رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

فن

الأغانى الأجنبية تطغى على الموسيقى العربية

إيلى توميه: الاعتماد فى التلحين على الصوت بدلا من الآلات يعيد الغناء العربى للمنافسة

تواجه الموسيقى العربية تراجعا ملحوظا فى الشارع العربى أمام الأغانى الغربية، حيث يجد شبابنا سهولة فى حفظ وترديد تلك الأغانى عن إتقان أغانى التراث العربى، الذى كاد أن ينهار تماما محليا فى ظل سيطرة الأغانى الهابطة التى لا تلتزم بأى معايير فنية سواء فى التلحين أو فى اختيار الكلمات أو حتى فى الالتزام بقواعد الغناء الأصيل على سوق الغناء العربى، الأمر الذى يهدد المجتمع العربى من المحيط إلى الخليج بفقدان الأجيال الصاعدة للهوية العربية فالغناء هو ترجمة للثقافة الفكرية.

"الزمان" تناقش هذه القضية مع عدد من الخبراء الذين شاركوا فى مؤتمر الموسيقى الذى عقد على هامش مهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة الأسبوع الماضى.

فى البداية يوضح الملحن السورى "نهيل سلوم"، أن ظهور العولمة والتقدم الهائل فى التكنولوجيا الغربية، أثر على كل أنظمة الحياة بما فيها الموسيقى، بصورة جعلت شبابنا يعيش حالة من الضياع والتخبط نتيجة الغزو الفكرى والثقافى لمجتمعاتنا، بحيث أصبح الكثير منهم يؤمن بأن الموسيقى العربية متخلفة شأنها فى ذلك شأن واقعنا العربى المعاصر فى كل جوانب الحياة.

أضاف لـ"الزمان" أن تنشئة الطفل فى بيئة موجهة نحو الفكر الغربى، تجعله يتجه بحواسه مند صغره تجاه الموسيقى الغربية مما نتج عنه انقطاع كامل بين شبابنا وتراثهم الموسيقى، الذين يعتقدون أن الغناء الأجنبى لا بد أن يكون أرقى من العربى مما خلق جيلا لا ينتمى للموسيقى العربية وربما لا يدين بالولاء للهوية العربية أصلا.

لفت سلوم إلى أن ذلك التحول يهدد الهوية العربية للأجيال القادمة لانعدام المعايير الفنية لديهم، فالإنتاج الفنى أصبح يحمل طابعا غربيا، من حيث الجمل اللحنية البسيطة، التى تتخلى عن إيقاعات الموسيقى العربية، كالتانغو والرومبا والباسو جويلية والفالس والفوكس تروت والسيونغ والجيرك مما أثر فى النهاية على تذوق المستمع للغناء العربى وأبعدهم كثيرا عن ثقافتهم وجذورهم الثقافية.

أكد الملحن السورى، أن حتمية إنتاج موسيقى عربية معاصرة تحافظ على الأصالة وتواكب متغيرات العصر، بحيث تكون قادرة على استقطاب آذان المستمعين العرب مرة أخرى وذلك بالتركيز على كلمات يتقبلها المنطق الثقافى الذى يعيشه الشباب العربى اليوم بحيث نقدم له فى النهاية شيئا يعبر عن شخصيته بسهولة لغوية تمكنه من التغنى بها طوال اليوم بدلا من ترديده المستمر للأغانى الغربية التى تحدثه بلغة العصر.

من جانبه أكد الدكتور "هادى البدرى" عازف الناى المعروف، أن العولمة دفعت الموزعين إلى تركيب لغة بلادهم على ألحان دول أخرى، مؤكدا أنه استمع إلى ألحان مصرية تغنى فى تركيا باللغة التركية وتغنى فى أثينا باللغة اليونانية ولكن بصورة تتناسب مع طبيعة تلك الدول.

أوضح البدرى لـ"الزمان"، أن 90% من الآلات الموسيقية من أصول عربية أو هندية تم تحديثها فى أوروبا ثم أعيدت إلينا بعد تطويرها، لافتا إلى أن رفض الباحثين فى الموسيقى تطوير الألحان بما تتطلبه المتغيرات المجتمعية ستؤدى حتما إلى دفع الكثيرين إما إلى الاستماع للألحان الغربية أو الاتجاه للألحان الهابطة ولا بد من القبول بتطوير الأغنية العربية بما يواكب متطلبات الجمهور.

