رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

خير أجناد الأرض

نكشف كواليس الحرب النفسية بـ«فوبيا إسقاط الدولة»

"إننى على ثقة كاملة من النصر فى تلك الحرب ليقينى التام بأن الشعب المصرى بأغلبيته الكاسحة يدرك بقلبه السليم الصدق من الافتراء، وأن هذا الشعب الأصيل سئم من الخداع والمخادعين، ومن كثرة الافتراء على وطنه بالباطل"، كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى حول الحرب النفسية والشائعات.

الحرب النفسية والشائعات هى نوع من الحروب التى يلجأ إليها العدو بدلا من الحرب التقليدية التى يستخدم فيها السلاح، وتعد أرخص وأقوى الأسلحة التى من الممكن أن تصيب الهدف بدون أية تكاليف مادية أو خسارة فى الأرواح حيث يستغنى فيها عن الفرد المقاتل، والأسلحة الباهظة الثمن، تم استخدامها فى كثير من الحروب عبر الزمن بدأ من الفراعنة فى حروبهم، ثم استخدمها هتلر فى معاقبته للضباط ونابليون قبل دخوله لمصر، وفى حرب العراق، والاستنزاف ونصر أكتوبر 73، إرفين رومل سياسى ألمانى، وصف الحرب النفسية بأنها تستولى على عقول الأعداء قبل أجسادهم، ووصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال خطاباته بأنها "فوبيا إسقاط الدولة".

خدعة الجيش الذى لا يُقهر

عام 1967 ادعى الجيش الإسرائيلى أنه لا يقهر، بهدف تخويف أو ردع الدول التى تستهدفها إسرائيل، ولكن الأمر اختلف خلال حرب الاستنزاف عندما قرر الجيش المصرى أن ينتصر وينتزع حقه الذى انتهكه العدو، ومن هنا بدأت مصر فى الانتصار على أصعب الحروب النفسية والشائعات التى كانت تُدار خلال فترة من أصعب الفترات التى مرت على مصر بسبب هذه الحروب، حيث كان الجيش الإسرائيلى يذيع أخبارا كاذبة بهدف كسر الروح المعنوية للشعب المصرى وجيشه، ولكن كان هناك أكثر من طريقة هزمت هذه الحرب ومنها، الأغانى الوطنية التى كانت تُذاع بشكل مستمر، فضلا عن عزيمة الشعب والجيش المصرى على الانتصار واستعادة الأرض، كما لجأ الجيش المصرى إلى أكثر من حيلة قبل حرب أكتوبر وهى خطة الخداع الإستراتيجى التى قام بها القادة والجنود لإيهام العدو أن مصر لن تحارب وغير مستعدة لخوض الحرب، وهو ما أفلح مع العدو الإسرائيلى وعكس السلاح فى وجهه بعد أن كان مصوبا إلى وجهنا.

الحرب النفسية وأهدافها:

الحرب النفسية تُدار من خلال وسائل التواصل الاجتماعى أو الأغانى أو الخُطب أو الأخبار، وغيرها من الطرق التى تصل بسرعة وسهولة إلى الفرد والجماعة المستهدفة، بهدف نشر الأفكار أو الآراء أو المعتقدات لتغيير اتجاهات الناس والتأثير فى مشاعرهم وميولهم وأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم، وهذا من أجل إضعاف القدرة القتالية للخصم، وخفض معنوياته، وتشكيكه فى مؤسسات الدولة أو القادة أو الحكومة، مما ينجم عن هذه الحرب تغيير المشاعر والميول والاتجاهات والآراء والمعتقدات والأفكار وتغيير السلوك، وهو الهدف الرئيس من هذه العملية، حتى يقتنع الخصم بالهزيمة وبأنه لا جدوى من الاستمرار فى الحرب وخير له أن يستسلم .

