رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

نخترق عالم بيزنس تفكيك العائلات

انتشر فى الآونة الأخيرة ألقاب ومسميات وظيفية لا يمكن اكتسابها إلا عبر سنوات دراسة طويلة، لكن بفضل انتشار معاهد ومراكز تدريب بير السلم غير الخاضعة للرقابة أصبح فى متناول الجميع بطاقة هوية تفيد بأنه مستشار تحكيم دولى وآخرون سفراء للنوايا الحسنة وأخيرًا "معالج أسرى" وفى روايات أخرى "استشارى علاقات أسرية" وهو المسمى الذى من خلاله يمارس أشخاص غير حاصلين على مؤهلات بالأساس وظيفة علاج مشاكل الأسرة بشكل مباشر من خلال فتح عيادة لاستقبال الحالات والتعامل معها وعقد جلسات حوار جماعية كالتى يقوم بها الطبيب النفسى مع المرضى أو عبر لقاءات غير مباشرة عبر الإنترنت، ولكل نظام سعر تم تحديده مسبقًا بمعرفة أباطرة هذا العالم.

كانت البداية من واقع المعلومات التى حصلنا عليها من الدكتور شريف وهبة "أخصائى الطب النفسى جامعة عين شمس"، قائلاً: الأصل فى انتشار تلك المسميات هو غياب الرقابة التى شجعت مراكز بير سلم ومعاهد وهمية منح مثل تلك الشهادات والتراخيص التى لا تساوى قيمة الحبر المكتوب بها، فلا يوجد لدى وزارة الصحة أو التضامن الاجتماعى ما يسمى برخصة "معالج أسرى" وإنما يسمح لخريجى أقسام علم النفس بالحصول على رخصة معالج نفسى للعمل ضمن مراكز ومستشفيات الصحة النفسية تحت إشراف الأطباء النفسيين، ووضعت وزارة الصحة شروطا لذلك، وهى أن يكون خريجا، وأن يحصل على 4 دورات تدريبية بجهة معتمدة، وأن يحصل على دبلومة أو ماجستير فى تخصص الرخصة، لكن ما نشاهده الآن فى المجتمع أمر يحتاج إلى رقابة مشددة.

وتابع، مع تقدم المجتمع وظهور الرفاهية المبالغ بها ظهر معه مسميات حديثة ومنها على سبيل المثال "معالج أسرى" والذى هو عبارة عن شخص يستخدم بعض الأدوات فى تقديم النصح والمشورة للزوجين من أجل استمرار الحياة دون طلاق وهنا تكمن أهميته من وجهة نظر الزوجين إلى أنه وسيلة لمنع حدوث طلاق وهذا خطأ فهناك دورات تدريبية وتأهيلية تقدمها وزارة الأوقاف وتكون بواسطة متخصصين فمثل تلك الأمور تحتاج إلى رجال دين لتقويم سلوك الطرفين وإصلاح الأمور بينهم ولكن للأسف بعض الأشخاص استغلوا خوف المقبلين على الزواج من التجربة ورفعوا لافتة "معالج أسرى" وهو لقب غير وارد بالمناهج العلمية التى درسناها.

واستطرد، فى الغالب يكون "المعالج الأسرى" هو شخص يبحث عن وظيفة تتناسب مع احتياجات المجتمع وعلى ضوء ذلك يستخدم كل ما هو متاح من أدوات سواء الالتحاق بدورة تدريبية وتأهيلية والحصول على بطاقة هوية لإقناع ضحاياه ومن ثم تقديم المشورة والتى تكون مسمومة.

ضحايا معالجى الأسرة

على الجانب الآخر، رصدت "الزمان" بعض ضحايا معالجى الأسرة وكيف انتهى بهم المطاف من حياة مستقرة هادئة إلى حياة صاخبة تملؤها المشاكل نتيجة استعانة أحد الطرفين بواحدة من معالجى الأسرة.

"م.ع" 43 عاما، كانت تعيش حياة سعيدة وهادئة إلى أن استعانت بواحد ممن يسمون أنفسهم "استشارى علاقات أسرية" ولم تعلم أنه مجرد محتال، تقول فى شهادتها: هو مجرد بيزنس يستخدمه بعض الأشخاص للنصب على أشخاص آخرين وقبل استعانتى بهذا الشخص الذى قدم لى نصائح مسمومة ربما عن جهل وربما عن قصد لكن النتيجة بالنهاية كانت انفصالى عن زوجى الذى عشنا سويًا لعشرين عامًا، واستعانتى به فى البداية كانت عبر صديقة مقربة بالعمل أخبرتنى أن حل مشكلاتى مع زوجى والتى بدأت بانتقالى من محل عمل قريب إلى آخر بعيد عن المنزل وعليه كان هناك تقصير من ناحيتى تجاه منزلى وأولادى وكان الأمر بحاجة إلى نقاش بسيط لكن استعانتى بعد فترة بهذا الشخص الذى يسمى نفسة "مستشار علاقات أسرية" هو بداية النهاية وقد نصحنى بالتشبث على رأى وأن زوجى يحاول محو شخصيتى وغيرها من الكلمات التى أثرت على سمعى وأغشت بصرى لينتهى بى المطاف فى محاكم الأسرة.

"ا.ر" شاب ثلاثينى وقع ضحية لدكتورة مزيفة أخبرته بأنها مستشارة فى العلاقات الأسرية وساومته لاحقًا على بعض الأسرار التى أدلى بها أثناء واحدة من جلسات العلاج ليتبين بعد تقديمه بلاغ رسمى ضدها بأنها نصابة وتحمل صفة "معالج أسرى" بالنصب وهناك ضحايا آخرون تقدموا ضدها ببلاغات.