وقال عازف الناى، إن الأغانى هى وسيلة ترفيه عن الشعب من صعوبة الحياة، ولا بد من تقديم ما يسعد المواطن دون إسفاف فى الذوق أو استحضار ثقافات غريبة علينا، مشيرا إلى نجاح سيد درويش فى تبسيط المقامات بصورة جعلت الكل حريص على الاستماع على ألحانه، ولا زالت تحظى بجماهيرية رغم مرور قرن كامل من الزمان على وفاته .

طالب البدرى، بعمل دورات تدريبية فى الأوبرا لكل من يريد الغناء، أو العمل فى مجال العزف أو التلحين بدلا من تركهم نهبا للإسفاف، لافتا إلى أن تكاسل الدولة فى عمل دورات منتظمة تثقيفية لكل من يريد العمل فى مجال الغناء، سمح لكل من هب ودب أن يقدم أغانٍ لها جمهورها مهما كانت هابطة نظرا لأن الأغانى الهابطة تنتشر بمجرد أن تتعود عليها الآذان فى ظل غياب الأغانى الراقية عن الساحة.

وأكد "إيلى توميه" ملحن لبنانى، أن اللغة العربية لا زالت هى اللغة التى تقدم بها أغلب الأغانى المعاصرة، باستثناء بعض الأغانى فى المغرب العربى (تونس المغربالجزائر) التى يدخل ضمن مفرداتها بعض الكلمات الفرنسية أو الإنجليزية، كما أن أغلب الألحان لا زالت تحافظ على هويتنا التراثية فى معظم الأغانى.

وأضاف توميه، أن أغلب الموزعين يتجهون فى توزيع أغانيهم إلى الإيقاعات الغربية نظرا لأن الآلات والبرامج والأدوات الالكترونية المستخدمة تخدم هذه النوعية من الأغانى عن العربية، مشيرا إلى حتمية الاعتماد فى التلحين على نقاء الصوت بدلا من الآلات والابتعاد عن الهارمونى الغربى قدر الإمكان واستبداله بصوت المغنى العذب ومعه فريق الكورال.

أكد "توميه" أن أهمية الاعتماد فى تسجيل الأغانى على الآلات العربية الحية بشكل كبير حتى نخلق جوا من التراث الموسيقى العربى يجعل أذن المستمع العربى مرتبطة بذلك النوع من الأغانى، بدلا من سيطرة الآلات الغربية على معظم تسجيلاتنا للأغانى حديثة الإنتاج.

فى سياق متصل، طالبت الدكتورة جيهان مرسى، مديرة مهرجان الموسيقى العربية الإذاعة والتليفزيون فى كل البلاد العربية، بالحرص على استمرار تقديم أغانى التراث العربى الأصيل حتى يتعود المواطن العربى على الاستماع للغناء العربى كما كان أيام كوكب الشرق أم كلثوم ومطربى الزمن الجميل فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وصباح وشادية وغيرهم بدلا من الاستسلام للأغانى الهابطة التى تنتشر بقوة فى كل البلاد العربية نتيجة تكرار إذاعتها فى الأفراح والمهرجانات على المواطنين بصورة جعلت آذانهم تتعود عليها رغم كونها ضد التقاليد التى تربينا عليها.

وأضافت جيهان، أن مهرجانات الموسيقى العربية هى الرئة التى يتنفس من خلالها المستمع العربى الطرب الأصيل، فهى مناسبة للالتقاء بكل نجوم الطرب الذين يملكون أصواتا عذبة ويتغنون بكلمات عربية أصيلة، الذين يتجمعون كل عام فى دار الأوبرا المصرية باعتبارها الجهة الوحيدة التى تعتبر حائط الصد ضد الغزو الثقافى الغربى وضد انهيار الفن العربى أمام الأغانى الهابطة، فهى التى تضع الخطوط العريضة للحفاظ على التراث وسبل مكافحة الهبوط الغنائى الذى يعيشه العالم العربى.