الشائعات:

هى أحد أهم أدوات الحرب النفسية، وتسبب أكبر ضرر معنوى ومادى للعدو، لأن السلاح الرئيسى المستخدم هنا هو "الكلمة" وتستطيع الكلمة أن تسبب ضررا أكبر من ضرر رصاصة واحدة، فالكلمة تُصيب شعبا بأكمله بينما الرصاصة قد تصيب فردا واحدا، فهى تؤثر فى الشعوب وتستطيع أن تغير تفكيرهم، وتقنعهم بصحة الأكاذيب، وتخلق أزمة لبث الخوف والذعر، فبمجرد تداول الشائعة فتنتشر بسرعة كبيرة إذا كان مناخ المجتمع مهيأ لهذه الشائعة، وتعتمد الشائعة على الحالة النفسية للمجتمع، بهدف خلق رغبة ودافع عند متُلقى الشائعة فى معرفة المعلومة والسعى خلفها، وقوتها تجعلها تتحول وتزداد حولها القصص والروايات ويصل الأمر إلى تهديد حقيقى لأمن البلد المستهدف.

أشهر الحروب التى استخدمت فيها الحرب النفسية:

حرب 1967:

استطاع الجيش الإسرائيلى السيطرة فيها بعد استخدامه فن الحرب النفسية، وكان فى الجيش الإسرائيلى وحدة رقم 640 والتى كانت مسئولة عن تنفيذ مهمة الحرب النفسية ضد الجنود المصريين والعرب، ونشرت صحيفة "معاريف" العبرية أن أعضاء الوحدة اكتشفوا أن الجنود العرب أخذوا معلوماتهم عن الجيش الإسرائيلى أنه من أقوى الجيوش ولا يقهر، لذلك استغلوا عامل الخوف بشكل كبير، واعتمد الإسرائيليون فى حربهم النفسية فى نكسة 67 على اتجاهين، الأول كان منشورات وبيانات مطبوعة، والثانى عبارة عن إعلانات بواسطة مكبرات الصوت، وفيما يخص المنشورات أوضحت الوثائق أن الجيش الإسرائيلى ألقى نحو 100 ألف منشور وبيان مطبوع خلال أيام الحرب على الجبهات المختلفة، مستغلاً أن معظم جنود الجيش المصرى والأردنى كانوا من الفلاحين البسطاء الذين لا يعرفون شيئا عن الجيش الإسرائيلى، ومن هنا نشروا الأكاذيب للعرب لتحقيق هدفهم فى الردع، ورغم زيادة عدد القوات المصرية والعربية عن القوات الإسرائيلية، إلا أن الجيش الإسرائيلى ألقى منشورات على القوات المصرية يقول فيها "نحن كثيرون أكثر وأقوى منكم".

مصر استخدمت الحرب النفسية فى 1973:

ردت مصر سلاح الحرب النفسية إلى إسرائيل عام 1973 وكان له الفضل فى نصر أكتوبر، حيث أصدرت القوات المسلحة عدة بيانات هزت نفوس قوات الاحتلال، وكانت تعلن القوات المسلحة ببدء مناورة عسكرية ما يجبر جيش الاحتلال على رفع حالة الاستعداد القصوى ما يكبدهم ملايين الجنيهات، ثم أعلنت القوات المسلحة بدء مناورة أخرى وكانت الأخيرة لبدء الحرب، فى المقابل تجاهل جيش الاحتلال ذلك الأمر خوفًا من الخسائر المالية، وتفاجئوا بعد ذلك ببدء الحرب.

وكان هناك خطة خداع إستراتيجى "حرب نفسية" عندما أعلنت القوات المسلحة فتح باب العمرة لقياداتها ما يوحى لجيش العدو بحالة التراخى العسكرى لمصر، وغيرها من منشورات الجرائد بحالة الفساد المتفشى فى مؤسسات الدولة، وانتشار الأمراض والأوبئة ما دفعهم لإخلاء مستشفى الدمرداش، ولكن كانت حقيقة الأمر استعداداً للحرب ولتلقى المصابين من الجنود.

