رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

تقارير

اللواء محسن الفحام يروى ذكريات شهر الصيام: فوجئنا بـ”مانديلا” هابطًا من طائرته الخاصة ولبى دعوتنا على الإفطار (حوار)

قوة شخصية الزعيم الأفريقى.. جعلتنا لا ننسى نصائحه حتى اليوم

ذكريات لا تنسى لقيادات وزارة الداخلية السابقين، وتظل محفورة هذه القيادات داخل الذاكرة، ونهتم عبر جريدتنا الغراء بنشرها لعرضها على القراء، خلال شهر رمضان الكريم، ونستهل هذه الذكريات باللواء محسن الفحام، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والمحاضر بأكاديمية الشرطة، والذى كانت له ذكريات تاريخية مع الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا، الذى تناول معه وزملاؤه فى مطار القاهرة الدولى الإفطار الرمضانى، ونسى نفسه أمام طبق الملوخية، والذى وصفه بأن صانعه مبدع، كما تناول الشاى والحلويات الرمضانية، واستأذن مانديلا ضباط المطار وقتها فى الحصول على بعض القطايف والكنافة ليقدمها لزوجته مشيدا بالطعام الرمضانى.. والسطور التالية تعرض تفاصيل اللقاء كاملا.

ما الموقف الرمضانى الذى لا تستطيع نسيانه إلى الآن؟

أثناء عملى فى المطار، عندما حانت ساعة الإفطار فوجئنا بإخطار من المراقبة الجوية يفيد أن هناك طائرة خاصة ستهبط اضطرارياً لوجود عطل فنى بها، وعليها شخصية مهمة كانت فى زيارة إلى إنجلترا وفى طريق عودتها إلى جنوب أفريقيا، وعندما قمنا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين هبوط الطائرة والتى هبطت بسلام، فوجئنا بالزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا هو الذى يستقل الطائرة، بطبيعة الحال لم يكن أحد من المسئولين فى استقباله لعدم سابقة الإخطار به وأيضاً لأنه كان فى حالة مرور مباشر عبر الأجواء المصرية، وكان نسيم ساعة الغروب فى أرض المهبط رائعاً والهدوء يسود المكان وهو الأمر الذى جعل الزعيم الأفريقى يطلب الهبوط من الطائرة والسير قليلاً بالمهبط، بطبيعة الحال كنا منبهرين بهذه الشخصية التاريخية وبتاريخه النضالى لتحرير جنوب أفريقيا، وكنا نتسابق لمصافحته ونحن نشعر بمدى عظمته وتواضعه، وفوجئت بأحد الزملاء الذين يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية يتجاذب معه أطراف الحديث ويخطره أننا فى شهر رمضان وفى ساعة الإفطار وقام بدعوته لتناول الإفطار معنا، وكم كانت دهشتنا بموافقته الفورية على ذلك، وبالفعل توجهنا إلى مكتبنا المتواضع، وكان كل ضابط قد قام بتجهيز نوع معين من الطعام أتذكر أن الملوخية كانت من بين تلك الأطعمة ويبدو أن والدة هذا الزميل قد أبدعت فى إعدادها وهو الأمر الذى جعل الزعيم الأفريقى يستأثر بالجزء الأكبر منها منبهراً ومندهشاً من روعة طعمها وسهولة هضمها.

وعندما تم إخطاره بإصلاح العطل بالطائرة صمم أن يبقى معنا لحين تناول الشاى وحلويات رمضان، وطلب أن يأخذ معه بعض قطع القطايف والكنافة لزوجته فى جوهانسبرج، وأخذ يتحدث معنا عن مفاهيم حقوق الإنسان وتلك السنوات التى قضاها فى السجن وكيف تعلم منها مقارنة الأديان السماوية والممارسات السياسية السلمية التى استطاع من خلالها أن يحقق الجلاء لبلاده دون إراقة نقطة دم واحدة، وأتذكر من ضمن ما قاله لنا وسجله التاريخ بعد ذلك "الكلمة أقوى من طلقة الرصاص وقد قالها عندما رأى كل منا يحتفظ بسلاحه معه"، وقال لنا يومها: "انتبهوا يا شباب- يقصدنا آنذاك- اجعلوا عطاءكم لا يتوقف إلا بموتكم ولآخر نفس فى حياتكم، ولقد سمعت عن كرم الرجل العربى ولكننى لم أتوقع أنه هكذا كما رأيت بعينى معكم اليوم".

ولا أبالغ فلقد استمر وجودنا مع هذا البطل قرابة ساعتين، أعتقد أن الزمن توقف خلالهما ونحن ننظر إليه بانبهار وذهول وهو يتحدث عن فترة سجنه التى استمرت عشرات السنين وكأنه كان فى نزهة خلوية رسم خلالها مستقبل بلاده وهو ما تحقق بالفعل بعد الإفراج عنه.

وماذا تعلمتم من هذا اللقاء؟

تواضع العظماء، والثقة بالنفس، والعطاء غير المحدود، وعشق الحرية، والتفاؤل المستمر والدائم مهما كانت صعوبات الحياة، وأنه بالفعل لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، وكان أكثر ما أحزننا فى هذا اللقاء أننا لم نسجله صوتا أو صورة، حيث لم تكن هناك هواتف محمولة وقتها، ولكنه ظل محفوراً بداخلنا ونستطيع أن نقول أن ما سمعته من هذا الرجل كان نبراساً وأسلوب حياة أزعم أننى اقتبست وتعلمت منه الكثير.

وكيف يكون يوم ضباط المطار خلال الشهر الكريم؟

يسير العمل بنظام النوبتجيات بحيث يمر على كل مجموعة ثلاثة أيام، واليوم الرابع يكون إفطارهم فى المطار، والغريب أنه فى توقيت الإفطار تكون ساعة الذروة لهبوط العديد من الطائرات وهو الأمر الذى يترتب عليه تبادل الأماكن بينهم حتى يتمكن كل ضابط من تناول جزء من إفطاره ولكنه فى أغلب الأوقات يستمر عملهم لحين الانتهاء من إجراءات سفر ووصول الرحلات التى تمتد حتى أذان العشاء وهو الأمر الذى يحظى باحترام وتقدير الركاب المترددين على المطار فى هذا التوقيت.

هل كان لفيروس كورونا تأثير على العادات والموروثات الخاصة بشهر رمضان؟

أكيد بالطبع، كما أن تعليمات الدولة بإغلاق المطاعم والمقاهى والأندية كان لها تأثير كبير على ذلك، ولكننى على الصعيد الشخصى سعيد بذلك فيكفى أن نعلم أن نقاء المناخ والأجواء قد وصل إلى 40% ولعلها بداية مبشرة أن يعود الهواء النقى مرة أخرى إلى أجواء الحياة فى مصر.

تشير الدلائل إلى انخفاض فى نسبة جرائم العنف.. هل يرتبط ذلك بشهر رمضان؟

أتمنى أن يكون ذلك مع العلم أن شهر رمضان الحالى يختلف عن الأعوام السابقة فمجتمعنا أصبح كل اهتمامه حالياً الوقاية من فيروس كورونا والاهتمام بصحته وصحة أبنائه والتواجد معظم الوقت داخل منازلهم، وأتمنى أن يكون ذلك بداية لنبذ العنف والتقليل من جرائم القسوة والعنف والإكراه.