رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

بدأها اليهود وأبدع فيها المصريون.. ورشة صناعة العدسات حرفة طبية تزين حى عابدين التاريخى

سلالم متهالكة تقود إلى ورشة ذات قاعة كبيرة مليئة بالماكينات المختلفة الأشكال، يكاد الضوء ينعدم فى جميع أرجاء الورشة، ولكنه يتركز على ركن بعيد فى آخر القاعة، وهو الركن الذى يقف فيه تامر.

زارت «الزمان» الأسطى تامر حسنى، فى ورشته الخاصة بصناعة عدسات النظارات، المتواجدة فى بدروم أحد العقارات القديمة بشارع الشيخ عبدالله، فى حى عابدين بمحافظة القاهرة.

يقف تامر الثلاثينى بجسده الهزيل، والعرق يتصبب من جبهته، عيناه مركزتان باهتمام على عدسة زجاجية يمسك بها ويده مطلية تماما بمادة ذات لون أحمر، تستخدم لسنفرة العدسة وهى المرحلة الأخيرة بعد عدد من المراحل التى مرت بها العدسة لتكون صالحة قبل أن تصل إلى ورش تركيب الشنابر.

«العمل فى الورشة غير مربح والجى على أد اللى رايح خصوصا إن الإيجار وصل إلى ألف جنيه فى الشهر، ولكنها هى الحرفة التى أجيدها وأحبها».. كلمات قالها الأسطى تامر ولم يستطع أن يزيح عيناه عن ما يقوم به، ما يدل على أنه مشغول بالقطعة التى يعمل عليها، ثم واصل حديثه، قائلا: «سامحينى لا أستطيع الانتباه لأنظر إلى الكاميرا لأننى متعجل وأرغب فى الانتهاء من الطلبية»، ثم عاد إلى ما يقوم بعمله وهو يتحدث.

وبعد دقائق انتبه إلى أنه لم يأخذ استراحة منذ ساعات مضت وهو يعمل على الطلبية، نسى خلال هذه الساعات الانتهاء من كوب الشاى الذى أصبح مثلجا قبل أن ينتهى منه.

ترك الشاب العدسة التى كان يعمل عليها، ثم مسح جبهته محاولا ألا يلطخ وجهه باللون الذى غطى يده، بعد أن سالت قطرات العرق أعلى جبهته، وقال: «كان معايا مساعد المفروض كان جه انهاردة يساعدنى فى الطلبية لكنه لم يأتى، علشان كدا لازم أخلص الشغل كله لوحدى انهاردة».

ثم واصل العمل بعد أن التقط أنفاسه فى دقائق معدودة، وقال: الورشة صممت من أيام لما كان اليهود عايشين فى عابدين عندما احتل الإنجليز مصر، مشيرا إلى أن عمر الورشة أكبر من عمره، وتابع: كان شقيقى يعمل معى ويساعدنى لكنه توفى العام الماضى، وأعمل بمفردى، وواصل: كنت طفلا صغيرا عندما تركت المدرسة بعدما توفى والدى، وكنت أتمنى أن أكمل دراستى لكنى كنت مضطرا لإعالة والدتى وأشقائى.

بدت علامات الحزن على وجهه، متأثرا لما تذكره من ذكريات طفولة لم يعشها كما يجب، ثم أضاف: «لدى أربعة أطفال ولكنى لن أجعل أحدا منهم يساعدنى فى هذه المهنة»، مشيرا إلى أنه سوف يدعمهم لإكمال دراستهم حتى النهاية حتى يحصلوا على ما لم يحصل عليه ليدخلوا الجامعة ويجدوا فرص مختلفة لوظائف يرغبون بها.

وتابع تامر: جميع الماكينات المتواجدة فى الورشة لها عمل محدد هناك ماكينات مخصصة للإستجماتيزم، إذ أقوم بتظبيط العدسة وفقا للكشف الطبى الذى يؤشر به الطبيب للمريض، ثم يتم وضع العدسة على الفورمة، بعد ذلك توضع فى مكنة خاصة بضبط السلندر.

وبعد ذلك تأتى مرحلة قلب العدسة لتصميم المقاسات المطلوبة على الوجه الثانى ويتم ذلك بنفس الخطوات السابقة، بعدها توضع العدسة فى بودرة حمراء اللون تسمى بمونة إنجليزى، وهى مخصصة لتنظيف العدسة ثم صنفرتها وتنعيمها وتلميعها.

ثم صنفرة العدسة فى مرة أخرى بمادة تشبه الأسمنت، ثم بعد ذلك أقوم بصقل العدسة فى جهاز آخر، ثم أقوم بعملية الترقيم للعدسة كما هو مؤشر فى الكشف الطبى، واستكمل: هى مهنة مرهقة ومجهدة ولكنى تعودت عليها بعد أن امتهنتها 20 سنة.

وقال الأسطى تامر وعلى وجهه علامات الإرهاق: مهنتنا رغم أنها أصيلة لكنها تكاد تنتهى بعد تطور الأجهزة المصنعة للعدسات، لذلك أتمنى أن يكبر أبنائى ليصبحوا أفضل رجال ويمارسون أعمال فى شركات بعيدا عن المهن اليدوية التى تكاد تنقرض حاليا رغم أصالتها.