وعن بداية المشكلة مع المعالج الأسرى، يقول: تعرضت لأزمة أسرية نتيجة خلافات على الميراث وتنازل زوجتى عن ميراثها بمنزل والدها فظهرت المشاكل ولم تنتهِ ووصلنا إلى طريق مسدود وعبر واحدة من إعلانات الفيس بوك رأيت منشورا لبعض الأشخاص يشكرون فى سيدة لقبت نفسها بالدكتورة وادعت عملها بمجال استشارات العلاقات الأسرية وأنها قادرة على علاج أى مشكلة بين زوجين وخوفًا على استقرار أسرتى دفعنى الفضول للتواصل معها وحضرت إلى العيادة والكائنة فى منطقة راقية بوسط القاهرة، وفوجئت بعد فترة بمساومة غريبة من أحد الأشخاص ادعى أنه من طرف الطبيبة والتى أنكرت فى البداية معرفتها بهذا الشخص وبعد فترة انكشف الأمر أمام جهات التحقيق وهى أسرار تتعلق بحياتى الأسرية وعملى أيضًا.

مراكز بير السلم لتدريب "المعالج الأسرى"

ولأن الأصل فى انتشار هذا البيزنس هو وجود مراكز تدريب لراغبى العمل بمجال "المعالج الأسرى" تجولنا عبر الإنترنت بحثًا عن إعلانات لتلك المراكز والتى تعمل جهارًا نهارًا دون خشية من الأجهزة الرقابية ووزارة الصحة.

"ج.ص" موظف بواحدة من مراكز التدريب للحصول على شهادة معالج أسرى، أخبرنا فى اتصال هاتفى وذلك للاستفسار عن تلك الدورات: تقدر تحترف الإرشاد الأسرى والتحليل النفسى على يد أفضل نخبة من المدربين، وهدفنا إخراج دفعة من المستشارين الأسريين ومحللين نفسيين على أعلى مستوى، والتدريب نظرى وعملى، ومـحـتـوى الــدبـلــومــة يشمل صفات وسمات المرشد الأسرى والنفسى، وطرقا علمية للتواصل مع أطراف المشكلة فى عملية الإرشاد، والمفهوم العلمى والحقيقى للإرشاد الأسرى، وكذلك أسرار نجاح العلاقات واستمرارها بين الأزواج والمخطوبين و5 طرق لتخطى سنة أولى زواج من خلافات مستمرة إلى حياة نبنيها مع بعض، و5 طرق للتعامل مع الخلافات فى العلاقات الناجحة بـسعر 1500 جنيه للدورة.

وتابع، يتم منح بطاقة هوية تحمل اسم وصفة الخريج، ليمارس عمله، والشهادة دولية ومعترف بها، ومن يحصل عليها يقدر من تانى يوم يفتح عيادة للاستشارات الأسرية ويكون قادرا على العلاج، والمركز خرج آلاف المعالجين الأسريين وجمعيهم يقدمون استشارات بالإعلام ولديهم عيادات أسرية تستقبل مئات الحالات.

الدكتور أسامة الشاهد "أخصائى الطب النفسى" يقول عن تلك المراكز: عبث وتهديد للأمن الاجتماعى وتؤثر بالسلب على مستقبل الأسرة خاصة أن مقومات استقرار الأسرة مرتبط بعوامل كثيرة أبرزها الألفة والمودة بين الطرفين والاستعانة بعامل خارجى يهدد عملية الاستقرار، فما بالك بشخص غير متخصص يقوم بتلك المهمة فإن النتيجة تكون كارثة.

وأضاف، تستغل تلك المراكز الخوف من الطلاق أو الفشل الزوجى، وهناك جهات رسمية تقدم مثل الكنيسة ودار الإفتاء ولا بد من دعمها والإعلان عن خدماتها حتى تصل لجموع الشباب، بدلا من استغلال الشباب من مراكز مجهولة، يقدمها مدعو الخبرة والمهنية فى هذا المجال ويحملون شهادات مزورة ومجهولة، ولا بد من فرض رقابة شديدة وعمل حملات على أصحاب العيادات التى تقوم بوظيفة "معالج أسرى" للتأكد من تراخيص العيادة والتى فى الأساس غير مسموح منحها من جانب إدارة العلاج الحر.

فيما أوضح مصدر بوزارة الصحة: تخصص المعالج الأسرى يتبع رخصة المعالج النفسى، وشروطه حصول المتقدم على ليسانس علم النفس، أو دبلوم أو ماجستير أو دكتوراه فى علم النفس، وشهادة تدريب لمدة عامين من أحد مراكز الطب النفسى المعترف بها أو المستشفيات النفسية، والحصول على أربع دورات تدريبية من رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية، أو جمعية المعالجين النفسيين، ويتم التقدم بطلب إلى لجنة التراخيص بوزارة الصحة، وقبول المتقدم لعمل مقابلة مع لجنة إعطاء الرخصة التى تنعقد كل شهرين لتصدر قرارها النهائى بإعطاء الرخصة.

وقال المصدر: هناك قرابة 4 آلاف رخصة مزاولة مهنة "معالج نفسى" حصل عليها خريجو أقسام علم النفس بكليات الآداب، وهذه الرخصة تعنى مزاولة مهنة العلاج النفسى داخل مؤسسات الطب النفسى العامة والخاصة، ضمن فريق الطبيب النفسى المعالج، ولا يحق له فتح مركز علاجى، والرخصة للعلاج وليس للمكان.