وفى صبح يوم الحرب كان الجنود المصريون ينشرون ملابسهم أمام الجيش الإسرائيلى مما يوحى لهم بأن الأمور تسير بشكل طبيعى دون الاستعداد إلى حرب أو ما شابه.

العراق والحرب النفسية الأمريكية:

استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق وإسقاطها من خلال الحرب النفسية ولجأت إلى بث الأكاذيب والشائعات والعزف على عقول المواطنين، وبدأت بإشاعة خبر اختفاء نائب الرئيس العراقى "طارق عزيز"، وإصابته ثم قتله بسبب تمرده على الرئيس صدام حسين، ولكن المفاجأة أن عزيز ظهر بعد ذلك على شاشات التليفزيون ينفى هذه الشائعة، ولم تتوقف أمريكا ولجأت إلى طريق آخر وهو إعلان الضربة الأولى للعراق وبثها عبر وسائل الإعلام، والتى استخدمت فيها أكثر من 40 صاروخاً من نوع كروز، وذكرت أنها دمرت مقرا للقيادة العراقية وبداخله الرئيس صدام الذى ظهر بعد ذلك يلقى خطابه على شاشات الفضائيات، ثم جاءت مسرحية أسر عدد كبير من الجنود العراقيين ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل قامت الولايات المتحدة بإلقاء 17 مليون نسخة من المنشورات فوق العراق وكان آخرها قبل الحرب بيوم واحد عندما قامت الطائرات الأمريكية بإلقاء 2 مليون منشور تطلب فيها من الجنود العراقيين بالاستسلام.

حرب الشائعات ضد العرب:

اتجهت الولايات المتحدة لإشغال العرب فى معارك جانبية وافتعال أزمات داخلية وباستغلال هذه الأحداث وتصعيدها، ومحاولة لاستخدام أبواق الدعاية للنيل من الوحدة العربية والتشكيك فى نوايا العرب، وفى إخلاصهم وفى التزاماتهم إزاء القضية العربية المصيرية ناهيك عن إشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الأمة، والتفرقة بين الشعوب وحكوماتهم، وبين الجيش والمدنيين، بهدف تمزيق الجبهة الداخلية واستنفاد الطاقات فى الخصومات.

مواجهة الحرب النفسية:

تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى حول الحرب النفسية فى الذكرى 46 من نصر أكتوبر وقال: "إنه قُدر لهذا الوطن، أن يتعرض لأمواجٍ عاتية يأتى أغلبها من الخارج، ولكنها تتحطم دوماً، أمام صلابة وتماسك الشعب المصرى، الذى يربطه بأرضه رباط وثيق، ويربطه بجيشه الوطنى ميثاقٌ وعهد بالحفاظ على الأرض، وحماية الشعب، وصون الكرامة الوطنية".

ولفت الرئيس إلى أن هذه الحرب التى تعتمد على الخداع والأكاذيب والشائعات، يكون النصر فيها معقوداً على وعى كل مواطن، وعلى مفاهيمه وأفكاره ومعتقداته، وتابع: "إننى على ثقة كاملة من النصر فى تلك الحرب ليقينى التام بأن الشعب المصرى بأغلبيته الكاسحة يدرك بقلبه السليم الصدق من الافتراء، وأن هذا الشعب الأصيل سئم من الخداع والمخادعين، ومن كثرة الافتراء على وطنه بالباطل".

كما ربط الرئيس بين ما حققه الشعب المصرى عام 1973 وظنه الجميع مستحيلاً، والأوضاع الراهنة، قائلاً: "إن الشعب قادر بإذن الله على مواصلة انتصاراته والحفاظ على وطنه وحماية دولته ومؤسساتها يقيناً منه بأنها مؤسسات وطنية مخلصة، تعمل من أجل حماية أمنه، وصون استقراره، وتعظيم إنجازاته".