تعد ولا تحصى بسبب هؤلاء الغفر الذين اكتسبوا شهرتهم من عمليات القتل التى قاموا بها ونسبت إلى فاعل مجهول.

وتابع، تخيل أن أحدهم دخل أرضك وبحوزته سلاح وتجول كيفما شاء ولم يتحرك له ساكن، وفى اليوم التالى يأتيك شخص آخر يخبرك بضرورة إبرام عقد غفر لحمايتك من بطش الشخص الذى زارك بالأمس، وبدون تفكير سوف توافق على الفور ويحدد هو شروطه والتى تكون فى الغالب مجحفة على صاحب الأرض وفى غاية البساطة لهذا الغفير الذى يتقاضى شهريًا 1000 جنيه على الفدان الواحد.

واستطرد، يوميًا وقبل منتصف الليل نسمع صوت طلقات النار فى الهواء وهى رسالة تحذيرية يطلقها هؤلاء الغفر للصوص، ونهاية كل شهر يقوم الغفير بمحاسبة صاحب الأرض على قيمة هذه الطلقات بدعوى أنها ضرورة لحماية أرضه، وأخطر ما فى الأمر هو زحفهم على الطرق الصحراوية الجديدة التى افتتحها الرئيس وإجبار أصحاب شركات مقاولات الزراعة على إبرام مثل تلك العقود.

فيما يرى المهندس نجاح مصطفى "صاحب شركة مقاولات زراعية": المسألة معقدة بالنسبة للشركات الجديدة والتى لا تملك مزيدا من النفقات لتوفير بند حراسة وهو بند مستجد أصبح يضاف إلى العقود المبرمة بين شركات المقاولات الزراعية وأصحاب الأعمال سواء كانت هيئات حكومية أو خاصة على حد سواء، ويتم صرف شيك لهذا البند شهريًا أو صرف إجمالى المبلغ فى نهاية المشروع دفعة واحدة ويتكفل صاحب الشركة بالصرف شهريًا من نفقته الخاصة.

على الجانب الآخر، يقول اللواء مصطفى المنشاوى الخبير الأمنى: أبان أحداث يناير 2011 انتشرت تلك الظاهرة بسبب غياب الأمن وانتشار أعمال السرقات والفوضى التى خلفتها الأحداث وترتب عليه خروج هؤلاء من جحورهم للعمل نهارًا جهارًا ومع استعادة الدولة عافيتها وقوتها توارت تلك العصابات عن الأنظار وباتت تمارس أعمالها بالاتفاق بينهم وبين أصحاب الشركات ومن ثم أسس بعض هؤلاء الغفر شركات حراسة وأمن لكنهم لم ينسوا الطريقة القديمة التى يمارسونها من خلال القيام بسرقات لإجبار صاحب الأرض توقيع عقد للحراسة.